شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الإمام يأتي قومًا فيصلح بينهم

          ░36▒ باب: الإمَامِ يَأْتِي قَوْمًا فَيُصْلِحُ بَيْنَهُمْ.
          فيه: سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ: (كَانَ قِتَالٌ بَيْنَ بَنِي عَمْرٍو بنِ عوفٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبيَّ صلعم فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَتَاهُمْ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا حَضَرَتْ صَلاةُ الْعَصْرِ فَأَذَّنَ بِلالٌ وَأَقَامَ وأَمَرَ(1) أَبَا بَكْرٍ فَتَقَدَّمَ، وَجَاءَ النَّبيُّ صلعم وَأَبُو بَكْرٍ في الصَّلاةِ، فَشَقَّ النَّاسَ حَتَّى قَامَ خَلْفَ أبي بَكْرٍ، فَتَقَدَّمَ في الصَّفِّ الذي يَلِيهِ، وَصَفَّحَ(2) القَومُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا دَخَلَ في الصَّلاةِ لَمْ يَلْتَفِتْ). وذكر الحديث إلى قوله: (إِذَا رَابَكُمْ أَمْرٌ فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ وَلْيُصَفِّق النِّسَاءُ). [خ¦7190]
          قد تقدَّم هذا الباب في كتاب الصلح فأغنى عن إعادة القول فيه(3). [خ¦2690]
          فإن قال قائلٌ: قد جاء في هذا الحديث أنَّ النَّبيَّ صلعم شقَّ الناس وهم في الصلاة، وجاء عنه صلعم أنَّه نهى عن التخطِّي، وأن يفرِّق بين اثنين يوم الجمعة، فكيف وجه الجمع بين هذه الأحاديث؟
          قال المُهَلَّب: لا اختلاف بين معانيها، ولكلِّ واحدٍ منها وجهٌ بحمد الله(4)، وذلك أنَّ النَّبيَّ صلعم ليس كغيره في أمر الصلاة ولا غيرها؛ لأنَّه ليس لأحدٍ أن يتقدَّم عليه فيها، وله أن يتقدَّم لما ينزل عليه من أحكام الصلاة، أو ينزل عليه قرآن بإثبات حكمٍ أو نسخه، وليس لغيره شيءٌ من ذلك وليس حركةٌ من حركاته ◙ إلَّا ولنا فيها منفعةٌ وسنَّة نقتدي بها، والمكروه من التخطِّي هو ما يختصُّ بالأذى والجفاء على الجلوس في التخطِّي على رقابهم وقلَّة توقيرهم، وليس كذلك الوقوف في الصلاة؛ لأنَّهم ليسوا في حديث يفاوضون فيه فيقطعه عليهم المارُّ بينهم كما يقطعه من جلس بين اثنين متحادثين في علمٍ أو مشاورةٍ، ويستدلُّ على ذلك بقول مالكٍ: من رعف في الصلاة أنَّ له أن يشقَّ الصفوف عرضًا إلى الباب، فإن لم يمكنه خرج كيف تيسَّر له، وليس لأحدٍ أن يشقَّ الصفوف في الدخول والناس(5) قبل الصلاة لما في ذلك من الجفاء على الناس والأذى لهم، ولهم ذلك بعد تمام الصلاة، لأنَّهم ممَّن أباح الله تعالى لهم الانتشار بعد الصلاة؛ فلذلك سقط أذى التخطِّي عن الخارج؛ لأنَّهم مختارون للجلوس بعد الصلاة ومأمورون بالجلوس فيها(6)، وقد خرج ◙ بعد تقضِّي الصلاة يتخطَّى رقاب الناس فقال: ((تذكَّرت ذُهَيبةً كانت عندي فخشيت أن تحبسني)).
          وفي قوله صلعم: (فْليُسَبِّحِ الرِّجَالُ وَلتُصَفِّحٍ(7) النِّساءُ) حجَّةٌ للشافعيِّ في قوله: إن المرأة لا تسبِّح في الصلاة؛ لأنَّ صوتها فتنةٌ يُخشى منه على الناس، فالتصفيق سنَّتها بخلاف الرجال على ما جاء في(8) الحديث، وهو نصٌّ لا مدفع فيه.


[1] في (ص): ((فأمر)).
[2] في (ص): ((وصفق)).
[3] في (ص): ((وقد تقدم في الصلح)).
[4] قوله: ((بحمد الله)) ليس في (ص).
[5] زاد في (ص): ((جلوس)).
[6] في (ص): ((قبلها)).
[7] في (ص): ((وليصفق)).
[8] زاد في (ص): ((هذا)).