شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من استرعي رعيةً فلم ينصح

          ░8▒ باب: مَنِ اسْتُرْعِيَ رَعِيَّةً فَلَمْ يَنْصَحْ
          فيه: الْحَسَنُ: أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيَادٍ عَادَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلعم، سَمِعْتُ النَّبيَّ صلعم يَقُولُ: (مَا مِنْ عَبْدٍ يسْتَرْعَيه اللهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ). وقال مرَّةً: (مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ المُسْلِمِينَ، فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ). [خ¦7150]
          قال المؤلِّف: النصيحة فرضٌ على الوالي لرعيَّته وقد قال ◙: ((الأمير الذي على الناس راعٍ ومسؤولٌ عن رعيَّته)) فمن ضيَّع من استرعاه الله أمرهم أو خانهم أو ظلمهم؛ فقد توجَّه إليه الطلب بمظالم العباد يوم القيامة فكيف يقدر على التحلُّل من ظلم أمَّةٍ عظيمةٍ؟ وهذا الحديث(1) وعيدٌ شديدٌ على أئمَّة الجور.
          وقوله صلعم: (لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ) و (حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ) فمعناه عند أهل السنَّة إن لم يرض الله تعالى الطالبين عنه فأراد ╡ أن ينفذ عليه الوعيد؛ لأنَّ المذنبين من المؤمنين في مشيئة الله ╡.
          ويجب على الوالي أن لا يحتجب عن المظلومين، فقد(2) جاء في ذلك وعيدٌ شديدٌ.
          روى الوليد بن مسلمٍ عن يزيد بن أبي مريم، عن القاسم بن مُخَيْمِرَة، عن أبي مريم الفلسطينيِّ، وكان من أصحاب النبيِّ صلعم قال: سمعت النبيَّ صلعم يقول: ((من ولي من أمور الناس شيئًا فاحتجب عن خلَّتهم وحاجتهم وفاقتهم احتجب الله عن حاجته وخلَّته(3) وفاقته)). ويجب على الوالي أن لا يولِّي أحدًا من عصابته، وفي الناس من هو أرضى منه، فقد روي عن ابن عبَّاسٍ عن النبيِّ صلعم أنَّهم إن فعلوا ذلك فقد خانوا الله ورسوله، وخانوا جميع المؤمنين.


[1] زاد في (ص): ((بيان)).
[2] في (ص): ((وقد)).
[3] في (ص):((خلته وحاجته)).