شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: الأمراء من قريش

          ░2▒ باب: الأمَرَاءُ مِنْ قُرَيْشٍ
          فيه: مُعَاوِيَةُ: (أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَيَكُونُ مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ، فَغَضِبَ، فَقَامَ فَأَثْنَى على اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يُحَدِّثُونَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ في كِتَابِ اللهِ وَلا تُوثَرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم، وَأُولَئِكَ جُهَّالُكُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَالأمَانِيَّ التي تُضِلُّ أَهْلَهَا، إِنِّي(1) سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الأمْرَ في قُرَيْشٍ لا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللهُ على وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ). [خ¦7139]
          وفيه: ابْنُ عُمَرَ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (لا يَزَالُ هَذَا الأمْرُ في قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ). [خ¦7140]
          قال المؤلِّف: هذا يردُّ قول النَّظَّام وضرارٍ ومن وافقهما من الخوارج أنَّ الإمام ليس من شرطه أن يكون قرشيًّا. قالوا: وإنَّما يستحقُّ(2) الإمامة من كان قائمًا بالكتاب والسنَّة من أفناء الناس من العجم وغيرهم. قال ضرارٌ: وإن اجتمع رجلان قرشيٌّ ونبطيٌّ ولَّينا النبطيَّ؛ لأنَّه أقلُّ عشيرةً، فإذا عصى الله وأردنا خلعه كانت شوكته علينا أهون.
          قال أبو بكر بن الطيِّب: وهذا قولٌ ساقطٌ لم يعرِّج المسلمون عليه، وقد ثبت عن النبيِّ صلعم أنَّ الخلافة في قريشٍ، وعمل بذلك المسلمون قرنًا بعد قرن فلا معنى لقولهم، وقد صحَّ عن النبيِّ صلعم أنَّه أوصى بالأنصار، وقال: ((من ولي منكم من هذا الأمر شيئًا فليتجاوز عن مسيئهم)) ولو كان الأمر إليهم لما أوصى بهم. /
          وممَّا يشهد لصحَّة هذه الأحاديث احتجاج أبي بكرٍ وعمر رضوان الله عليهما بها على رؤوس الأنصار في السقيفة، وما كان من إذعان الأنصار، وخنوعهم لها عند سماعها وإذكارهم بها حتَّى قال سعد بن عُبَاْدَة: منَّا الوزراء ومنكم الأمراء. ورجعت الأنصار عمَّا كانوا عليه حين تبيَّن لهم الحقُّ بعد أن نصبوا الحرب، وقال الحُبَاب بن المنذر: أنا جُذَيلها المُحكَّك وعُذَيقها المُرَجَّب. وانقادوا لأبي بكرٍ مذعنين.
          ولولا علمهم بصحَّة هذه الأخبار لم يلبثوا أن يقدحوا فيها، ويتعاطوا ردَّها، ولا كانت قريشٌ بأسرها تقرُّ كذبًا يدعى عليها؛ لأنَّ العادة جرت فيما لم يثبت من الأخبار أن يقع الخلاف والقدح فيها عند التنازع، ولا سيَّما إذا احتجَّ به في هذا الأمر العظيم مع إشهار السيوف، واختلاط القول.
          وممَّا يدلُّ على كون الإمام قرشيًّا اتِّفاق الأمَّة في الصدر الأوَّل وبعده من الأعصار على اعتبار ذلك في صفة الإمام قبل حدوث الخلاف في ذلك، فثبت أنَّ الحقَّ في اجتماعها وإبطال قول من خالفها، وسيأتي في كتاب الرجم في باب الرجم للحبلى من الزنا إذا أحصنت شيءٌ من هذا المعنى(3). [خ¦6830]
          قال المُهَلَّب: وأمَّا حديث عبد الله بن عَمْرٍو أنَّه سيكون ملكٌ من قحطان، فيحتمل أن يكون ملكًا غير خليفةٍ يتغلَّب على الناس من غير رضًا به، وإنَّما أنكر ذلك معاوية لئلَّا يظنَّ أحدٌ أنَّ الخلافة تجوز في غير قريشٍ، ولو كان عند أحدٍ في ذلك علمٌ من النبيِّ صلعم لأخبر به معاوية حين خطب بإنكار ذلك عليهم، وقد روي في الحديث ما يدلُّ(4) أنَّ ذلك إنَّما يكون عند ظهور(5) أشراط الساعة وتغيير الدين، روى أبو هريرة عن النبيِّ صلعم أنَّه قال: ((لا تقوم الساعة حتَّى يخرج رجلٌ من قحطان يسوق الناس بعصاه))، فقوله صلعم: ((لا تقوم الساعة)) يدلُّ أنَّ ذلك من أشراط القيامة وممَّا لا يجوز، وكذلك ترجم البخاريُّ بهذا الحديث في كتاب الفتن في باب تغير الزمان حتَّى تعبد الأوثان، وفهم منه هذا المعنى. [خ¦7117]


[1] في (ص):((فإني)).
[2] في (ص): ((استحق)).
[3] قوله: ((في باب الرجم للحبلى من الزنا إذا أحصنت شيء من هذا المعنى)) ليس في (ص).
[4] قوله: ((مايدل))ليس في (ص).
[5] قوله: ((ظهور)) ليس في (ص).