شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: هل يقضي الحاكم أو يفتى وهو غضبان؟
  
              

          ░13▒ باب: هَلْ يَقْضِي الْحاكم أَوْ يُفْتِي(1) وَهُوَ غَضْبَانُ
          فيه: أَبُو بَكْرَةَ: أَنَّه كَتَبَ إلى ابْنِهِ وَكَانَ بِسِجِسْتَانَ أَنْ لا تَقْضِيَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبيَّ صلعم يَقُولُ: (لا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ)(2). [خ¦7158]
          وفيه: أَبُو مَسْعُودٍ: (جَاءَ(3) رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صلعم فَقَالَ: وَاللهِ إني لأتَأَخَّرُ عَنْ صَلاةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْل ِمَّا يُطِيلُ بِنَا فلان فِيهَا، فَمَا رَأَيْتُ النَّبيَّ صلعم قَطُّ أَشَدَّ غَضَبًا في مَوْعِظَةٍ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُوجِزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ). [خ¦7159]
          وفيه: ابْنُ عُمَرَ: (أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صلعم، فَتَغَيَّظَ فيْهِ النَّبيُّ صلعم، ثُمَّ قَالَ: لِيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا). [خ¦7160]
          قال المُهَلَّب: قوله ◙: (لا يَقْضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ(4) غَضْبَانُ) ندبٌ منه صلعم خوف التجاوز، ولذلك كره العلماء أن يقضي القاضي وهو غضبان، / روي ذلك عن عُمَر بن الخطَّاب وشريحٍ وعمر بن عبد العزيز، وهو قول مالكٍ والكوفيِّين والشافعيِّ.
          فإن قيل: فقد قضى النبيُّ صلعم وهو غضبان.
          قيل: إنَّما فعل ذلك لأنَّه لم يخش التجاوز والميل في حكمه؛ لأنَّه معصومٌ بخلاف غيره من البشر، وإنَّما يستعمل الغضب في القضاء والفتيا كما استعمله النبيُّ صلعم أنَّه رأى شيئًا من الشريعة أو السنَّة(5) قد غُيِّر عن حاله، ومن الأحوال التي تكره للقاضي أن يقضي فيها أن يكون جائعًا، وروي(6) عن شريحٍ أنَّه كان إذا غضب أو جاع قام. وكان الشَّعبيُّ يأكل عند طلوع الشمس فقيل له. فقال: آخذ حلمي قبل أن أخرج إلى القضاء. ولا يقضي ناعسًا ولا مغمومًا. قال الشَّعبيُّ: وأيُّ حال جاءت عليه ممَّا يعلمه(7) أنَّها تُغيِّر عقله أو فهمه امتنع من القضاء فيها.

[1] في (ص): ((ويفتي)).
[2] قوله: ((فَإِنِّي سَمِعْتُ النبي.... وَهُوَ غَضْبَانُ)) ليس في (ص).
[3] في (ص): ((دخل)).
[4] في (ص): ((لا تقضي بين اثنين وأنت)).
[5] في (ص): ((والسنة)).
[6] في (ص): ((روي)).
[7] في (ص):((يعلم)).