مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب

          ░34▒ باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب:
          فيه حديث ميمونة ♦، وسلف في الطهارة، وهنا أطول منه.
          ثم ساق من حديث مالك: عن ابن شهاب، بسنده عن ميمونة قالت: سئل النبي صلعم عن فأرة الحديث.
          توقف (خ) في إسناد معمر عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة؛ لأنه انفرد به معمر عن الزهري.
          وأما حديث الزهري عن عبيد الله، عن ابن عباس فرواه جماعة أصحاب ابن شهاب عنه بهذا الإسناد، وقد صحح الذهلي الإسنادين جميعاً عن ابن عباس، وإنما لم يدخل (خ) في الحديث ((وإن كان مائعاً فلا تقربوه))؛ لأنه من رواية معمر عن الزهري، واستراب انفراد معمر، قلت: وأما ابن حبان فصححه.
          وفي قوله: ((ألقوها وما حولها)) دلالة على أن السمن كان جامداً؛ لأنه لا يمكن طرح ما حولها في المائع وقام الإجماع على أن هذا حكم السمن الجامد تقع فيه الميتة فتلقى وما حولها ويؤكل سائره، وأما السمن المائع والزيت والخل وسائر المائعات تقع فيه الميتة، ولا خلاف أيضاً بين أئمة الفتوى أنه لا يؤكل منها شيء.
          واختلفوا في بيعه والانتفاع به، فقالت طائفة: لا يباع ولا ينتفع بشيء منه كما لا يؤكل، هذا قول الحسن بن صالح وأحمد، واحتجوا بحديث أبي هريرة: ((لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها)).
          وقال آخرون: يجوز الاستصباح به والانتفاع في الصابون وغيره، ولا يجوز بيعه وأكله، هذا قول مالك والثوري والشافعي / ، واحتجوا برواية عبد الواحد بن زياد، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة أن النبي صلعم قال: ((وإن كان مائعاً فاستصبحوا به)) قالوا: وقد روي عن علي وابن عمر وعمران بن حصين: أنهم أجازوا الاستصباح به، وقال آخرون: ينتفع بالزيت الذي تقع فيه الميتة بالبيع وكل شيء ما عدا الأكل.
          قال والدي ⌂:
          (باب لحوم الخيل).
          قوله: (الحميدي) مصغر الحمد منسوباً عبد الله بن الزبير، و(محمد بن علي) بن أبي طالب هو ابن الحنفية، و(الإنسية) بكسر الهمزة وإسكان النون وبفتحهما، و(سلمة) بالمفتوحتين ابن الأكوع الصحابي. قال الشافعي وأحمد بإباحة لحم الخيل وقال أبو حنيفة بتحريمه، و(ابن المبارك) عبد الله، و(أبو أسامة) هو حماد مولى لمولى الحسن بن علي ╩، و(عبد الله والحسن) هما ابنا محمد بن الحنفية، و(المتعة) متعة النساء أي: النكاح المؤقت.
          و(عدي) بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية، و([البراء]) بتخفيف الراء، وبالمد ابن عازب بالمهملة وكسر الزاي، و(عبد الله بن أبي أوفى) بفتح الهمزة وبالفاء.
          قوله: (إسحاق) قال الغساني: يقال إنه أما ابن راهويه وإما ابن منصور، و(أبو إدريس) هو عائذ الله بالمهملة والهمز بعد الألف وبالمعجمة الخولاني بفتح المعجمة وإسكان الواو وبالنون، و(أبو ثعلبة) بلفظ الحيوان المشهور اسمه جُرهُم بضم الجيم والهاء وتسكين الراء على اختلاف فيه.
          و(الخشني) بالمعجمة المضمومة وفتح الثانية وبالنون، و(حمر الأهلية) من باب إضافة الموصوف إلى صفته وفي بعضها الحمر الأهلية، و(الزبيدي) مصغر الزبد بالزاي والموحدة والمهملة محمد بن الوليد، و(عقيل) مصغر العقل بالمهملة والقاف، و(الماجشون) بفتح الجيم وكسرها، وقيل: بضمها أيضاً وبضم المعجمة وبالواو وبالنون عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة القرشي المدني الملقب بالماجشون وهو معرب ماهكون أي: المشبه بالقمر.
          و(ابن إسحاق) محمد بن إسحاق بن يسار ضد اليمين والمراد من الناب ناب يعدو به على الحيوان ويتقوى به.
          قوله: (محمد بن سلام) بالتخفيف والتشديد، و(ينهاكم) هو من قبيل قوله تعالى: {وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} [التوبة:62] وفي بعضها: ينهيانكم مثنى، و(أكفئت) من الإكفاء وهو القلب، والحديث حجة على مالك حيث جوز أكل لحم الحمار، و(عمرو) هو ابن دينار، و(جابر بن زيد) هو أبو الشعثاء، و(الحكم) بالمفتوحتين ابن عمر الغفاري بكسر المعجمة وخفة الفاء وبالراء الصحابي نزيل البصرة مات بمرو سنة خمس وأربعين، و(البحر) أي بحر العلم يعني: ابن عباس وفي بعضها ((الحبر)).
          و(ابن عيينة) هو سفيان، و(عن الزهري) هو متعلق بالأربعة من الرجال إذ كلهم يروون عنه.
          قوله: (زهير) مصغر الزهر بالزاي والراء ابن حرب ضد الصلح، و(صالح) هو ابن كيسان، و(عبيد الله) مصغراً ابن عبد الله مكبراً، و(بإهابها) أي جلدها.
          الخطابي: قد يحتج به من لا يرى الدباغ مطهراً لجلد غير المأكول لأن الحديث جاء في إهاب الشاة وهي مأكول قالوا الدباغ لا تزيد في التطهير على الزكاة لكنه يخلفها والزكاة لا تطهر غير الحيوان المأكول والدباغ الذي يخلفه أولى بأن لا يطهره ومن أطلق الحكم فيه نظر إلى عدة المنفعة وقال لما كان جميع أنواع الحيوان الطاهر الذات منتفعاً به قبل الموت كان الدباغ شاملاً له بالتطهير وقائماً مقام الحياة في قوله: (خطاب) بفتح المعجمة وشدة المهملة / الفوزي بالفاء المفتوحة والواو الساكنة وبالزاي كان يعد من الأبدال.
          و(محمد بن حمير) بكسر المهملة وإسكان الميم وفتح التحتانية وبالراء. قال الغساني في بعض النسخ حمير بضم المهملة وفتح الميم وهو تصحيف، و(ثابت) ضد الزائل ابن عجلان أبو عبد الله الأنصاري التابعي وهؤلاء الثلاثة كلهم شاميون حمصيون.
          قوله: (ما على أهلها) أي: ليس على أهلها حرج. قوله: (عمارة) بضم المهملة وخفة الميم ابن القعقاع بفتح القاف وتسكين المهملة الأولى، و(أبو زرعة) بضم الزاي وتسكين الراء وبالمهملة هرم بن عمرو بن جرير بفتح الجيم وكسر الراء الأولى البجلي، و(يكلم في الله) أي: يجرح في سبيل الله، و(يدمي) من باب رضي يرضي. فإن قلت: ما وجه مناسبة الباب بالكتاب قلت: كون المسك فضلة الظبي وهو مما يصاد.
          قوله: (أبو أسامة) حماد، و(بريد) مصغر بالموحدة والراء والمهملة، و(أبو بردة) بضم الموحدة وتسكين الراء، و(الجليس الصالح) في بعضها: ((جليس الصالح)) إضافة الموصوف إلى صفته، و(الكير) للحداد زق غليظ، و(يحذيك) من الإحذاء بالمهملة والمعجمة وهو الإعطاء يقال أحذيت الرجل إذا أعطيته الشيء وأتحفته به وفيه مدح المسك المستلزم لطهارته ومدح الصحابة حيث كان جليسهم رسول الله صلعم حتى قيل ليس للصحابي فضيلة أفضل من فضيلة الصحبة، ولهذا سموا بالصحابة مع أنهم علماء كرماء شجعا[ن] إلى تمام فضائلهم ♥.
          قوله: (أنفجنا) من الإنفاج بالنون والفاء والجيم وهو التهييج والإثارة، و(مر الظهران) بفتح الميم والظاء المعجمة وشدة الراء وسكون الهاء موضع بقرب مكة، و(لغبوا) بفتح المعجمة وكسرها، و(أبو طلحة) هو زيد بن سهل الأنصاري زوج أم أنس، و(عبد العزيز) ابن مسلم بكسر اللام المخففة المروزي، و(عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم واللام القعنبي بفتح القاف والنون وتسكين المهملة وبالموحدة.
          و(أبو أمامة) بضم الهمزة هو أسعد بن سهل الأنصاري، و(ميمونة) هي خالة خالد بن الوليد، و(محنوذ) أي مشوي، و(أهوى إليه بيده) أي أمال يده إليه ليأخذه وقيل: قصد بيده إليه، و(أجدني) أي: أجد نفسي تكرهه ومر الحديث قريباً.
          قوله: (عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بضم المهملة وإسكان الفوقانية وبالموحدة، و(كلوه) أي السمن الباقي، و(عن الدابة) أي عن حكمها هل ينجس الكل أم لا، و(الفأرة) بالجر بدل أو بيان للدابة وفي بعضها بالرفع.
          قوله: (عن حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) أي بلغنا عن حديثه. فإن قلت فالحديث مرسل وموقوف قلت لا إرسال فيه ولا وقف إذ صرح بالإسناد والرفع أولاً وآخراً. فإن قلت: كيف دل على الترجمة إذ لا يتصور إلقاء ما حوله إلا في الجامد إذ الذائب لا حول له أو الكل حوله قلت: علم منه منطوقاً أنه إذا كان جامداً يلقى ما حوله ويؤكل الباقي ومفهوماً أنه إذا كان ذائباً لا يكون كذلك بل يتنجس الكل.
          الزركشي:
          (لكن أبى ذلك البحر ابن عباس وقرأ: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام:145]) قد انفصل عن هذا الاستدلال بأن الآية مكية، والحديث مدني والمتأخر يقضي على المتقدم، وبأن قوله: {لاَّ أَجِدُ} إخبار عن الماضي، ولا ينفي المستقبل، وبأنه قد وجد تحريم ذبائح المجوس والخمر وغير ذلك مما لم يذكر في الآية فدل على أنه ليس المراد بها العموم.
          (قوله: فاجتررته) بالجيم والراء، ويروى بالحاء المهملة والزاي انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          أذكر فوائد متعلقة بباب لحوم الخيل إلى هنا / قال الكمال الدميري في كتاب ((حياة الحيوان)) الخيل جماعة الأفراس لا واحد له من لفظ كالقوم والنفر الرهط، وقيل مفرده خايل قاله أبو عبيد والجمع خيول سميت خيلاً لاختيالها فهو على هذا اسم للجمع عند سيبويه وجمع عند أبي الحسن، ويكفي في شرف الخيل أن الله تعالى أقسم بها فقال: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} [العاديات:1] وهي خيل الغزو التي تعدو فتضج أي: تصوت بأجوافها.
          وفي الحديث نهى رسول الله عن إزالة الخيل وهو امتهانها في الحمل عليها واستعمالها وأول من ركبها إسماعيل ◙، ولذلك سميت العراب وكانت قبل ذلك وحشاً كسائر الوحوش فلما أَذِن الله تعالى لإبراهيم وإسماعيل برفع القواعد من البيت قال الله تعالى: ((إني معطيكما كنزاً ادخرته لكما)) ثم أوحى الله إلى إسماعيل أن اخرج فادع بذلك الكنز فخرج إلى أجناد وكان لا يدري ما الدعاء والكنز؟ فألهمه الله تعالى فلم يبق على وجه الأرض فرس بأرض العرب إلا أجابته فأمكنته من نواصيها وتذللت له.
          قال نبينا صلعم: ((اركبوا الخيل فإنها ميراث أبيكم إسماعيل)) وروى (ن) من حديث قتادة أن النبي صلعم لم يكن شيء أحب إليه بعد النساء من الخيل،وقال ◙: ((الخيل ثلاثة: فرس للرحمن، وفرس للإنسان، وفرس للشيطان)) فأما الذي للرحمن مما اتخذ في سبيل الله وقوتل عليه أعداؤه، وفرس للإنسان ما استطرق عليه، وفرس للشيطان ما روهن عليه.
          وخيل السباق غيره ذكره الرافعي وغيره وهي بحل ومصل وتال وبارع ومرتاح وحظي وعاطف ومؤمل والكميت والفسكل، والفرس واحد الخيل والجمع أفراس الذكر والأنثى في ذلك سواء وأصله التأنيث، وحكى ابن جني فرسة وتصغير الفرس فريس، وإن أردت الأنثى خاصة لم تقل إلا فريسه بالهاء والجمع أفراس وراكبه فارس ويجمع على فوارس، وهو شاذ لا يقاس عليه.
          قال ابن السكيت: يقال لراكب ذي الحافر فارس، وقال عمارة بن بلال بن جرير: لا أقول لصاحب البغل فارس، ولكن أقول: بغال، ولا أقول لصاحب الحمار فارس ولكن أقول حمار، وكنية الفرس: أبو شجاع وأبو طالب وأبو مدرك وأبو المضي وأبو المنجي، والفرس أشبه الحيوان بالإنسان لما يوجد فيه من الكرم وشرف النفس وعلو الهمة.
          ومن الخيل ما لا يروث ولا يبول ما دام راكبه عليه، ومنها ما يعرف صاحبه ولا يمكن غيره من الركوب، وكان لسلمان خيل ذوات أجنحة والخيل نوعان عتيق والهجين، والفرق بينهما أن عظيم عظم البرذون أعظم من عظم الفرس، وعظم الفرس أصلب وأثقل والبرذون أجمل من الفرس والفرس أسرع منه والعتيق بمنزلة الغزال والبرذون بمنزلة الشاة، فالعتيق من أبواه عربيان سمي بذلك لعتقه من العيوب وسلامته من الطعن فيه بالأمور المنقصة، وسميت الكعبة البيت العتيق لسلامتها من عيب الرق؛ لأنه لم يملكها ملك من ملوك الجبابرة قط.
          وسمي أبو بكر الصديق عتيقاً؛ لأنه عتيق الرحمن من النار، قال الدمياطي في كتاب ((الخيل)): إذا ربط الفرس العتيق في بيت لم يدخله شيطان، والهجين الذي أبوه عربي وأمه عجمية والمقرف عكسه، وكذلك في بني آدم وفي ((مسند أحمد)) عن زوج ابن زنباع أنه روى عن تميم الداري أن النبي صلعم قال: ((من / نقى لفرسه شعيراً ثم جاءه به ليعلفه عليه كتب الله له بكل شعيرة حسنة)).
          وفي طبع الفرس الزهو والخيلاء والسرور بنفسه والمحبة لصاحبه، ومن أخلاقه الدالة على شرف نفسه وكرمها أنه لا يأكل بقية علف غيره، ومن علو همته: أن أشقر مروان كان لا يدخل عليه إلا بإذن يحرك له المخلاة، فإن جمجم دخل وإن لم يجمجم شد عليه، والأنثى من الخيل ذات شبق شديد ولذلك تطيع الفحل من غير نوعها وجنسها.
          قال الحافظ: والحيض يعرض للإناث منهن لكنه قليل، والذكر ينزو إلى تمام أربع سنين، وربما عمر إلى التسعين والفرس يرى المنامات كبني آدم، وفي طبعها أنها لا تشرب الماء إلا كدراً، فإذا رأته صافياً كدرته ويوصف بحدة البصر، وإذا وطئ على أثر الذنب حذرت قوائمه حتى لا تكاد تتحرك ويخرج الدخان من جلده.
          قال الجوهري: ويقال إن الفرس لا طحال له وهو مثل لسرعته وحركته كما يقال البعير لا مرارة له أي لا جسارة له.
          الحمار الأهلي: جمع حمير وحمر وحُمْر وأحمرة وربما قالوا للأتان: حمارة والحمير تصغير الحمار، ومنه توبة ابن الحمير صاحب ليلى الأخيلية، وكنيته أبو صابر وأبو زياد، قال الشاعر:
حمار لست أدري من أبوه                     ولكن الحمار أبو زياد(1)
          ويقال للحمار: أم محمود وأم تولب وأم الجحش وأم نافع وأم وهب، وليس في الحيوان ما ينزوا على غير جنسه ويلقح إلا الحمار والفرس(2).
          وهو ينزو إذا تم له ثلاثون شهراً ومنه نوع يصلح لحمل الأثقال ونوع لين الأعضاء سريع العدو، يسبق براذين بن الخيل، ومن عادته: إذا سم الأسد رمى نفسه عليه من شده الخوف يريد بذلك الفرار منه، ويوصف بالهداية إلى سلوك الطرقات التي مشى فيها ولو مرة واحدة وبحدة السمع.
          وللناس في مدحه وذمه أقوال متباينة بحسب الأغراض، وصوته أنكر الأصوات، ومن العرب من لا يركب الحمار استنكافاً وإن بلغت به الرحلة الجهد.
          قال الجوهري: تعشير الحمار نهيقه عشرة أصوات في طلق واحد، وأكثر أهل العلم يحرمون أكله وإنما رويت الرخصة فيه عن ابن عباس رواه (د) في ((سننه)) قال أحمد كره أكله خمسة عشر من أصحاب النبي صلعم، وادعى ابن عبد البر الإجماع الآن على تحريمها ولو بلغ ابن عباس أحاديث النهي الصحيحة الصريحة في تحريمه لم يصر إلى غيره.
          واختلف أصحابنا في عله تحريمها هل هو استخباث العرب لها أو بالنص على وجهين حكاهما الروياني واختلف في ألبانها فحرمه أكثر العلماء ورخص فيه عطاء وطاوس والزهري والأول أصح؛ لأن حكم الألبان حكم اللحم ويحرم ضربه وضرب غيره من الحيوان المحترمة بالإجماع، وعن ابن عمر أن النبي صلعم قال: سر الحمير الأسود القصير.
          غزال المسك: لونه أسود ويشبه الغزلان في القد والقوائم وافتراق الإطلاق غير أن لكل منها نابين خفيفين أبيضين جارحين من فيه في فكه الأسفل قائمين في وجهه كنابي الخنزير كل واحد منها دون الفتر، وقيل أنه يسافر من التبت إلى الهند فيلقى ذلك المسك هناك فيكون رديئاً وحقيقة المسك دم يجمع في سرتها في وقت معروف من السنة بمنزلة المواد التي تنصب إلى / الأعضاء وهذه السرر جعلها الله بعدنا للمسك فهو يثمر في كل سنة كالشجر التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وإذا حصل ذلك الورم مرضت لها الظباء إلى أن تتكامل، ويقال: إن أهل البيت يضربون لها أوتاداً في البرية يحيك بها ليسقط عندها.
          وفي ((مشكل الوسيط)) لابن الصلاح عن ابن عقيل البغدادي: أن النافجة في جوف الظبية كالأنفجة في جوف الظبي، وأنه يسافر إلى بلاد المشرق بخلاف جرى فيها، ونقل عن علي بن مهدي الطبري أحد أئمة أصحابنا: أنها تلقيها من جوفها كما تلقي البيضة الدجاجة، والمشهور أنها ليست مودعة في الظبية بل هي جارحة ملتحمة في سرتها كما تقدم.
          ونقل عن القفال الشاشي: أنها تندفع بما فيها من المسك فيطهر طهارة المدبوغات.
          وفأرة المسك: هي مهموزة وهي النافجة كذا قال الجوهري، وفي ((التحرير)): فأرة المسك مهموزة كفأرة الحيوان ويجوز ترك الهمز، وقال الجوهري: وإن تك ليست بمهموزة وهو شذوذ فيهما، وقال الجاحظ: إنها دويبة تكون في بلاد تبت تصاد لنوافجها وسررها، فإذا صيدت شدت بعصائب وهي مدلية فيجتمع فيها دمها فإذا أحكم ذلك ذبحت وما أكثر من يأكلها، فإذا مات قورت السرة التي عصبت، ثم تدفن في الشعير حيناً حتى يستحيل ذلك الدم المختنق هناك الجامد بعد موتها مسكاً زكياً بعد أن كان لا يرام نتناً، والمشهور أن فأرة المسك كما تقدم في الظبا وفأرة الإبل، قال: هي أن تفوح منها رائحة طيبة إذا رعت العشب وزهره ثم شربت وصدرت عن الماء فاحت منها رائحة طيبة إذا رعت فيقال لتلك: فأرة الإبل عن يعقوب.
          وأما الفأرة التي خربت سد مأرب فهي الخلد قال عمارة التميمي أبياتاً منها:
فقد هد قدماً عرش بلقيس هدهد                     وخرب فأر قبل [ذا] سد مأرب
          ويحرم أكل جميع الفأر ويكره أكل سؤره، وقال ابن وهب عن الليث: كان ابن شهاب يكره أكل التفاح الحامض، وسؤر الفأر ويقول: إنه ينسى، وكان يشرب العسل ويقول إنه يذكر.
          الأرنب:
          حيوان يشبه العناق قصير اليدين طويل الرجلين، عكس الزرافة يطأ الأرض على مؤخر قوائمه، وهو اسم جنس يطلق على الذكر والأنثى وذكرها يقال له: الخزز بخاء معجمة مضمومة وبعدها زايان، وجمعه خزان كصرد وصردان، ويقال للأنثى: عكرشة، والخرنق ولد الأرنب فهو أولاً خرنق ثم سخلة ثم أرنب، وقضيب الذكر من هذا النوع كقضيب الثعلب أحد شطريه عظم والآخر عصب، وربما ركبت الأنثى الذكر عند السفاد لما فيها من الشبق وتسفد وهي حبلى ويكون عاماً ذكراً وعاماً أنثى(3).
          وذكر ابن الأثير في ((الكامل)) في حوادث سنة ثلاث وعشرين وستمائة: أن صديقاً لهم اصطاد أرنباً وله أنثيان وذكر وفرج أنثى فلما شقت بطنه رأوا فيه ما يدل على ذلك قال: وأعجب من ذلك أنه كان لنا جار له بنت اسمها صفية بقيت كذلك نحو خمس عشرة سنة ثم طلع لها ذكر ونبت لها لحية فكان لها فرج رجل وفرج امرأة، والضبع أيضاً هو نظير هذا.
          والأرنب تنام مفتوحة العين فربما جاء القناص فوجدها كذلك فيظنها مستيقظة ويقال: إنها إذا رأت البحر ماتت، ولذلك لا يوجد بالساحل وهذا القول لا يصح، ويزعم العرب أن الجن يهرب منها لمكان حيضها، والذي يحيض من الحيوان المرأة والضبع والخفاش والأرنب، ويقال: إن الكلبة أيضاً كذلك.
          وروى البيهقي عن ابن عمر: أن النبي / صلعم جيء له بأرنب فلم يأكلها ولم ينه عنها، وزعم أنها تحيض وهي تأكل اللحم وغيره وتجتر وتبعر وفي باطن أشداقها شعر، وكذلك تحت رجليها انتهى كلام الكمال الدميري.
          أقول: قال أرسطاطاليس في كتاب ((طبائع الحيوان)): إن سائر أصناف الحيوان الباقية تحيض إلا أن حيضتها نزرة يسيرة بالإضافة إلى أبدانها، وإنما لقلة كميتها لا يقف عليها أكثر الناس ويظنون بها أنها لا تحيض جملة، وأن من أطال صحبتها وتفقد ذلك في إناثها وقف على ذلك منها لا سيما في الحيوانات العظيمة الجثث كالبقر والخيل والحمير، وذكر الفيلسوف أن حيضة هذه الحيوانات ربما اندفعت في بعضها مع البول فلا تحس بها.
          الضب:
          من الحشرات معروف وهو يشبه الورل وهو كثير النسيان وكنيته أبو حسل والجمع ضباب وأضب مثل كف وأكف، والأنثى ضبة قالت العرب: لا أفعله حتى يرو الضب لأن الضب لا يرد ماء وضب البلد وأضب كثرت ضبابه وأرض ضبية كثيرة الضباب.
          وقال عبد اللطيف البغدادي: الورل والضب والحرباء وشحمة الأرض والوزغ كلها متباينة في الخلق، وللضب ذكران والأنثى كما للورل والحردون، ولما سئل أبو حنيفة عن ذكر الضب قال: إنه كلسان الحية أصل واحد له فرعان، وإذا أرادت الضبة أن تخرج بيضها حفرت في الأرض حفرة ورمت فيه بيضها وطمها بالتراب ويتعاهدها كل يوم حتى تخرج، وذلك في أربعين يوماً وهي تبيض سبعين بيضة وأكثر، وبعضها يشبه بيض الحمام، والضب يخرج من حجره كليل البصر فيجلوه بالتحدق للشمس ويغتذي بالنسيم ويعيش ببرد الهوى، وذلك عند الهرم وفناء الرطوبات وبعض الجرارات، وبينه وبين العقارب مودة(4) فلذلك يؤويها في حجره لتلسع المتحرش إذا أدخل يده لأخذه، ولا يتخذ حجره إلا في كدية حجر خوفاً من السيل والحافر.
          ولذلك توجد براثنه ناقصة كليلة لحفره بها في الأماكن الصلبة، وفي طبعه النسيان وعدم الهداية، ولذلك يحفر جحره عند أكمة أو صخرة لئلا يضل عنه إذا خرج يطلب الطعم، ويوصف بالعقوق لأنه يأكل حسولة وهو طويل العمر ومن جهة الجهات يناسب الحيات والأفاعي ومن طبعه أنه يرجع في قيئه كالكلب ويأكل رجيعه وهو طويل الدماء بعد الذبح وهشم الرأس يقال: إنه يمكث بعد الذبح ليلة ويقرب من النار فيتحرك ومن شأنه في الشتاء أن لا يخرج من جحره، ويحل أكل الضب بالإجماع.
          قال في ((الوسيط)): لا يؤكل من الحشرات سواه.
          الفأر:
          بالهمز جمع فأرة ومكان فئر كثير الفأر، وأرض مفأرة ذات فأر، وكنية الفأر: أم خراب وأم راشد، وهي أصناف: الجرذ والفأر المعروفان وهما كالجواميس والبقر والبخاتي والعراب، ومنها: اليرابيع والزباب والخلد، والزباب صم والخلد أعمى، واليربوع وفأرة البيش، وفأرة الإبل وفأرة المسك، فأما فأرة البيت فهي الفويسقة التي صلعم أمر بقتلها في الحل والحرم.
          وهي نوعان: جرذان وفئران، وليس في الحيوان أفسد منه لا يبقي على حقير ولا جليل، إلا أهلكه وأتلفه، ويكفيه ما يحكى عن سد مأرب، ومن شأنه / أنه يأتي القارورة الضيقة الرأس، فيحتال حتى يدخل فيها ذنبه، وكلما ابتل بالدهن أخرجه وامتصه حتى لا يدع منها شيئاً، وليس يخفى ما بينه وبين الهر من العداوة.
          وفأرة البيش: فدويبة تشبهه، وليست بفأرة ولكن هكذا تسمى، وتكون في الرياض والغياض وهي تتخللها طلباً لمنابت السموم، فتأكلها ولا تضرها، وكثيراً ما تطلب البيش وهو سم قاتل، فهذه نبذة لطيفة من فوائد الحيوانات التي ذكرت في هذه الأبواب.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول فيه تعريض بزياد ابن ابنه وينسب إلى أبي سفيان)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: والبقر أيضاً كذلك)).
[3] في هامش المخطوط: أقول: هذان الصنفان لا يوجدان في غير الإنسان.
[4] في هامش المخطوط: ((كما بين الحيات والوزغ)) ولم يتبين مكانها.