مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ما ذبح على النصب والأصنام

          ░16▒ (باب ما ذبح على النصب) فيه حديث سالم: (أنه سمع عبد الله يحدث عن رسول الله صلعم أنه لقي زيد بن عمرو...) الحديث.
          وتقدم في الفضائل في باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل أطول منه.
          و(بلدح): واد بقرب مكة من جهة الغرب كما قاله عياض، وقال هنا: ((سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل منها، ثم قال: إني لا آكل)) إلى آخره.
          يوهم أنه ◙ كان يأكل ذلك، وحاشاه منه، فإنه أولى باجتناب ذلك منه، وقد سلف هناك معناه، والسفرة إنما قدمتها قريش لرسول الله صلعم فأبى أن يأكل منها، فقدمها ◙ إلى زيد فأبى أن يأكل منها، ثم قال لقريش: الذين قدموها لرسول الله: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم(1). ولم يك زيد في الجاهلية بأفضل من سيدنا رسول الله صلعم، فحين امتنع زيد فهو ◙ الذي حباه الله لوحيه واختاره أن يكون خاتم النبيين أولى من الامتناع منها في الجاهلية أيضاً.
          و(النصب) بضم الصاد، وقرأه طلحة بإسكانها، قال مجاهد / : هي حجارة كانت حول مكة يذبحون عليها وربما استبدلوا منها.
          والنصب قيل: هو واحد كعنق، وقيل: هو جمع نصاب كحمر وحمار، وأنصاب الحرم: أعلامه، جمع نصب، وقد يجمع أيضاً: نصباً، كما قال تعالى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة:3] وكانت هذه النصب ثلاثمائة وستين حجراً مجموعة عند الكعبة يذبحون عندها لآلهتهم، ولم تكن أصناماً، وذلك أن الأصنام كانت تماثيل وصوراً مصورة، وأما النصب فكانت حجارة مجموعة. وقال ابن زيد: ما ذبح على النصب وما أهل به لغير الله واحد.
          ومعنى: (أهل به لغير الله) ذكر عليه غير اسم الله من أسماء الأوثان التي كانوا يعبدونها، وكذا المسيح وكل اسم سوى الله، فالمعنى ما ذبح للآلهة والأوثان فسمي عليه غير اسم الله.
          واختلف الفقهاء في ذلك، فكره عمر وابنه وعلي، وعائشة ما أهل به لغير الله، وعن النخعي والحسن مثله، وهو قول الثوري، وكره مالك ذبائح النصارى لكنائسهم وأعيادهم وقال؛ لا يؤكل ما سمي عليه المسيح.
          وقال أبو حنيفة: لا يؤكل ما سمي المسيح عليه، وقال الشافعي: لا يحل ما ذبح لغير الله، ولا ما ذبح للأصنام، ورخص في ذلك آخرون، روي ذلك عن عبادة بن الصامت، وأبي الدرداء، وأبي أمامة.
          وقال عطاء والشعبي: قد أحل الله ما أهل به لغير الله؛ لأنه قد علم أنهم سيقولون هذا القول، وأحل ذبائحهم، وإليه ذهب الليث وفقهاء أهل الشام، مكحول وسعيد بن عبد العزيز والأوزاعي قالوا: سواء سمى المسيح على ذبيحته، أو ذبح لعبد أو كنيسة، كل ذلك حلال؛ لأنه كتابي قد ذبح لدينه وكانت هذه ذبائحهم قبل نزول القرآن، وأحلها الله تعالى في كتابه.
          قال ابن بطال: وإذا ثبت أن ما ذبحوه لكنائسهم وأعيادهم وما أهلوا به لغير الله من طعامهم المباح لنا، فلا حجة لمن حرمه ومنعه، وهدى الله زيداً للامتناع مما سلف قبل أن ينزل على رسوله التحريم.
          وزيد هذا هو أبو سعيد والد أحد العشرة، كان من بني عدي، طلب الدين وقد سأل عن اليهودية، فقال: إن كنت تأخذ بحظك من لعنة الله، فقال: لا أحمل منها شيئاً؛ فقيل له: عليك بدين إبراهيم كان حنيفاً مسلماً فقال: اللهم إني وجهت وجهي إليك وإني على ملة إبراهيم.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: وإنما قال زيد ذلك ظناً منه أنه ◙ يأكل من ذبائحهم أو أنه خاطب قريشاً بذلك لا النبي ◙ كما سلف)).