مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب أكل المضطر

          ░38▒ باب أكل المضطر لقوله تعالى: {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ} [البقرة:57] الآيات.
          أصل البغي: قصد الفساد، وأصل العدوان: الظلم، واختلف فيهما فقال: معنى {غَيْرَ بَاغٍ} [البقرة:173] أي: في أكلها ولا متعد فيه من غير ضرورة، وعبارة ابن عباس: {غَيْرَ بَاغٍ} في الميتة {وَلاَ عَادٍ} في الأكل.
          وقال الحسن: {غَيْرَ بَاغٍ} فيها ولا متعد بأكلها وهو غني عنها، وقيل: {غَيْرَ بَاغٍ} غير مستحل لها {وَلاَ عَادٍ} متزود منها، وقيل: {غَيْرَ بَاغٍ} في أكله شهوة يأكلها تلذذاً، {وَلاَ عَادٍ} يأكل حتى يشبع ولكن يأكل ما يمسك رمقه، وقيل {عَادٍ} معناه: عائد، فهو من المقلوب كشاكي السلاح أصله شائك، وهار: أصله هائر، ولات أصله لائت.
          وقال مجاهد: {غَيْرَ بَاغٍ} على الأئمة {وَلاَ عَادٍ} قاطع لسبيل المسلمين في طريقهم، فإن خرج على الأئمة أو قطع الطريق فلا رخصة له في الأكل، وقيل: يأكل مع العصيان في سفره فلما يعصي بقتل نفسه، وإليه ذهب أبو حنيفة وقيل: هو قادر على التوبة فلا يأكل حتى يتوب فيقال له تب كل.
          والمخمصة: ضمور البطن من الجوع، وقال قتادة: {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ} [المائدة:3] غير منفرد، المعروف أن الجنف الميل، ومعنى الإثم هنا: أن يأكل منها فوق الشبع، واختلف في الشبع وسد الرمق والتزود.
          قال مالك: أحسن ما سمعت في المضطر أنه يشبع ويتزود فإذا وجد غنى عنها طرحها وهو قول ابن شهاب وربيعة، وقال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه: لا تأكل منها إلا مقدار ما يمسك الرمق والنفس.
          وحكى الداودي قولاً أنه يأكل منها ثلاث لقم، وقيل: إن تغدا لم يتعش، وإن تعشى لم يتغد.
          قال مسروق: بلغني أنه من اضطر إلى الميتة فلم يأكلها حتى مات دخل النار.
          قال والدي ⌂:
          (باب العلم) بفتحتين أي: العلامة، و(الوسم) بالمهملة وهو الأصح وفي بعضها: بالمعجمة وفرق بعضهم فقال: بالمهملة في الوجه وبالمعجمة في سائر الجسد، يقال / : وسمه إذا أثر فيه بعلامة وكية وأما (الصورة) فقيل المراد بها الوجه، و(حنظلة) بفتح المهملة والمعجمة وتسكين النون بينهما، ابن أبي سفيان الجمحي.
          و(تعلم الصور) أي: تجعل علامة على الوجه كما يعمل بسودان الحبشة وكما نغرز الإبرة في الشفة ونحوه، ويضرب أي الصور يعني الوجوه والطريق الذي بعده يوضحه، و(العنقزي) بفتح المهملة والقاف وإسكان النون بينهما وبالزاي عمرو بن محمد الكوفي مات سنة تسع وتسعين ومائة، والعنقز هو المرزنجوش ولعله كان يبيعه.
          قوله (يحنكه) أي: يدلك في حنكه تمرة ممضوغة ونحوها، و(المربد) بكسر الميم وسكون الراء وفتح الموحدة وبالمهملة الموضع الذي تحبس فيه الإبل كالحظيرة للغنم وإطلاق المربد هنا على موضع الغنم إما مجاز وإما حقيقة بأن أدخل الغنم إلى مربد الإبل ليسمها، وفيه جواز الوسم في غير الآدمي وبيان ما كان النبي صلعم [عليه] من التواضع، وفعل الأشغال بيده ونظره في مصالح المسلمين واستحباب تحنيك المولود وحمله إلى أهل الصلاح ليكون أول ما يدخل جوفه ريق الصالحين.
          قال النووي: الضرب في الوجه منهي عنه في كل حيوان محرم لكنه في الآدمي أشد لأنه مجمع المحاسن وربما شأنه أو آذى بعض حواسه، وأما الوسم في الوجه فهو في الآدمي حرام وفي غيره مكروه والوسم هو أثر الكي والسمة العلامة والوشم في نحو نعم الصدقة في غير الوجه مستحب.
          وقال أبو حنيفة: مكروه لأنه تعذيب ومثلة وقد نهي عنهما وأجيب عنه بأن ذلك النهي عام وحديث الوسم خاص فوجب تقديمه.
          قوله (لحديث رافع) ضد الخافض، (ابن خديج) بفتح المعجمة وكسر المهملة وبالجيم الأنصاري والمراد من حديثه الذي يذكره عقيبه.
          قوله: (اطرحوه) يعني حرام لا تأكلوه لعل مذهبهما أن ذبح غير من له ولاية الذبح شرعاً بالملكية أو الوكالة ونحوهما غير معتبر.
          قوله: (أبو الأحوص) بالمهملتين وبالواو، واسمه: سالم الحنفي الكوفي، و(عباية) بفتح المهملة وخفة الموحدة والتحتانية (ابن رفاعة) بكسر الراء وتخفيف الفاء وبالمهملة ابن رافع بن خديج اعلم أن الرواية التي بعده عن عباية بن رفاعة عن جده رافع وكذا الروايات المتقدمة، ولم يذكر أحد عن عباية عن أبيه عن جده بتوسط الأب بين عباية وجده إلا أبو الأحوص.
          قال الغساني: سائر رواة هذا الحديث يروونه عن سعيد بن مسروق عن عباية عن جده، ولم يقل أحد عن أبيه عن جده غير أبي الأحوص، وقال بعضهم: أخطأ أبو الأحوص فيه حيث قال عن أبيه.
          قوله: (مدى) جمع مدية وهي السكين، و(سرعان) روي: بضم المهملة وفتحها وكسرها. الجوهري: سرعان الناس بالتحريك أوائلهم.
          فإن قلت ما الغرض من ذكر لقاء العدو في هذا المقام؟ قلت: كانوا يضنون بالسيوف لئلا تصير كليلة بالذبح وتبقى حديدة عند ملاقاة الأعداء.
          فإن قلت: لم أمرهم بالأكفاء أي القلب؟ قلت: تغليظاً عليهم حيث تركوا رسول الله صلعم في أخريات الناس في معرض قصد القصاد ونحوه أو لأنهم دخلوا في دار الإسلام، وإنما يباح لهم التصرف في مأكولات الغنائم ما داموا في بلاد الحرب.
          فإن قلت: فيه تضييع المال؟ قلت: ليس فيه أنهم أضاعوا اللحم / وربما قسموه أو باعوه وأضافوه إلى مال الغنيمة.
          قوله: (عدل) وذلك كان باعتبار قيمة الوقت، و(مثل هذا) أي الحبس بالسهم ونحوه يعني الأنسي المتوحش هو كالصيد جميع أجزاءه مذبح.
          قوله: (عمر بن عبيد) مصغر ضد الحر الطنافسي بالمهملة والنون وكسر الفاء وبالمهملة مات سنة خمس وثلاثين ومائة.
          قوله: (أرن). الخطابي: صوابه أأرن بوزن أعجل وبمعناه من أرن يأرن إذا خف أي: أعجل ذبحها لئلا تموت خنقاً، وفيه مباحث سبقت في كتاب الشركة.
          قوله: (مسفوحاً) قال ابن عباس: مهراقاً بضم الميم وفتح الهاء وسكونها. فإن قلت عقد الترجمة ولم يذكر في الباب حديثاً قلت أشار به إلى أنه لم يجد بشرطه حديثاً فيه والله أعلم.
          الزركشي:
          (العنقزي) بفتح العين والقاف وآخره زاي، هو: عمرو بن محمد، كوفي يكنى أبا سعيد، وهو منسوب إلى العنقز المرزنجوش، وقيل: الريحان، وكان يبيعه ويزرعه.
          قوله: (يسم) أي: يعلم عليها بالكي، وأصل ميسم موسم فقلبت الواو ياء لكسرة الميم.
          (ما نهر الدم) كذا وقع للأصيلي، والصواب: «أنهر» بالألف، أي: أساله وصبه، يقال: نهر إذا جرى، وأنهرته أنا.