مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب إذا أكل الكلب

          ░7▒ باب إذا أكل الكلب
          قوله: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} [المائدة:4] الآية.
          وقال ابن عباس: إن أكل الكلب... إلى آخره، ثم ساق حديث عدي من حديث بيان عن الشعبي، عنه: سألت رسول الله قلت: إنا قوم نصيد بهذه الكلاب... الحديث.
          وسلف، وفسر مجاهد: {مُكَلِّبِينَ} بالكلاب والطير مثل ما فسر به (خ) وانفرد طاوس فقال: لا يحل صيد الطير لقوله: {مُكَلِّبِينَ}، وليس بشيء؛ لأن معناه مجربين.
          والإجماع على خلافه كما نبه عليه ابن التين، وحكاه ابن بطال عن ابن عمر ومجاهد قال: وهو قول شاذ، وكرها صيد الطير والناس على خلافهم.
          وقال قوم كما حكاه ابن حزم: لا يجوز أكل صيد الجارح علمه من لا يحل أكل ما ذكى، روى يحيى بن عاصم، عن علي أنه كره صيد بازي المجوسي وصقره وكره أيضاً صيد المجوسي وجاء نحو هذا القول عن عطاء ومجاهد ومحمد بن علي والنخعي والثوري.
          وأثر ابن عباس أخرجه معمر بن راشد، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه عنه، وأثر ابن عمر أخرجه وكيع بن الجراح، وأثر عطاء أخرجه ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث.
          وقال ابن بطال: اختلف في الكلب المعلم إذا أكل من / الصيد: هل يجوز أكله أم لا؛ فقال ابن عباس: إذا أكل فقد أفسده وأمسك على نفسه.
          وقال به من التابعين الشعبي وعطاء وعكرمة وطاووس والنخعي وقتادة؛ وحجتهم حديث عدي بن حاتم، وإليه ذهب أبو حنيفة، وأصحابه والثوري، والشافعي وأحمد، وإسحاق وأبو ثور قالوا كلهم: إذا أكل الكلب من الصيد فهو غير معلم فلا يؤكل صيده.
          ونقله القرطبي عن الجمهور من السلف وغيرهم، وفيها قول آخر، روي عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم قالوا: كل وإن أكل الكلب من الصيد ولم يبق إلا نصفه.
          ثم ساق حديث أبي ثعلبة السالف من عند أبي داود: ((فكل وإن أكل منه)) وقال لي بعض شيوخي: في الظاهر أن حديث أبي ثعلبة ناسخ لحديث عدي. قال إسماعيل: والذي قال إذا أكل الكلب فلا يؤكل يقول إذا أكل البازي والصقر فلا بأس أن يؤكل قالوا لأن الكلب منهى منتهى والبازي والصقر إنما يعلمان بالأكل.
          ويؤخذ من قوله: ((إذا أرسلت)) اعتباره، حتى لو استرسل بنفسه فلا يؤكل صيده، وهو قول العلماء، إلا ما حكي عن الأصم من إباحته، وحكاه ابن المنذر أيضاً عن عطاء والأوزاعي: وهو قول العلماء أنه يحل إن كان صاحبه أخرجه للاصطياد، فلو أرسل كلباً حيث لا صيد فاعترض صيد فأخذه لم يحل في المشهور عند الشافعي.
          ولفظ الصيد يقتضي التوحش المعجوز عنه فلو استأنس الوحش زال عنه اسم الصيد، وإذا غصب كلباً واصطاد هل يكون للمالك أو للغاصب؟ والأول يستدل بقوله: ((إذا أرسلت كلبك)) إذ لم تصد بكلب.
          ويستد[ل] أيضاً به من يقول: إن الكلب يملك. ومن منع قال إنه للاختصاص.
          قال ابن حزم: لا يجوز بيع الكلاب أصلاً لا كلب صيد ولا كلب ماشية ولا غيرهما، فإن اضطر إليه ولم يجد من يعطيه إياه فله ابتياعه وهو حلال للمشتري وحرام على البائع ينزع منه الثمن متى قدر عليه كالرشوة، وفك الأسير، ودفع الظلم ومصانعة الظالم.
          قال: وقد روينا إباحة ثمن الكلب عن عطاء ويحيى بن سعيد وربيعة، وعن إبراهيم إباحة ثمن الكلب للصيد، ولا حجة لأحد مع رسول الله صلعم.