مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب المسك

          ░31▒ باب المسك:
          فيه حديث أبي هريرة ☺ قال: قال رسول الله صلعم: ((ما من مكلوم يكلم في [سبيل] الله)) الحديث.
          وحديث أبي موسى ☺، عن النبي صلعم ((مثل جليس الصالح)) الحديث وقد سلفا في الطهارة.
          و(يحذيك): أي: يعطيك، يقال: أحذيته وحذوته واستحذاني وأحذاني من الغنيمة إذا أعطيته منها، والاسم: الحذيا مقصور، وإنما أدخل المسك هنا؛ ليدل على تحليله إذا [د]خله التحريم؛ لأنه دم فلا يغير على الحالة المكروهة من الدم، وهي الزهم، وقبح الرائحة صار حلالاً لا يطيب الرائحة وانتقلت حاله، وكانت حاله كحال الخمر تتحلل، فتحل بعد أن كانت حراماً بانتقال، نبه على ذلك.
          وحديث أبي موسى حجة في طهارة المسك أيضاً؛ لأنه لا يجوز حمل النجاسة، ولا يأمره ◙ بذلك، فدل على طهارته، وجل العلماء على هذا، ولا عبرة بقول الشيعة فيه، قال ابن المنذر: وممن أجاز الانتفاع بالمسك: علي بن أبي طالب، وابن عمر، وأنس، وسلمان الفارسي، ومن التابعين: سعيد بن المسيب وابن سيرين وجابر بن زيد، ومن الفقهاء: مالك والليث والشافعي وأحمد وإسحاق وخالف ذلك آخرون.
          ذكر ابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب: أنه كره المسك وقال: لا تحنطوني به. وكرهه عمر بن عبد العزيز وعطاء والحسن ومجاهد والضحاك، وقال أكثرهم: لا يصلح للحي ولا للميت، لأنه ميتة، وهو عندهم بمنزلة ما قطع من الميتة. قال ابن المنذر: ولا يصح ذلك إلا عن عطاء.
          وهذا قياس غير صحيح؛ لأن ما قطع من الحي يجري فيه الدم وليس هذا سبيل نافجة المسك؛ لأنها تسقط عند الاحتكاك كسقوط الشعر.
          وقد روى (د) من حديث أبي سعيد مرفوعاً: ((أطيب طيبكم المسك))(1). وهذا نص قاطع للخلاف، قال ابن المنذر: وقد روينا عن رسول الله صلعم بإسناد جيد أنه كان له مسك يتطيب به.
          و(المسك): طيب فارسي معرب، وكانت العرب تسميه الميمون والمكلوم: المجروح، (وكلمه) بفتح أوله وسكون ثانيه.
          قوله: (مثل الجليس الصالح والسوء) قال الجوهري: تقول: رجل سوء بالإضافة ثم تدخل عليه الألف / واللام فتقول: هذا رجل السوء قال الأخفش: ولا يقال: الرجل السوء، ويقال: الحق اليقين، وحق اليقين جميعاً؛ لأن السوء ليس بالرجل، واليقين: هو الحق، ولا يقول أحد: هذا رجل السوء بالضم.
          و(الكير): قيل: إنه الزق، وقيل: هي المبنية بالطين تحمى ليخرج خبث الحديد، يوضحه قوله ◙: ((المدينة كالكير؛ تنفي خبثها وتنصع طيبها)) وقيل: الكير والكور لغتان.
          قوله: (إما أن يبتاع منه) فيه دلالة على جواز بيعه، وهو إجماع، نعم بيعه في فأرته من غير رؤيته باطل على الأصح، وقال ابن شعبان: فأرة المسك ميتة، إنما يؤخذ منها في حال الحياة أو بذكاة من لا تصح ذكاته من أهل الهند؛ إذ لا كتاب لهم، وإنما حكم لها بالطهارة لاستحالتها عن صفة الدم، وخرجت عن اسم ما يختص بها فطهرت كما يستحيل الدم إلى اللحم فيطهر، قال وإنما لم تنجس الفأرة بالموت؛ لأنها ليست بحيوان فتنجس لعدم الذكاة وإنما هي شيء يحدث بالحيوان كالبيض في الطير وقد قام الإجماع على طهارته، قال: وقيل المسك: فأرة تموت فتكون جميعها مسكاً وقيل شيء يسقط من دويبة تسمى الفأرة، ولعلها ليست لها نفس سائلة.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: وكيف لا يكون طاهراً وقد قال في خلوف الصائم أطيب عند الله من ريح المسك فلا يمكن أن يشبه خلوف الصائم بشيء نجس ويفضل عليه)).