مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب النحر والذبح

          ░24▒ باب النحر والذبح:
          وقال ابن جريج، عن عطاء إلى آخره ثم ساق حديث سفيان، عن هشام، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر ☻ قالت: نحرنا على عهد رسول الله صلعم فرساً الحديث.
          ثم ساقه من حديث جرير، عن هشام، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء.
          تابعه وكيع وابن عيينة، عن هشام في النحر.
          والحاصل أن ثلاثة رووه عن هشام بلفظ النحر: جرير، ووكيع، وابن عيينة. وأن عبدة رواه عن هشام بلفظ الذبح، وتعليق عطاء أخرجه ابن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن عطاء: لا ذبح ولا نحر إلا في المنحر والمذبح.
          وأثر ابن عباس أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن المبارك، عن خالد، عن عكرمة، عنه؛ وقال عطاء: ذكر الله الذبح في القرآن، فإن ذبحت شيئاً ينحر أجزأ عنك الذبح من المنحر، والمنحر من الذبح. وعن الزهري وقتادة: الإبل والبقر إن شئت ذبحت وإن شئت نحرت.
          وعن مجاهد: كان الذبح فيهم والنحر فيكم {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [البقرة:71] {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] وقد أطلق النبي صلعم فيما صح عنه في الأضاحي الذبح والنحر عموماً وفيها الإبل والبقر والغنم، ولم يخص من ذلك شيئاً ينحر دون ذبح ولا عكسه، ورواية أسماء: نحرنا. وفي أخرى: ذبحنا.
          قلت: وغرض الباب أن يبين ما يجوز فيه النحر يجوز ذبحه، وما يجوز فيه الذبح يجوز نحره.
          فأما البقر فالأئمة مجمعون كما قال ابن بطال على جواز النحر والذبح فيها، وأراد (خ) أن يريك أن الفرس لا يجوز فيها النحر والذبح لما جاء فيه من اختلاف الرواية، وسيأتي الخلاف في أكله بعد.
          واختلفوا في ذبح ما ينحر من الإبل، ونحر ما يذبح من الغنم، فأجاز أكثر الفقهاء أي ذلك فعل المذكي، قال ابن المنذر: وروي ذلك عن عطاء والزهري وقتادة. وقال أبو حنيفة والثوري والليث والشافعي نحو ذلك ويكرهونه، ولم يكرهه أحمد وإسحاق وأبو ثور / ، قال ابن المنذر: لا أعلم أحداً حرم أكل ما نحر مما يذبح، أو ذبح ما ينحر، وإنما كره ذلك مالك ولم يحرمه، وقد يكره المرء الشيء ولا يحرمه.
          واختلف العلماء فيما يكون بقطعه من الحلقوم الذكاة، فقال بعض الكوفيين: إذا قطع ثلاثة من الأوداج جاز والأوداج أربعة وهي: الحلقوم، والمريء، وعرقان من كل جانب عرق وقال الثوري: إذا قطع الأوداج وإن لم يقطع الحلقوم.
          وحكى ابن المنذر عن محمد بن الحسن: إذا قطع الحلقوم والمريء فأكثر من نصف الأوداج ثم يدعها حتى تموت فلا بأس بأكلها، وأكره ذلك، وقال مالك والليث: يحتاج أن يقطع الودجين والحلقوم، وإن ترك شيئاً منها لم يجز. ولم يذكر المريء.
          وقال الشافعي: أقل ما يجزئ من الذكاة قطع الحلقوم والمريء وينبغي أن يقطع الودجين، فإن لم يفعل فيجزئ؛ لأنهما قد يسلان من البهيمة والإنسان ويغشيان، وروى يحيى عن ابن القاسم في الدجاجة والعصفور والحمام: إذا أجيز على أوداجه ونصف حلقه أو ثلثه لا بأس بذلك إلا أن يتعمد.
          وعنه أيضاً عن مالك فيمن ذبح ذبيحة فأخطأ بالغلصمة أن تكون في الرأس أنها لا تؤكل، وقاله أشهب وأصبغ وسحنون ومحمد بن عبد الحكم.
          قال ابن حبيب: إنما لم يؤكل؛ لأن الحلقوم إنما هو من العقدة إلى ما تحتها، وليس فوق العقدة إلى الرأس حلقوم، وإنما العقدة طرف الحلقوم، فمن جهل فذبح فوق العقدة لم يقطع الحلقوم إنما قطع الجلدة المتعلقة بالرأس، فلذلك لم تؤكل، وأجاز أكلها ابن وهب في ((العتبية)) وأجازه أشهب وأبو مصعب وموسى بن معاوية وكان يحيى بن يحيى وأصحابه يقولون: لا نعرف ما العقدة، ما فرى الأوداج فكل.
          ونهى ابن عمر ☻ عن النخع.
          فقال أبو عبيد: الفرس هو النخع. يقال منه: فرست الشاة ونخعتها، وذلك أن ينتهي بالذبح إلى النخاع وهو عظم في الرقبة.
          قال أبو عبيد أما النخع فكما قال أبو عبيدة، وأما الفرس فقد خولف فيه.
          وقيل: هو كسر رقبة الذبيحة، وممن كره أكل الشاة إذا نخعت سوى ابن عمر، عمر بن الخطاب وقال: لا تعجلوا الأنفس حتى تزهق وكرهه إسحاق، وكرهت ذلك طائفة وأباحت أكله، هذا قول النخعي والزهري والأربعة وأبي ثور.
          وأما إذا قطع الرأس فأكثر العلماء على إجازته وممن جوز سوى من ذكره (خ) علي وعمران بن حصين، ومن التابعين: عطاء والنخعي والشعبي، والحسن والزهري وبه قال الأربعة، وإسحاق، وأبو ثور وكرهها ابن سيرين، ونافع والقاسم وسالم ويحيى بن سعيد، وربيعة والصواب قول من أجازها كما قال ابن بطال.
          وقد قال فيها علي بن أبي طالب هي ذكاة وحية؛ إلا أنهم اختلفوا إن قطع رأسها من قفاها، فاختاره الكوفيون والشافعي، وأبو ثور وإسحاق وكره ذلك ابن المسيب وقال: لا بد في الذبح من المذبح وهو قول مالك وأحمد.
          فصل:
          قسم ابن التين البهائم على ثلاثة أنواع: نوع منها ينحر وهو البعير، ونوع منها يذبح وهو الشاة وشبهها من الغزلان ونحو / ذلك.
          ونوع منها يذبح وينحر وهو البقر، ذبحها بالقرآن ونحرها بالسنة فإن نحر ما يذبح أو عكس فمنعه ابن القاسم وأجازه أشهب.
          (والذبح: قطع الأوداج) هما ودجان بدال مهملة، وهما عرقان في الأخدعين محيطان بالحلقوم. وقيل: محيطان بالمريء وهذا من باب إطلاق صيغة الجمع على الاثنين، وهو صحيح حقيقة عند طائفة، مجازاً عند الأكثرين، وذلك مستحب عندنا، والودج الوداج أيضاً يقال: دج دابتك أي: اقطع ودجها، وهو لها كالعضد للإنسان.
          وقال ابن التين: لعله ترك ذكر الحلقوم لما كان معلوماً في الأغلب لا تفرى الأوداج إلا بعد فري الحلقوم، والذي في ((المدونة)): أن الذكاة فري الحلقوم والودجين فإن قطعهما دون الحلقوم أو عكسه لم تصح الذكاة، وزاد أبو التمام عن مالك رابعاً وهو قطع المريء، ثم قال: قال الشافعي: الذكاة: قطع الحلقوم والمريء، وهو البلعوم، والاعتبار بالودجين.
          و(اللبة) في أثر ابن عباس ☻ بفتح اللام، قال الداودي: هي أعلى العنق ما دون الخرزة إلى أسفل، والذي قال أهل اللغة: إن اللبة موضع القلادة من الصدر وهو المنحر.
          وحديث أسماء دال على حل أكل الخيل، وهو قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد، وسيأتي حديث جابر فيه، وقال مالك: إنها مكروهة. وبه قال أبو حنيفة، وسلف فيه: نحرنا وذبحنا. قال بعض العلماء: حكم الخيل في الذكاة حكم البقر، يريد أنها تنحر وتذبح وأن الأحسن فيها الذبح.