مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ما جاء في التصيد

          ░10▒ باب ما جاء في التصيد
          فيه أربعة أحاديث:
          1- حديث عدي وقد سلف وفيه ابن فضيل، وهو محمد.
          2- حديث أبي ثعلبة وسلف، وأخرجه (م) الأربعة، وشيخ (خ) فيه أبو عاصم وهو الضحاك بن مخلد بن مسلم الشيباني مولاهم.
          واختلف في اسمه واسم أبيه اختلافاً كبيراً فقيل: جرهم، وقيل: جرثوم بن ناشب، وقيل: ناشر، وقيل اسمه: لاشر بن جرهم، وقيل: ابن حمير، وقيل: جرثومة بن ناشح، وقال ابن الكلبي: اسمه الأشر بن الحشرج بن هبي بن عامر بن مسرف بن حارثة بن عمرو بن مر بن وائل بن خشين بن النمر أخي كلب وأسد وغيرهم أبناء وبرة أخي ريان والد جرم بن ريان ابني ثعلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة.
          قال ابن سعد: قدم على رسول الله صلعم وهو يتجهز إلى خيبر فشهد خيبر معه، ثم قدم على رسول الله صلعم وفد خشين وهم سبعة، فنزلوا على أبي ثعلبة، وقال الواقدي: توفي بالشام سنة خمس وسبعين أول خلافة عبد الملك بن مروان.
          وقال أبو عمر وغيره: كان أبو ثعلبة ممن بايع تحت الشجرة ثم نزل الشام ومات في خلافة معاوية.
          3- حديث أنس: قال: أنفجنا أرنباً الحديث وسلف في الهبة.
          (أنفجنا): أجرينا، وفي كتاب ((الأفعال)): نفج الأرنب وغيره نفوجاً: أسرع.
          وقال ابن التين: أنفجنا: أثرنا، يقال: نفج الأرنب إذا ثار، وأنفجه صائده أثاره.
          ولغبوا بفتح الغين: أعيوا. وقال الجوهري: لغب بالكسر: لغة ضعيفة، ومنه: {مَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} [ق:38] أي: إعياء.
          قوله: (فبعث إلى النبي صلعم بوركها وفخذيها).
          الورك: ما فوق الفخذين بكسر الواو وسكونها لغتان كذا ذكرهما ابن التين، وأهمل ثالثة: فتح الواو وكسر الراء وإسكان ثانيه مع فتح أوله وكسره.
          والفخذ: بفتح الفاء وكسر الخاء هذا أصله ويجوز فيه ثلاث لغات غير هذا، سكون الخاء أيضاً وكسر الفاء وسكون الخاء كقدر وكسرها؛ وذلك أن كل اسم وفعل على وزن علم وسطه حرف حلق يجوز فيه أربع لغات، فمثال الاسم فخذ، ومثال الفعل شهد وبئس ونعم.
          4- حديث أبي قتادة السالف في الحج والجهاد والأطعمة.
          قوله: (تخلف مع / أصحاب له محرمين) كذا في الأصول، وذكره ابن التين بلفظ: (محرمون) ثم قال: كذا وقع، ولعله خبر مبتدأ محذوف، التقدير: وهم محرمون(1).
          قوله: (وهو غير محرم) قال ابن التين: انظر كيف جاوز الميقات وهو غير محرم.
          قال أبو عبد الملك: كان هذا في عمرة الحديبية، أحرم ◙ من ذي الحليفة وأمر أبا قتادة وأصحابه أن يكشفوا طريق الساحل قبل أن يحرموا، ثم أحرم أصحاب أبي قتادة ولم يحرم هو حتى رأى الحمار.
          قوله: (ثم سأل أصحابه أن يناولوه سوطاً، فأبوا) فيه: أن المحرم لا يعين الحلال على الصيد.
          وفي بعض طرق (خ): ((هل أسرتم أو أعنتم)) قالوا: لا.
          وقال ابن القاسم: إن دل محرم حلالاً أو أمر بقتله فلا شيء عليه، إلا أن يأمر عبده فيقتله، فعليه جزاء واحد واستغفر الله للدال، وكذلك إن ناوله سوطه.
          وقال عطاء وأحمد وإسحاق والليث: عليه الجزاء.
          وقال ابن وهب: أحب إلى أن يفدي، وهو قول أبي حنيفة وهذا الحديث أصل في جواز أكل ما صاده الحلال لنفسه لا للمحرم، وهو قول فقهاء الأمصار وغيرهم، وقال عبد الله بن عمر وابن عباس: لا يحل للمحرم أكل الصيد.
          واختلف فيما صاده الحلال لأجل المحرم.
          قال مالك: لا يأكله المحرم. وسواء أمره المحرم بذبحه أو لا، وبه قال عطاء وأحمد وإسحاق والشافعي وأجاز أكله أبو حنيفة.
          قال والدي ⌂:
          (الخذف) بالمعجمتين الرمي بالحصى بالأصابع، و(البندقة) طينة مدورة مجففة يرمى بها عن الجُلاهق وهو بضم الجيم وخفة اللام وكسر الهاء، قوس البندق ونهى عن ذلك لأنه يقتل الصيد بقوة راميه لا بحده، و(وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف وبالمهملة، و(يزيد) من الزيادة، و(كهمس) بفتح الكاف والميم وتسكين المهملة النمري بالنون البصري، و(عبد الله بن بريدة) مصغر البردة بالموحدة الأسلمي، و(عبد الله بن مغفل) بلفظ مفعول التغفيل بالمعجمة والفاء، و(ينكأ) بفتح الكاف مهموز الآخر والأشهر ينكي منقوصاً لا مهموزاً ومعناه المبالغة في الإصابة والتشديد في التأثير.
          قوله: (اقتنى) من الاقتناء وهو الاتخاذ والادخار، و(عبد العزيز بن مسلم) بلفظ فاعل الإسلام القسملي بفتح القاف والميم وإسكان المهملة بينهما.
          قوله: (ضارية) أي معتادة بالصيد يعني معلمة يقال ضري الكلب بالصيد ضراوة أي تعود.
          فإن قلت: حق اللفظ أن يقال ضار مثل قاض بدون التأنيث وبدون التحتانية، قلت: ضارية صفة للجماعة الصائدين أصحاب الكلاب المعتادة للصيد فسموا ضارية استعارة أو هو من باب التناسب للفظ ماشية نحو لا دريت ولا تليت ونحو بالغدايا والعشايا.
          و(القيراط) في الأصل نصف دانق والمراد هنا مقدار معلوم عند الله أي نقص جزئين من أجزاء عمله(2).
          قوله: (المكي) منسوباً إلى مكة المشرفة، و(حنظلة) بفتح المهملة والمعجمة وسكون النون، ابن أبي سفيان الجمحي بضم الجيم وفتح الميم وبالمهملة.
          قوله: (إلا كلب ضار) إلا بمعنى غير صفة لكلب لتعذر الاستثناء ويجوز أن تنزل النكرة منزلة المعرفة فيكون استثناء.
          فإن قلت: القياس كلباً ضارياً؟ قلت: هو من إضافة الموصوف إلى صفته للبيان نحو شجر الأراك وقيل لفظ ضار صفة للرجل الصائد أي: إلا كلب الرجل المعتاد للصيد.
          فإن قلت: حقه حذف الياء منه؟ قلت: إثبات الياء في المنقوص لغة.
          قوله: (قيراطان) فإن قلت هذا بالرفع ومَرّ آنفاً بالنصب فما وجهه؟ قلت: نقص جاء لازماً ومتعدياً باعتبار اشتقاقه من النقصان والنقص واختلف في سبب نقصان الأجر باقتناء الكلب فقيل لامتناع / الملائكة من دخول بيته وقيل لما يلحق المارين من الأذى وقيل لما يبتلى به من ولوغه في الأواني عند غفلة صاحبه.
          فإن قلت: هذا التعليل عام في جميع الكلاب قلت: لعل المستثنى لا يوجب نقصان الأجر للحاجة إليه أو لقلة أكله النجاسة وقبح رائحته ونحوه.
          فإن قلت تقدم قبيل كتاب الأنبياء: من أمسك كلباً نقص من عمله كل يوم قيراط إلا كلب حرث أو كلب ماشية فما التوفيق حيث ذكر ثمة قيراط، وهاهنا قيراطان؟ قلت: يحتمل أن يكون ذلك على نوعين من الكلاب أحدهما أشد أذى من الآخر ويختلف باختلاف المواضع فيكون القيراطان في المدائن والقرى والقيراط في البوادي أو كان في الزمانين فذكر القيراط أولاً ثم زاد التغليظ فذكر القيراطين.
          فإن قلت: كيف يجمَعُ بين الحصرين إذ المحصور هنا كلب الماشية والحرث ومفهوم أحدهما دخول كلب الصيد في المستثنى منه ومفهوم الآخر خروجه عنه وهما متنافيان وكذا حكم كلب الحرث فإنه مستثنى وغير مستثنى قلت: مدار أمر الحصر على المقامات واعتقاد السامعين لا على ما في الواقع فالمقام الأول اقتضى استثناء كلب الصيد والثاني استثناء كلب الحرث فصارا مستثنيين ولا منافاة في ذلك.
          قوله: (أمسك على نفسه) والله يقول: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة:4] أي: لا يأكل منه ولا تمليكه لكم.
          و(محمد بن فضيل) مصغر الفضل بالمعجمة، و(بيان) بفتح الموحدة وخفة التحتانية ابن بشر بالموحدة المكسورة وبالمعجمة الأحمسي بالمهملتين، و(الشعبي) بفتح المعجمة وسكون المهملة عامر قالوا التعليم أن يوجد فيه ثلاث شرائط إذا أرسل استشلى وإذا زجر انزجر وإذا أخذ لم يأكل مراراً.
          قوله: (ثابت) ضد الزائل ابن يزيد من الزيادة الأحول البصري سمع عاصماً الأحول. الخطابي: إنما نهاه عن أكله إذا وجده في الماء لإمكان أن يكون الماء هو الذي أهلكه وكذا إذا رأى فيه أثراً لغير سهمه.
          قوله: (عبد الأعلى) ابن عبد الأعلى هو السامي بإهمال السين البصري، و(داود) هو: ابن أبي هند القشيري بالقاف المضمومة وفتح المعجمة وبالتحتانية والراء، و(يقتفي) في بعضها يقتفر بالقاف والفاء والراء أي: يتبع يقال اقتفرته قفوته.
          قوله: (عبد الله بن أبي السفر) ضد الحضر، و(محمد) قال الغساني: قيل إنه ابن سلام، و(ابن فضيل) مصغراً محمد، و(أبو عاصم) هو الضحاك النبيل.
          و(حيوة) بفتح المهملة والواو وسكون التحتانية ابن شريح تصغير الشرح بالمعجمة والراء والمهملة مر مع تمام الإسناد والحديث آنفاً، و(أحمد بن أبي رجاء) ضد الخوف الهروي، و(سلمة) بفتح المهملة واللام، ابن سليمان المروزي مات سنة ثلاث ومائتين هو من جملة أصحاب عبد الله بن المبارك.
          قوله: (هشام بن زيد) بن أنس بن مالك، و(أنفجنا) بالنون والفاء والجيم أي: هيجنا يقال نفج الأرنب إذا أثاره، و(مر الظهران) بفتح الميم وشدة الراء وفتح المعجمة وإسكان الهاء وبالراء والنون، موضع بقرب مكة، و(لغبوا) بالفتح وهو الفصيح وبالكسر، و(أبو طلحة) هو زوج أم أنس.
          قوله: (أبو النضر) بسكون المعجمة سالم مولى عمر بن عبيد الله بن معمر القرشي، و(أبو قتادة) بفتح القاف وبالفوقانية اسمه: الحارث الأنصاري / ، و(الطعمة) بضم الطاء مر في كتاب الحج وعطاء بن يسار ضد اليمين.
          الزركشي:
          (الخذف) بالخاء والذال المعجمتين الرمي بحصى أو نوى بين سبابتيه أو بين الإبهام والسبابة.
          (ولا ينكأ عدواً) قال القاضي: الرواية بفتح الكاف مهموز الآخر، وهي لغة، والأشهر: ((ينكئ)) بكسر الكاف معناه: المبالغة في الأذى.
          (إلا كلب ماشية أو ضار) روي ((ضاري)) بالياء، و((ضار)) بحذفها، و((ضارياً)) بالألف بعد الياء منصوباً، فأما الأخير فهو ظاهر الإعراب، وأما الأولان فهما مجروران عطفاً على ماشية، ويكون من إضافة الموصوف إلى صفته، كماء البارد، ويكون ثبوت [الياء] في ضاري على اللغة القليلة في إثباتها في المنقوص من غير ألف ولام، والمشهور حذفها؛ أي: كلب يعود بالصيد، يقال: ضرى الكلب وأضراه صاحبه، أي: عوده وأغراه به، ويجمع على ضوار.
          وقيل: إن ((ضار)) هنا صفة للرجل الضائر صاحب الكلاب المعتادة الصيد، فسماه ضارياً استعارة كما في الرواية الأخرى: ((إلا كلب ماشية أو كلب صائد)).
          (فيقتفوا أثره) كذا عند أبي ذر، وعند الأصيلي: ((فيقتفي))، وهما بمعنى، أي: يتبع.
          (ابن أبي السفر) بفتحتين.
          (وقيذ) بالذال المعجمة.
          (لغبوا) بفتح الغين المعجمة وتكسر في لغته، أي: أعيوا.
          (إنما هي طعمة) بضم الطاء وكسرها، ومعنى الضم: أكلة، وأما الكسر فوجه الكسب وهيئته، يقال: فلان طيب الطعمة.
          انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (كل يوم قيراطين) أقول: قد جاء في باب الصلاة على الميت أن كل قيراط مثل أحد فهل هذان القيراطين اللذان ينقصان من عمل المقتني للكلب كل واحد كأحد أم لا، فإن قلت: كل قيراط كأحد قلت: كيف يتصور أن ينقص من عمل الإنسان كل يوم قيراطان كل واحد كأحد ومن أين لكل أحد من بني آدم من العمل مثل أحد مرتين أو قريباً من ذلك في عمره خصوصاً في كل يوم، وإن قلت: المراد بالقيراطين هنا غير القيراطين في صلاة الميت قلت: يحتاج إلى فعل ففي الجملة فيه إشكال قلت: والله أعلم يحتمل أن يقال أن هذا من باب التهويل والتخويف والزجر لمقتني الكلب فإن في الغالب من يقتنيه لا ينال باقتنائه ولا يراه إثماً فليتحرر المقتني له ويعلم أنه أثم في ذلك أو يكون ذلك بعد تضعيف الله أعمال المقتني لقوله تعالى: {وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء} [البقرة:261] فحينئذ يتصور أن يكون على بابه أو يكون المراد من القيراط المقدار والله أعلم.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: الكلب المعلم هو الذي يؤخذ فيعلم والتعليم لا يحصل بدون الاقتناء والاقتناء حرام منقص للأجر فالتعليم لا يحصل إلا بالاقتناء فيلزم أن يكون التعليم منقص للأجر وقد أباح الشارع التعليم وقد قال تعالى: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ} فيحتاج إلى جواب؟ قلت: المراد من الاقتناء اقتناء خاص وهو الاقتناء لغير التعليم)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قد فسر القيراطين في حديث الجنازة أن لك قيراط كأحد، وهنا لم يبين القيراط فيكون ذلك الحديث يبين هذا فيلزم أن ينقص من عمل مقتني الكلب كل يوم من الأجر قدر أحد مرتين وهذا مشكل يحتاج إلى بيان كيف يمكن أن يسقط من أجر المقتني ذلك من أين له من الأجر مقدار يسقط منه قيراطان، قلت والله أعلم يعني بعد تضعيف الله أجره يسقط أو للتغليظ والمبالغة)).