مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الخذف والبندقة

          ░5▒ باب الخذف والبندقة
          فيه حديث عبد الله بن مغفل أي بالغين المعجمة: أنه رأى رجلاً يخذف... الحديث هذا الرجل جاء في رواية أخرى أنه قريب لعبد الله، ولمسلم: لا أكلمك أبداً.
          والخذف: بفتح الخاء المعجمة ثم ذال / ساكنة معجمة أيضاً وهو عند أهل اللغة، كما نقله ابن بطال عنهم: الرمي بالحصى أو النوى بالإبهام أو السبابة، والحذف: بالحاء المهملة بالسيف والعصا.
          قال ابن سيده: خذف بالشيء يخذف [خذ]فاً: رمى(1)، وخص بعضهم به أنه الحصى، والمخذفة التي يوضع فيها الحجر ويرمى بها الطير. وعن الليث: هو رميك حصاة أو نواة تأخذها بين سبابتيك أو تجعل مخذفة من خشبة وترمي بها بين إبهامك والسبابة.
          زاد في ((الجمهرة)): ثم ترمي بعقد باليمنى على اليسرى فيخذف بها، والمخذفة: التي يسميها العامة: المقلاع، وهي التي يجعل فيها الحجر ويرمى به؛ ليطرد الطير وغيرها.
          وفي ((مجمع الغرائب)): هو رمي الحجر بأطراف الأصابع.
          وفي ((الصحاح)): المخذفة: المقلاع أو شيء يرمى به.
          وقال الداودي: هو الرمي على ظاهر الإصبع الوسطى وباطن الإبهام كالحصى الذي يرمى به الجمار بمنى.
          ذكر في حصى الخذف أن يجعلها بين السبابة والإبهام من اليسرى ثم يقذفه بالسبابة من اليمنى.
          قوله: (والبندقة): هي: طين يدور وييبس فيصير كالحصى.
          قال المهلب: أباح الله الصيد على صفة اشترطها، فقال: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة:94]. فمعنى: الأيدي: الذبح، ومعنى: الرماح: كل ما رميت به الصيد بنوع من أنواع فعل اليد من الخزق لجلد الصيد وإنفاذه مقاتله. وليس البندقة والخذف بالحجر من ذلك المعنى، وإنما هو وقيذ، وقد حرم الله الموقوذة وبين رسوله أن الخذف لا يصاد به صيد؛ لأنه ليس من المجهزات، فدل أن الحجر لا يقع به ذكاة.
          وأئمة الفتوى بالأمصار على أنه لا يجوز أكل ما قتلته البندقة والحجر، واحتجوا بهذا الحديث.
          وأجاز ذلك الشاميون فخالفوا، ولا حجة لمن خالف السنة.
          وفيه أيضاً دلالة أنه لا بأس بهجران من خالف السنة وقطع الكلام عنه، وليس داخلاً تحت النهي عن الهجران فوق ثلاث، يؤيد ذلك أمره ◙ بذلك في كعب بن مالك وصاحبيه.
          وفيه: وجوب تغيير العالم ما خالف العلم.
          وفيه: منع الاصطياد بالبندق إما محرماً وإما كراهة، وبه قال بعض مصنفي الشافعية، وفي بعض المتأخرين جوازه.
          ولصيد المعراض ثلاثة أحوال: اثنان: ما يباح بهما الأكل وهما: إذا أصاب بحده ولم يدرك ذكاته، أو أصاب بعرضه ولم يدرك ذكاته، والثالث: لا يباح، وهو ما إذا أصاب بعرضه ولم يدرك ذكاته.
          والصيد بقوس البندق ليس فيه إلا حالتان: الإباحة: وهي إدراك ذكاته، والمنع: وهو عدمها؛ إذ لا محدد فيه، ووقوع واحد من ثلاثة أقرب من وقوع واحد من اثنين، فكان صيد المعراض أولى بالجواز من الصيد بالمعرض المذكور.
          قال عياض في ((مشارقه)): قوله: ((ولا ينكأ العدو)) كذا الرواية بفتح الكاف مهموز الآخر، وهي لغة، والأشهر: ينكى في هذا معناه المبالغة في أذاته؛ وقال في ((إكماله)): رويناه مهموزاً قال: وفي بعض الروايات: ينكى. بفتح الياء وكسر الكاف غير مهموز وهو أوجه هنا؛ لأن المهموز إنما هو من نكأت القرحة، وليس هذا موضعه إلا على تجوز، وإنما هذا من النكاية يقال فيه: نكيت العدو وأنكيه نكايةً.
          قال صاحب ((العين)): ونكأت بالهمز لغة فيه.


[1] في المخطوط: ((يخذف فارسي))، ولعله تصحيف.