مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب جلود الميتة

          ░30▒ باب جلود الميتة:
          فيه حديث صالح، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أنه ◙ مر بشاة ميتة الحديث ثم أخرجه عن (خطاب بن عثمان) وهو الفوزي الحمصي، هذان الحديثان أخرجهما (م) وفي أفراده عنه: ((إذا دبغ الإهاب فقد طهر)).
          وصالح السالف هو ابن كيسان، ولم يذكر في حديثه الدباغ وتابعه مالك ومعمر ويونس وذكره ابن عيينة والأوزاعي والزبيدي وعقيل عن الزهري فيه، وذكره أيضاً في الحديث الذي أوردناه وهو ثابت محفوظ، وهو معنى: (هلا استمتعتم بإهابها) يعني: بعد الدباغ؛ لأنه معلوم أن تحريم الميتة جمع إهابها وعصبها ولحمها، فإنما أباح الانتفاع بجلدها بعد دباغه بدليل الحديث الذي أوردناه، وبدليل حديث عائشة ♦ أنه ◙ أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت ذكره مالك في ((الموطأ))، وعلى هذا جمهور الفقهاء وأئمة الفتوى، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وروي عن ابن شهاب أنه أباح الانتفاع بها قبله مع كونها نجسة.
          وأما أحمد فذهب إلى تحريم الجلد وتحريم الانتفاع به قبل الدباغ وبعده، وعن مالك أن جلودها لا تطهر بالدباغ. وأجاز استعمالها في الأشياء اليابسة وفي الماء خاصة من بين سائر المائعات، وروى عنه ابن عبد الحكم أنه يطهر طهارة كاملة ويباع ويؤكل، وهو قول أبي حنيفة والشافعي.
          وقال الأوزاعي وأبو ثور: يطهر جلد المأكول به دون ما لا يؤكل، وحكاه أشهب عن مالك وعن ابن عباس من غير طريق الزهري، روى ابن جريج وعمرو بن دينار، عن عطاء، عنه، عن النبي صلعم أنه مر بشاة مطروحة من الصدقة، قال: ((أفلا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به)).
          وروى الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة ♦ مرفوعاً: ((دباغ جلد الميتة ذكاته)).
          واحتج أيضاً بقوله: ((إنما حرم من الميتة أكلها)) وظاهره أنه لا يحرم منها شيء غيره.
          وعن أبي يوسف وأهل الظاهر أن جلد الخنزير يطهره الدباغ وهو قول سحنون ومحمد بن الحكم، وحكاه أبو حامد عن مالك، واحتجوا بعموم: ((أيما إهاب دبغ فقد طهر)) والصواب قول الجمهور.
          والفرق بين الخنزير وغيره أن النص ورد بتحريمه، والإجماع حاصل على تحريم اقتنائه فلم تعمل الذكاة في لحمه ولا في جلده، وكذلك الدباغ لا يطهر جلده، وأجاز مالك والكوفيون والأوزاعي الخرازة بشعره ومنعه الشافعي لتحريم عينه.
          والدبغ عندنا نزع فضول الجلد بالأشياء الحريفة كالشب / والقرظ ونحوها، بحيث أنه إذا وقع في الماء لا يعود إلى نتنه وفساده، ولا يكفي التتريب والتشميس، ولا يرجع في ذلك إلى أهل الصنعة على الأصح وعند أبي حنيفة: إذا جعله في الشمس حتى ينشف انتفع به بكل حال وطهر.
          والإهاب: الجلد ما لم يدبغ. قاله في ((الصحاح)) وقال ابن فارس، والقزاز: هو الجلد مطلقاً وإن دبغ. وجمعه: أهب بفتح الهمزة والهاء على غير قياس مثل أدم، وقالوا أيضاً أهب بضم الهمزة، وهذا على الأصل.
          قوله: (بعنز ميتة) هي واحدة المعز، وهي بفتح العين وسكون النون، وميتة بالتخفيف والتثقيل سواء، هذا قول أكثر أهل اللغة، وقيل: بالتخفيف لمن مات، وبالتشديد لمن لم يمت بعد، قال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [الزمر:30] قاله أبو عمر والكوفيون وحذاق أهل البصرة يقولون: إنهما واحد.