مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الدجاج

          ░26▒ باب الدجاج:
          وداله مثلثة، والفتح والضم شهيران، والكسر حكاه غير واحد، وعبارة ابن التين أنها جمع دجاجة بفتح الدال على المعروف قال: وذكر في ((الغريب المصنف)): أن فيه لغة بكسر الدال.
          قال أبو علي في ((البارع)): إنما سميت الدجاجة؛ لأنها تقبل وتدبر ذكر في الباب حديث أبي قلابة، عن زهدم الجرمي ووالده مضرب البصري عن أبي موسى واسمه عبد الله بن قيس بن سليم الأشعري قال: رأيت النبي صلعم يأكل دجاجاً. ثم ساقه عن أبي معمر واسمه عبد الله بن عمرو المقعد ثنا عبد الوارث، إلى آخره، والحديثان في المغازي والخمس. والقاسم هو ابن عاصم بصري تميمي كليني، أخو رياح، ابنا يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم.
          قوله / في الأول: (ثنا يحيى، ثنا وكيع) يريد يحيى بن موسى الختي، وقيل: يحيى بن جعفر البلخي فيما ذكره الكلاباذي، ونص أبو نعيم الحافظ أنه ابن جعفر.
          قوله: (تغفلنا رسول الله صلعم يمينه). يقال: تغفلته واستغفلته: تحينت غفلته أي: جعلته غافلاً عن يمينه. وقيل: سألناه في وقت شغله.
          أما ترجمة الباب فما أورده واف. وليته ذكر الدجاج والخيل ولحوم الحمر، وغير ذلك في الأطعمة، فإنه أليق به، وإن كان لما ذكر هنا مدخلاً من حيث الذكاة.
          وقام الإجماع على حل لحم الدجاج وهو من رقيق المطاعم وناعمه، ومن كره ذلك من المتقشفين والزهاد فلا عبرة بكراهته، وقد أكل منها سيد الزهاد، وإن كان يحتمل أن تكون جلالة، وإن نقل الطبري عن ابن عمر أنه كان لا يأكلها حتى يقصرها أياماً؛ لأنها تأكل العذرة.
          وقال غيره: وكان يتأول أنها في الجلالة التي نهى الشارع عن أكلها، روى ابن عمر ☻ قال: نهى رسول الله صلعم عن أكل الجلالة وألبانها. أخرجه (د) (ق) والحاكم و(ت) وقال: حسن غريب. ورواه الثوري عن ابن أبي يحيى، عن مجاهد، عن النبي صلعم مرسلاً، قال الدارقطني: وهو أشبه، وروى عبد الله بن عمرو قال: نهى رسول الله صلعم عن الجلالة أن يؤكل لحمها أو يشرب لبنها، ولا يحمل عليها إلا الأدم، ولا يركبها الناس حتى تعلف أربعين ليلة. رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد وخالفه تلميذه البيهقي فقال: ليس بالقوي.
          وكان ابن عمر إذا أراد أن يأكل بيض الدجاجة قصرها ثلاثة أيام وكره الكوفيون لحوم الإبل الجلالة حتى تحبس أياماً.
          وقال الشافعي: أكره أكله إن لم يكن أكله غير العذرة، أو كانت أكثر أكله، وإذا كان أكثر علفها غيره لم أكرهه. وأكثر أصحابه على أن الكراهة كراهة تنزيه، وصحح بعضهم التحريم، وكرهها أيضاً النخعي وعطاء بن أبي رباح فيما ذكره الدارمي وأحمد، وأبو حنيفة إلا إن حبست أياماً.
          وقال مالك والليث: لا بأس بلحوم الجلالة كالدجاج وما يأكل الجيف وقال الطبري: والعلماء مجمعون على أن حملاً أو جدياً، غذي بلبن كلبة أو خنزير أنه غير حرام أكله، ولا خلاف أن ألبان الخنازير نجسة كالعذرة. قال غيره: والمعنى فيه أن لبن الخنزير لا يدرك في الخروف إذا ذبح بذوق ولا شم ولا رائحة، فقد نقله الله وأحاله كما يحيل الغذاء، وإنما حرم الله أعيان النجاسات المدركات بالحواس، فالدجاجة والإبل الجلالة وما شاكلها لا يوجد فيها أعيان العذرات، وليس ذلك بأكثر من النبات الذي ينبت في العذرة، وهو طاهر حلال بإجماع، ولا يخلو الزرع من ذلك، وإنما النهي عن الجلالة من جهة التقذر والتنزه لئلا يكون الشأن في علف الحيوان النجاسات، والنهي عن الجلالة ليس بقوي الإسناد كذا في كتاب ابن بطال.
          فروع: عندنا كما يمنع لحمها يمنع لبنها، وكذا بيضها، ويكره الركوب عليها بدون حائل وأغرب ابن حزم فقال: لا يصح الحج عليها بخلاف المال المغصوب، وزعم أن الجلالة من ذوات الأربع خاصة ولا يسمى الطير والدجاج جلالة، فإذا قطع عنها أكلها وانقطع عنها الاسم حل أكلها وألبانها وركوبها؛ قال الخطابي: وقد روي في حديث أن البقر الجلالة تعلف أربعين يوماً ثم يؤكل لحمها، وقال الحسن: لا بأس أن يؤكل / لحمها بعد أن يغسل غسلاً جيداً.
          قوله: (وكان بيننا وبين هذا الحي من جرم إخاء) هو بالرفع، وأورده ابن التين بلفظ: (بيننا وبينه) وقال: يقرأ بالخفض على البدل من الضمير الذي في و(بينه) وهو ضمير قبل الذكر، (وإخاء) ممدود تقول: آخيته إخاء، وضبط في بعض النسخ بالقصر قال: وليس بصحيح.
          قوله: (رجل أحمر). أي: أبيض، وهو لون العجم يعني: الروم يميل إلى الشقرة.
          قوله: (وهو يقسم نعماً) هي الإبل والبقر والغنم، وقيل: الإبل خاصة.
          قال الفراء: وهو ذكر لا يؤنث، وذكر غير التأنيث.
          قوله: (خمس ذود غر الذرى) قال القزاز: الذود في الحديث: الواحد، والعرب تجعله من الثلاثة إلى التسعة وقال الجوهري: ثانيها إلى العشرة وقال ابن فارس: الثلاثة إلى العشرة ومعنى (غر الذرى): بيض أعلى أسنمتها؛ لأن الأغر الأبيض، والذرى: جمع ذروة وهي أعلى السنام.
          قوله: (إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها) أي: حللت ما انعقد على اليمين بالكفارة وفسره في موضع آخر فقال: كفرت عنها.
          قال والدي ⌂:
          (النحر والذبح).
          قوله: (ابن جريج) مصغر الجرج بالجيمين والراء عبد الملك، (ولا نحر ولا ذبح إلا في المذبح) (والمنحر) لف ونشر على الترتيب والذبح في الحلق والنحر في اللبة، و(ما يذبح) أي ما من شأنه أن يذبح كالشاة يجوز نحرها واحتج عليه بقوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} [البقرة:67] إذ البقر مذبوح إذ الأصل الحقيقة وجاز نحره اتفاقاً وبأن ذبح المنحور جائز إجماعاً فكذلك نحر المذبوح.
          قال النووي: ما أنهر الدم فكل فيه دليل على جواز ذبح المنحور والعكس وجوزه العلماء إلا داود، وقال مالك في بعض الروايات عنه بإباحة ذبح المنحور دون نحر المذبوح، وأجمعوا أن السنة في الإبل النحر وفي الغنم الذبح والبقر كالغنم عند الجمهور، وقيل تنحر بين ذبحها ونحرها.
          و(الأوداج) جمع الودج بالواو والمهملة والجيم وهو عرق في العنق وهما ودجان، و(النخاع) بفتح النون وضمها وكسرها خيط أبيض يكون داخل عظم الرقبة ويكون ممتداً إلى الصلب حتى يبلغ عجب الذنب، و(النخع) بسكون المعجمة أن يعجل الذابح فيبلغ القطع إلى النخاع، و(لا أخال) بفتح الهمزة وكسرها، والكسر أفصح أي لا أظن. وقال ابن جريج: وحدثني نافع.
          و(اللبة) بفتح اللام فوق الصدر وحواليه قيل الذبح هو في الحلق والنحر في اللبة والتذكية شاملة لهما.
          قوله: (خلاد) بفتح المعجمة وشدة اللام وبالمهملة ابن يحيى الكوفي، و(فاطمة بنت المنذر) بكسر المعجمة الخفيفة زوجة هشام، و(إسحاق) قال الكلاباذي لعله ابن راهويه، و(عبدة) ضد الحرة ابن سليمان، و(جرير) بفتح الجيم وكسر الراء الأولى ابن عبد الحميد، ومقصود (خ) أن الفرس أطلق عليه الذبح مرة والنحر أخرى.
          و(وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف وبالمهملة، و(ابن عيينة) هو سفيان وهو ذكر النحر ولم يذكر الذبح. فإن قلت: ما وجه الجمع بين ذبح الفرس ونحره قلت: إما أنهم مرة نحروها ومرة ذبحوها، وإما أن أحد اللفظين مجاز والأول هو الصحيح المعول عليه إذ لا يعدل إلى المجاز إلا إذا تعذرت الحقيقة ولا تعذر هنا بل في الحقيقة فائدة وهي جواز ذبح المنحور ونحر المذبوح.
          قوله: (المثلة) بضم الميم يقال مثل بالحيوان يمثل مثل قتل يقتل قتلاً إذا قطع أطرافه أو أنفه أو أذنه ونحوه والاسم المثلة، و(المصبورة) هي الدابة التي تحبس وهي حية لتقتل بالرمي ونحوه، و(المجثمة) هي التي تجثم ثم ترمي حتى تقتل وقيل: إنها في الطير خاصة والأرنب وأشباه ذلك.
          الخطابي: المجثمة هي المصبورة بعينها وقال بين المجثمة والجاثمة فرق لأن الجاثمة / هي التي جثمت نفسها فإذا صيدت على تلك الحال لم تحرم والمجثمة هي التي ربطت وحبست قهراً.
          قوله: (هشام بن زيد) بن أنس بن مالك، و(الحكم) بالمفتوحتين ابن أيوب هو أمير البصرة من قبل الحجاج بن يوسف.
          قوله: (تصبر) أي: تحبس حية لتقتل بالرمي وذلك لأنه تعذيب للحيوان وتضييع للمال.
          قوله: (أحمد بن يعقوب) المسعودي الكوفي، و(إسحاق بن سعيد بن عمرو) بن سعيد بن العاص الأموي، و(يحيى بن سعيد) أموي أيضاً.
          قوله: (هذا الطير) هذا على لغة قليلة في إطلاق الطير على الواحد وإلا فالمشهور أن الواحد يقال له الطائر والجمع الطير.
          قوله: (أبو بشر) بالموحدة المكسورة وتسكين المعجمة جعفر، و(الفتية) جمع الفتى وكذلك الفتيان والأول جمع القلة والثاني جمع الكثرة، وإنما لعن النبي صلعم فاعله لأنه ظالم، و(سليمان) هو ابن حرب ضد الصلح، و(المنهال) بكسر الميم وإسكان النون ابن عمرو الأسدي، و(سعيد) هو ابن جبير، و(حجاج) بفتح المهملة وشدة الجيم الأولى ابن منهال الأنماطي.
          و(عدي) بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية ابن ثابت ضد الزائل، و(عبد الله بن يزيد) بالزاي الخطمي الأنصاري الصحابي أمير الكوفة مر في آخر كتاب الإيمان، و(النهبى) بضم النون وسكون الهاء مقصوراً النهب والمنهوب.
          فإن قلت: نهب أموال الكفار جائز؟ قلت: المنهي أخذ الرجل مال المسلم قهراً وظلماً مكابرة أو أخذ أموال المشتركة بين المسلمين بغير إنصاف وسوية.
          قوله: (يحيى) قيل هو إما ابن موسى وإما ابن جعفر، و(أبو قلابة) بكسر القاف وخفة اللام وبالموحدة عبد الله، و(زهدم) بفتح الزاي والمهملة وإسكان الهاء الجرمي بفتح الجيم وتسكين الراء، و(أبو معمر) بفتح الميمين عبد الله، و(أيوب بن أبي تميمة) بفتح الفوقانية السختياني، و(القاسم) ابن عاصم الكلبي مصغر الكلب.
          و(إخاء) أي: مؤاخاة، و(أحمر) ضد الأبيض، و(قذرته) بكسر المعجمة وفتحها كرهته. فإن قلت الجلالة مكروهة فلم بالغ معه في الأكل قلت: الجلالة هي التي غالب علفها الجلة أي: العذرة لا من تأكلها على سبيل الندرة وقد تكون تلك الدجاجة من الآكلات لها.
          و(استحملناه) أي طلبنا منه إبلاً تحملنا، و(نهب) أي غنيمة، و(الذود) من الإبل ما بين الثلاث إلى العشرة، و(الذرى) جمع الذروة أي أعلاه يريد أنها ذوو الأسنمة البيض من كثرة شحومهن، و(تغفلناه) أي: طلبنا غفلته، و(حملكم) أي: حيث ساق هذا النهب إلينا ورزقنا هذه الغنيمة، و(تحللتها) من التحلل وهو التفصي عن عهدة اليمين والخروج منها بالكفارة أو الاستثناء مر في الجهاد وفي المغازي في باب قدوم الأشعريين.
          الزركشي:
          (نهب إبل) أي: غنيمة.
          (والذبح قطع الأوداج) هذا مما استنكروه؛ لأنهما ودجان فقط عرقان محيطان بالحلقوم، وأجيب بأنه أضاف كل ودجين إلى الأنواع كلها.
          (النخاع) مثلث النون: الخيط الأبيض الذي في فقار الظهر، ويقال له: خيط الرقبة.
          (اللبة) بكسر اللام بعدها باء موحدة مشددة موضع القلادة من الصدر، وهي المنحر.
          (المصبورة) أن يحبس من ذوات الأربع شيء حياً ثم يرمى به حتى يقتل.
          (والمجثمة) معناها هي التي تمسك وترمى جاثمة، (زهدم) بفتح أوله وثالثه.
          (وكان بيننا وبين هذا الحي من جرم) بفتح الجيم.
          (إخاء) بالمد مصدر آخى، قال الجوهري: وواخاه لغة ضعيفة و(الحي) مجرور على الصفة لاسم الإشارة، أو عطف بيان، وأغرب السفاقسي فأورد اللفظ: (كان بيننا وبينه هذا الحي)، ثم قال: يقرأ (الحي) بالخفض على البدل من الضمير الذي في (بينه)، وهو ضمير قبل الذكر.
          (أتينا النبي صلعم نفر من الأشعريين) برفع (نفر) على البدل / من ضمير المتكلم.
          (فاستحملناه) أي: سألناه أن يحملنا على الإبل، أي: يعطينا إبلاً نركبها.
          (خمس ذود غر الذرى) بضم الذال المعجمة جمع ذروة، وذروة الشيء أعلاه، والغر جمع الأغر، وهو الأبيض، أي: أمر لنا بإبل بيض الأسنمة لسمنها.
          قال أبو البقاء: والصواب تنوين (خمس) وأن يكون (ذود) بدلاً من (خمس)، ولو أسقطت التنوين وأضفت لتغير المعنى لأن العدد المضاف غير المضاف إليه، فيلزم أن يكون خمس ذود خمسة عشر بعيراً؛ لأن أقل الذود ثلاثة أبعرة، انتهى.
          ويجوز في (غر) النصب على الصفة لخمس، والجر على الصفة لذود.
          (تغفلنا) أي: طلبنا غفلته (يمينه) بدل اشتمال أو مفعول ثان، ومعناه: أنسيناه يمينه، وهذا أقرب لقوله: (فظننا أنك نسيت يمينك).