مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: من اقتنى كلبًا ليس بكلب صيد أو ماشية

          ░6▒ باب من اقتنى كلباً
          فيه حديث ابن عمر عن النبي صلعم: ((من اقتنى كلباً)) الحديث وسلف، ولمسلم من حديث عمرو بن دينار، فقيل لابن عمر ☻: إن أبا هريرة يقول: أو كلب زرع، فقال ابن عمر: لأبي هريرة زرعاً. وفي حديث سفيان ابن أبي زهير عن رسول الله صلعم: ((من اقتنى كلباً لا يغني عنه زرعاً ولا ضرعاً نقص من عمله كل يوم قيراط)) وفي حديث أبي هريرة: ((قيراطين)).
          وفيه: رد لما تأوله الملاحدة على أبي هريرة، وإن لم يذكره ابن عمر مرة، وقد ذكره أيضاً عبد الله بن مغفل من حديث الحسن عنه: ((ما من أهل بيت يرتبطون كلباً إلا نقص من عملهم / كل يوم قيراط إلا كلب صيد أو كلب حرث أو كلب غنم)) فهؤلاء ثلاثة تابعوه على أنه لا يحتاج إلى متابع.
          وكان ابن عمر يجيز اتخاذ الكلب للصيد والماشية خاصة على نص حديثه ولم يبلغه ما روي عنه في ذلك.
          ويدخل في معنى الزرع: الكرم والثمار وغير ذلك.
          ولم يختلف العلماء في قوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} [الأنبياء:78] أنه كان كرماً ويدخل في معنى الزرع والكرم منافع البادية كلها من الطارق وغيره وقد سئل هشام بن عروة، عن اتخاذ الكلب للدار، فقال: لا بأس به إذا كانت الدار مخوفة.
          وذكر القيراط في حديث والقيراطين في آخر.
          قال ابن بطال: ويحتمل والله أعلم أنه ◙ غلظ عليهم في اتخاذها؛ لأنها تروع الناس فلم ينتهوا، فزاد في التغليظ فجعل مكان القيراط قيراطين، وكذا قال ابن التين.
          وقد روى حماد بن زيد، عن واصل مولى ابن عيينة. قال: سأل سائل الحسن فقال: يا أبا سعيد، أرأيت ما ذكر في الكلب أنه ينقص من أجر أهله كل يوم قيراط فبم ذاك؟ قال: لترويعه المسلم.
          قلت: ويحتمل أن يكون راجعاً لكثرة الأذى وقلته، أو يختلف باختلاف البلدان ففي المدينة قيراطان، وفي غيرها قيراط.
          وقال ابن عبد البر: أو يكون ذلك بذهاب أجرة الإحسان إليه؛ لأنه من المعلوم أن الإحسان إلى كل ذات كبد رطبة فيه أجر، لكن الإحسان إلى الكلاب ينقص الأجر، أو يبلغه لما يلحق مقتنيه من السباب.
          يقال: اقتنى الشيء إذا أخذه للقنية لا للتجارة.
          قوله: (كلب ضار لصيد) أي: معلم.
          قوله: (أو ضارياً) كذا روي، وروي: ضار، وروي ضاري والأول ظاهر والأخيران مجروران، وقيل: إن لفظة ((ضار)) صفة للرجل الصائد صاحب الكلب؛ سمي بذلك استعارة.
          وقام الإجماع على قتل الكلب العقور، ثم اختلف فيما لا ضرر فيه، واستقر النهي عن قتلها قاله النووي، قال عياض: ذهب كثير من العلماء إلى الأخذ بالحديث في قتل الكلاب إلا ما استثنى منها، وهو مذهب مالك وأصحابه؛ قال ابن حزم: لا يجوز قتل الكلاب فمن قتلها ضمنها لميتتها بما يتراضيان عليه إلا الكلب الأسود البهيم، والأسود ذا الطفيتين.
          وهل هذا النقص من ماضي عمله أو من مستقبله، أو قيراط من عمل الليل وقيراط من عمل النهار، أو قيراط من الفرض، وقيراط من النفل؟ فيه خلاف حكاه في ((البحر)).
          وجميع الكلاب عندنا في الاصطياد سواء، واستثنى أحمد الكلب الأسود فقال: لا يجوز الاصطياد به؛ لأنه شيطان. وبنحوه قال النخعي والحسن وقتادة وإسحاق.