مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب التسمية على الذبيحة ومن ترك متعمدًا

          ░15▒ (باب التسمية على الذبيحة) قال ابن عباس ☻: من نسي فلا بأس.
          ثم ساق حديث رافع بن خديج السالف في الشركة والجهاد، وقد أخرجه (م، والأربعة)، وقد أسلفنا اختلاف العلماء في التسمية على الصيد وهو كاختلافهم في التسمية على الذبيحة سواء، وسلف أيضاً الاحتجاج بالآية المذكورة، ووقع في كتاب ابن التين أنه حجة على الشافعي في قوله: لا تؤكل الذبيحة إذا نسي التسمية، والشافعي لم يقل هذا وإنما أباحها عند الترك عمداً وسهواً.
          قوله: (كنا مع النبي صلعم بذي الحليفة) قال الداودي: ذو الحليفة المذكور هنا من أرض تهامة ليست التي بالقرب من المدينة، وكذا عرفها ياقوت بأنها موضع بين حاذة وذات عرق من تهامة، وليست بالمهل.
          وذكر ابن بطال عن القابسي أنها المهل. فقال عنه: وكانوا في هذه الغنيمة بذي الحليفة فيها من المدينة. وهو عجيب فاجتنبه.
          قال عنه أيضاً: ويمكن أن يكون أمره ◙ بإكفاء القدور من أجل أنهم استباحوا من الغنائم، كما كانوا يعرفون فيما بعد عن مواضع الإسلام، وموضع الانقطاع عن مواضعهم فهم مضطرون إلى ما وجدوه في بلاد العدو، كما جاء في قصة خيبر أن قوماً أخذوا جراباً فيه شحم فما عيب عليهم ولا طولبوا بذلك، مضى من سنن المسلمين في الغنائم وأكلهم منها ما لا خلاف فيه.
          قال: ولم يكونوا مضطرين إلى أكل الغنيمة، فأراهم الشارع أن هؤلاء ليس لهم فمنعهم ما فعلوه بغير إذنه، وكان في باب الخوف من الغلول، وقد سلف في الجهاد في باب: ما يكره من ذبح الإبل.
          قال: ولو قيل: إن معنى ذلك قِبَل أنهم بادروا قبل القسم لكان داخلاً بزيادة في المعنى الذي ذكرناه، ولو قيل: إنما كان ذلك من قبل أن الغنيمة كانت إبلاً وغنماً كلها؛ لكان داخلاً في المعنى كأن وجهه أنهم فعلوا ما ليس لهم.
          قوله: (فأكفئت) هو بالهمز؛ أي: قلبت. وزعم ابن الأعرابي أنها لغة، والمشهور في اللغة: كفأت الإناء إذا قلبته وقيل: أكفأت: أملت.
          قوله: (ثم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير) قال ابن بطال: ولم ينقل عن أحد أنه دخل في ذلك قرعة وما لم يدخله قرعة لا يضره اختلاف أجناسه في القسمة تساووا وتفاضلوا إذا رضوا بذلك.
          قال ابن التين: ومذهب مالك أن الغنم لا تجمع مع الإبل في القسم، فإن كان أراد أنه قسم بغير قرعة فيكون ذلك موافقاً لمذهبه.
          ومعنى: (ند) شرد، يقال: ند نديداً ونداداً إذا شرد وفر.
          ومعنى: (فأهوى إليه رجل) أي: أومأ إليه به.
          قوله: (فحبسه الله) أي: بذلك السهم ومنعه من النفار الذي كان به حتى أدرك فذكي. قال ابن بطال: وليس في الحديث / ما يمنع من هذا المعنى إذ لم يقل فيه (فحبسه الله حتى مات) فبان أنه أدرك فذكي، وذكاته ترفع التنازع في أكله ويصير إلى الإجماع في أكله، وهو قولنا فيما غلبنا من المواشي الإنسية أنا نحبسها بما استطعنا، فما أدركنا منها لم تنفذ مقاتله فذكيناه أكلناه، وإذا أنفذنا مقاتله لم نحمله محمل الصيد إذ لم يأتنا في ذلك شيء بين نتبعه فنحن في صيد الوحش على ما أذن الله ورسوله.
          وفي ذكاة الإنسي على ما جاءنا به حكم الذكاة، وسيأتي اختلاف العلماء فيه إن شاء الله تعالى وما ذكره هو مذهب مالك لا يجوز فيها إلا أن تحبس بسهم كما في الحديث: أوغر فيه أو طعن أو غير ذلك مما لم ينفذ فيه المقاتل، ومذهبنا ومذهب أبي حنيفة أن ما ند من الإنسية يستباح بما يستباح به الصيد.
          قوله: (إن لهذه البهائم أوابد) أي: توحشاً، يقال: أبدت البهيمة إذا توحشت، والأوابد: التوحش.
          قال أبو عمرو الشيباني: قال النمري: الآبدة: التي تلزم الخلاء فلا تقرب أحداً ولا يقربها، وقال أبو عمرو: قد أبدت الناقة تأبد أبوداً إذا انفردت وحدها وتفردت، وتأبد؛ أي: تفرد. وقال مرة: هي آبدة إذا ذهبت في المرعى وليس لها راع وأبعدت شهراً أو شهرين.
          قوله: (ليس معنا مدى) هو: جمع مُدية بضم الميم، وقد تكسر، وهي الشفرة، و(أنهر الدم): أي: أساله.
          قوله: (ليس السن والظفر) أخذ به مالك مرة فيما رواه عنه ابن القصار، ومحمد، وبه قال الشافعي، سواء كانا متصلين أو منفصلين.
          وعنه رواية ثانية ذكرها ابن وهب: أنه يجوز بهما منفصلتين ولا يجوز متصلتين، وبه قال أبو حنيفة.
          قال ابن القصار: وقد رأيت لبعض شيوخنا أنه مكروه بالسن، مباح بالعظم.
          قال: وعندي أنهما إذا كانا عريضين حتى يمكن قطع الحلقوم بهما في مرة واحدة صحت الذكاة بهما، وكذا سائر العظام مما يؤكل لحمه أم لا.
          وأجاب عن هذا الحديث بجوابين: أحدهما: بحمله على الكراهة، والثاني: أن السن والضرس صغيران لا يصح قطع الأوداج بهما، وهذا لا يصح؛ لأنه قال: (ما أنهر الدم).
          ثم استثنى ذلك فظاهر عدم الذكاة بهما، وإن كانا كبيرين ينهران والحاصل أربعة أقوال: الجواز، والمنع، والتفرقة بين المتصل والمنفصل، وكراهة السن وإباحة العظم.
          قوله: (ليس السن والظفر) استثناهما بـ(ليس)، وفي رواية أخرى: (إلا) بدل: ليس وهي مثلها.
          قال في ((الصحاح)): يضمر اسمها فيها وينصب خبرها والتقدير: ليس مذكنا السن والظفر مأكولاً. وضم السن في بعض الكتب كما ذكره ابن التين قال: وليس ببين بل هو منصوب.