نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث ابن عمر: وقدمت أنا وعمر على رسول الله فوجدناه

          3916- (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحٍ) بتشديد الموحدة الدَّولابي البزاز _بمعجمتين_ نزيل بغداد، متَّفق على توثيقه، وقد شكَّ البخاري في هذه الرواية. وقد روى عنه البُخاري في «الصلاة» [خ¦823]، وفي «البيوع» [خ¦2118] جازماً بغير واسطة (أَوْ بَلَغَنِي عَنْهُ) قال الكرماني: هو نوع من الرواية عن المجهول. /
          وقال الحافظُ العسقلاني: يحتمل أن يكون الذي بلَّغه عنه هو عبَّاد بن الوليد فقد أخرجه أبو نُعيم في «المستخرج» من طريقه عن محمد بن الصبَّاح بلفظه.
          وعبَّاد المذكور يكنى: أبو بكر، وقيل: أبا بدر، وهو غُبَري _بضم الغين المعجمة وفتح الموحدة الخفيفة_ روى عنه ابن ماجه وابن أبي حاتم، وقال: صدوق، مات قبل سنة ستين ومائتين، أو بعدها.
          قال: (أَخْبَرِنَا إِسْمَاعِيلُ) هو: ابن عُلَيَّة، وهو ابن إبراهيم، وعُلَيَّة اسمُ أمِّه اشتهر به (عَنْ عَاصِمٍ) هو: ابنُ سليمان الأحول (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ) هو النَّهدي، واسمه: عبد الرحمن بن ملّ، أنَّه (قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ ☻ إِذَا قِيلَ لَهُ) أي: لابن عمر ☻ (هَاجَرَ قَبْلَ أَبِيهِ يَغْضَبُ) يعني: يتكلم بكلام الغضبان؛ يعني: إنه لم يهاجر إلَّا صحبة أبيه، كما تقدَّم [خ¦3912]. وأخرج الطَّبراني من وجه آخر عن ابن عمر ☻ أنَّه كان يقول: لعن الله من يزعمُ أنَّني هاجرتُ قبل أبي، إنما قدَّمني في ثقلهِ. وهذا في إسناده ضعفٌ.
          والجواب الذي أجاب به في حديث الباب أصح منه، وكأنَّ سبب غضبه أن لا يُرفع فوق قدره، ولا يُنافس والده.
          (قَالَ: فَقَدِمْتُ أَنَا وَعُمَرُ) ويروى: <قدمت> بدون الفاء (عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلعم ) يعني: عند البيعة، ولعلَّها بيعة الرُّضوان. وزعم الدَّاودي: أنها بيعةٌ صدرت حين قدم النَّبي صلعم المدينة.
          قال الحافظُ العسقلاني: وعندي في ذلك بُعْد؛ لأنَّ ابن عمر ☻ لم يكن حينئذٍ في سنِّ من يُبايَع، وقد عرض على النَّبي صلعم بعد ذلك بثلاث سنين يوم أحد، فلم يجزْه، فيحتمل أن تكون البيعة حينئذٍ على غير القتال، وإنما ذكرها ابن عمر ☻ ؛ ليتبين سبب وهم من قال: إنَّه هاجرَ قبل أبيه.
          وإنما الذي وقع له أنَّه بايع قبل أبيه، فلمَّا كانت بيعته قبل بيعة أبيه توهَّم بعضُ النَّاس أن هجرته كانت قبل هجرة أبيه وليس كذلك، وإنما بادرَ إلى البيعة قبلُ حرصاً على تحصيل الخير؛ لأنَّ تأخيره لذلك لا ينفع عمر، أشار إلى ذلك الدَّاودي. وعارضَه ابن التِّين: بأنَّ مثله يَرِدُ في الهجرة التي أنكرَ كونها كانت سابقة.
          والجواب: أنَّه أنكرَ وقوع ذلك لا كراهتهُ لو وقع، / أو الفرق أنَّ زمن البيعة يسيرٌ جداً، بخلاف زمن الهجرة، وأيضاً فلعلَّ البيعة لم تكن عامَّة، بخلاف الهجرة، فإن ابن عمر ☻ خشي أن تفوته البيعة، فبادر إلى تحصيلها، ثم أسرعَ إلى أبيه فأخبره، فسارع إلى البيعة فبايعَ، ثم أعاد ابن عمر ☻ البيعة ثاني مرَّة.
          (فَوَجَدْنَاهُ قَائِلاً) من القيلولة (فَرَجَعْنَا إِلَى الْمَنْزِلِ، فَأَرْسَلَنِي عُمَرُ وَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ هَلِ اسْتَيْقَظَ، فَأَتَيْتُهُ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَبَايَعْتُهُ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ، فَانْطَلَقْنَا إِلَيْهِ نُهَرْوِلُ هَرْوَلَةً) الهرولة: ضرب من السير بين المشي على مهل والعَدْو (حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ فَبَايَعَهُ، ثُمَّ بَايَعْتُهُ).
          ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: «هاجر».