نجاح القاري لصحيح البخاري

منقبة سعد بن عبادة

          ░15▒ (مَنْقَبَةُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ) بضم المهملة وتخفيف الموحدة، هو: ابنُ دليم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طَريف بن الخزرج بن ساعدة السَّاعدي النَّقيب يكنى: أبا الحارث، ويُقال: أبا ثابت، وهو والد قيس بن سعد أحد مشاهير الصَّحابة ♥ ، وكان سعد كبير الخزرج، وكان جواداً كريماً، مات بحوران من أرض الشام سنة أربع عشرة، أو خمس عشرة في خلافة عمر ☺، وقصَّته مشهورة مع الجنِّ، وقولهم:
قد قتلنا سيِّد الخزرج سعد بن عباده                      رميناه بسهم فلم يُخط فؤاده
          (وَقَالَتْ عَائِشَةُ ♦: وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ) أي: قبل حديث الإفك (رَجُلاً صَالِحاً) وهذا طرف من حديث طويل قي قصَّة الإفك، ذكره في «التفسير» في سورة النُّور [خ¦4750] وقبل هذا الكلام: فقام رسول الله صلعم فاستعذر يومئذٍ من عبد الله بن أُبيِّ بن سلول قالت _يعني: عائشة ♦_: فقال رسول الله صلعم وهو على المنبر: ((يا معشر المسلمين من يعذرُني من رجلٍ قد بلغني أذاهُ في أهل بيتي فوالله ما علمتُ على أهلي إلَّا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمتُ عليه إلَّا خيراً وما كان يدخلُ على أهلي إلَّا معي)) فقام سعد ويروى: ((أُسيد بن حُضير)) بن معاذ الأنصاري ☺ فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربتُ عنقه، وإن كان من إخواننَا من الخزرج أمرتنَا ففعلنَا أمرَك، قالت: فقامَ سعدُ بن عُبَادة وهو سيِّد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً، ولكن احتملتْه الحميَّة، فقال لسعد: كذبتَ لعمرِ الله لا تقتله ولا تقدر على قتلهِ، فتثاور الحيَّان الأوس والخزرج حتى همُّوا أن يقتتلوا، فسكَّتهم النَّبي صلعم ... الحديث.
          فأشارت عائشة ♦ إلى أنَّ سعدَ بن عُبادة كان قبل أن يقول تلك المقالة رجلاً صالحاً، وظاهره أنَّه لم يكن في تلك المقالة / مثل ما كان قبلها، ولكن لم يكن مرادها الغضُّ منه، ولا يلزم من ذلك أن يكون سعدٌ خرج عن هذه القصَّة إذ ليس في الخبر تعرُّض لما بعد تلك المقالة، والظَّاهر استمرار ثبوت تلك الصِّفة، لأنَّ سعداً معذورٌ في تلك المقالة؛ لأنَّه كان متأولاً، فلذلك أوردها البخاريُّ في مناقبه ولم يَبدُ منه ما يُعاب به قبل هذه المقالة.
          وعُذر سعد ☺ فيها ظاهر؛ لأنَّه تخيَّل أن الأوسي أرادَ الغضَّ من قبيلته الخزرج لما كان بين الطَّائفتين فردَّ عليه، ثم لم يقع من سعد بعد ذلك شيء يُعاب به، إلَّا أنَّه امتنعَ من بيعة أبي بكر ☺ فيما قيل، وتوجَّه إلى الشَّام فمات بها، والعذر له في ذلك أنَّه تأوَّل أنَّ للأنصار في الخلافةِ استحقاقاً فبنى على ذلك وهو معذورٌ وإن كان ما اعتقدَهُ من ذلك خطأ، والله تعالى أعلم.