نجاح القاري لصحيح البخاري

باب المعراج

          ░42▒ (بابُ الْمِعْرَاجِ) كذا في رواية الأكثر، وللنسفي: <قصة المعراج>، وهو بكسر الميم. وقال الحافظ العسقلاني: وحُكي ضمها، وتعقَّبه العيني بأنَّه غير صحيحٍ وهو من عرج يعرج، من باب: نَصَر يَنْصر، إذا صعد.
          وقال ابنُ الأثير: المعراج _بالكسر_ شبه السُّلَّم، مفعال من العروج، بمعنى الصُّعود كأنَّه آلة له.
          وقد اختلف في وقت المعراج فقيل: كان قبلَ المبعث، وهو شاذٌّ إلا أنْ يحمل على أنه وقع حينئذٍ في المنام كما تقدَّم [خ¦3886]، / وذهب الأكثر إلى أنَّه كان بعد المبعث.
          ثمَّ اختلفوا فذهب الأكثر إلى أنَّه كان في ربيع الأوَّل قبل الهجرة بسنة، وبالغَ ابنُ حزم فنقلَ الإجماع على ذلك. وقال السُّدِّي: قبل الهجرة بسنة وخمسة أشهر. وأخرجه من طريقه الطَّبري والبيهقي، فعلى هذا كان في شوال. وحكى ابنُ عبد البر أنَّه كان في رجب. وجزم به النَّووي في «الروضة»، وقيل: بثمانية عشر شهراً، حكاه ابنُ عبد البر أيضاً وقبله ابنُ قتيبة.
          وقيل: كان قبل الهجرة بسنة وثلاثة أشهر. فعلى هذا يكون في ذي الحجَّة، وبه جزمَ ابن فارس. وقيل: كان قبل الهجرةِ بثلاث سنين، حكاه ابن الأثير. واختار ابنُ المُنيِّر تبعاً للحربي أنَّه كان في سابع عشري ربيع الآخر. وكذا قال النووي في «فتاويه» لكن قال في «شرح مسلم»: ربيع الأول. وحكى القاضي عياض عن الزُّهري أنَّه كان بعد المبعث بخمس سنين.
          وعليه يدلُّ كلام ابن إسحاق وصنيع ابنِ عساكر، وأمَّا المصنف فصنيعُه يدلُّ على أنَّه كان قبل الهجرة بسنة، أو سنتين.
          واستنبط ابنُ المُنيِّر أنَّه كان يوم الاثنين من استقراء أحواله صلعم لأنه وُلد فيه وبُعث فيه وهاجر فيه ودخل المدينة فيه ومات فيه، وقد وجد ذلك منقولاً فروى ابنُ أبي شيبة من حديث جابر وابن عبَّاس ♥ قالا: ولد رسول الله صلعم يوم الاثنين، وفيه بُعث، وفيه عُرج به إلى السَّماء، وفيه مات.
          ورجَّح القرطبيُّ والنَّووي قول الزُّهري تبعاً للقاضي عياض. واحتجَّ بأنه لا خلاف أنَّ خديجة ♦ صلَّت معه بعد فرض الصَّلاة ولا خلاف أنَّها توفِّيت قبل الهجرة إمَّا بثلاث وإمَّا بخمس، ولا خلافَ أنَّ فرض الصَّلاة كان ليلة الإسراء.
          وتعقَّبه الحافظ العسقلاني بأنَّ نفي الخلاف في أنَّ خديجة ♦ صلَّت معه بعد فرض ينفِي إطلاقَ حديث عائشة ♦ أنَّ خديجة ♦ ماتت قبل أن تفرض الصَّلاة، كما تقدَّم في ترجمة خديجة ♦ [خ¦8/1-583]، والذي يظهرُ أن يحمل كلام عائشة ♦ على فرضيَّة الصَّلوات / الخمس، فيلزم منه أن يكون موتها قبل الإسراء وهو المعتمد، وأمَّا تردده في سنة وفاتها، فيردُّه جزم عائشة ♦ بأنَّها ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين، والله تعالى أعلم.