نجاح القاري لصحيح البخاري

باب تزويج النبي خديجة وفضلها

          ░20▒ (بابٌ تَزْوِيجُ النَّبِيِّ صلعم خَدِيجَةَ وَفَضْلُهَا ♦) كذا في أكثر النسخ بلفظ: <تزويج> فوجهه أن يُقال: إن التَّفعيل قد يجيء بمعنى التفعُّل، ولهذا يُقال المقدمة بمعنى المتقدمة، أو المراد: تزويج النَّبي صلعم خديجة من نفسه. / وفي بعضها: <باب تزوُّج النَّبي صلعم > على الأصل، وهي ♦ بنت خُويلد بن أسد بن عبد العزَّى بن قصي تجتمع مع رسول الله صلعم في قُصي وهي من أقرب نسائه إليه في النَّسب، ولم يتزوَّج من ذريَّة قُصَيٍّ غيرها إلَّا أم حبيبة.
          قال الزُّبير: كانت خديجةُ ♦ تُدعى في الجاهليَّة: الطَّاهرة، وأمُّها: فاطمة بنت زائدة بن الأصم _اسمه: جندب_ بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر بن لؤي، تزوجها رسول الله صلعم سنة خمس وعشرين من مولده في قول الجمهور، زوَّجها إيَّاه أبوها خويلد، ذكرهُ البيهقيُّ من حديث الزُّهري بإسناده عن عمَّار بن ياسر، وقيل: عمها عَمرو بن أسد ذكره ابن الكلبي، وقيل: أخوها عَمرو بن خويلد، ذكره ابنُ إسحاق، وكانت قبل النَّبي صلعم عند أبي هالةَ بن النَّباش بن زُرَارة التَّيمي حليف بني عبد الدَّار.
          واختلف في اسم أبي هالة فقال ابن الزبير: اسمه مالك. وقال ابن منده: زرارة. وقال العسكري: هند. وقال أبو عُبيدة: اسمه النبَّاش، وابنه هند، روى عنه الحسن بن علي ☻ فقال: حدَّثني خالي لأنَّه أخو فاطمة لأمها. ولهند هذا ولد اسمه: هند، ذكره الدَّولابي وغيره.
          فعلى قول العسكريِّ فهو ممَّن اشترك مع أبيهِ وجدِّه في الاسم، ومات أبو هالة في الجاهليَّة وكانت خديجة ♦ قبله عند عتيق بن عائذ المخزومي، ثمَّ خلّف عليها رسول الله صلعم . وكان النَّبي صلعم قبل أن يتزوَّج خديجة ♦ قد سافر في مالها مقارِضاً إلى الشَّام، فرأى منه ميسرة غلامها ما رغَّبها في تزوجه.
          وقال أبو عمر: كانت إذ تزوَّجها رسول الله صلعم بنت أربعين سنة، وأقامت معه أربعاً وعشرين سنة، وتوفِّيت وهي بنت أربع وستين سنة وستَّة أشهر.
          وكان صلعم إذ تزوَّجها ابن إحدى وعشرين سنة، وقيل: ابن خمس وعشرين وهو الأكثر كما تقدَّم، وقيل: ابن ثلاثين، وتوفِّيت / قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل: بأربع. وقال قتادة: قبل الهجرة بثلاث سنين.
          قال أبو عُمر: قول قتادة عندنا أصحُّ، وسيأتي من حديث عائشة ♦ ما يؤيِّد أنَّ موتها قبل الهجرة بثلاث سنين [خ¦3817]، وذلك بعد المبعث على الصَّواب بعشر سنين. وقال أبو عمر: يُقال: إنَّها توفِّيت بعد موت أبي طالب بثلاثةِ أيَّام، توفيت في شهر رمضان ودُفنت في الحَجون.
          ولم يختلف الرُّواة أنَّه ولد له صلعم منها ♦ جميع أولاده حاش إبراهيم.
          وقال ابنُ إسحاق: ولدت خديجة ♦: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، والقاسم وبه كان يكنى، والطاهر، والطيب، فالثلاثة ماتوا في الجاهلية، وأمَّا بناته فكلهنَّ أدركنَ الإسلام فأسلمنَ وهاجرنَ معه صلعم .
          هذا وقد تقدَّم في أوَّل «بدءِ الوحي» [خ¦3] بيان تصديقها للنَّبي صلعم في أوَّل وهلة من ثباتها في الأمر ما يدلُّ على قوَّة يقينها ووفورِ عقلها وصحَّة عزمها، لا جرمَ كانت أفضل نساء هذه الأمة على الرَّاجح.
          وقد تقدَّم في ذكر مريم ♀ من «أحاديث الأنبياء» بيان شيءٍ من هذا [خ¦3432].
          وروى الفاكهيُّ في كتاب «مكة» عن أنس ☺: أنَّ النَّبي صلعم كان عند أبي طالب فاستأذنه أن يتوجَّه إلى خديجة فأذنَ له، وبعث معه جاريةً له يقال لها: نبعة، فقال لها: انظري ما تقول له خديجة، قالت نبعة: فرأيت عجباً ما هو إلَّا أن سَمِعت به خديجة فخرجت إلى الباب فأخذت بيده فضمَّتها إلى صدرها ونحرها، ثمَّ قالت: بأبي وأمي والله ما أفعل هذا الشَّيء ولكنِّي أرجو أن تكون النَّبي الذي يُبعث، فإن تكن هو فاعرفْ حقِّي ومنزلتي، وادعُ الإله الذي يبعثُك لي، قالت: فقال لها: ((والله لئن كنت أنا هو لقد اصطنعتِ عندي ما لا أضيعه أبداً، وإن يكن غيري فإنَّ الإله الذي تصنعين هذا لأجلهِ لا يضيعك أبداً)) انتهى.