نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: إن عبدًا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء

          3904- (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (مَالِكٌ) الإمام (عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة واسمه: سالم (مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدٍ) مصغراً (يَعْنِي: ابْنَ حُنَيْنٍ) بضم الحاء المهملة وفتح النون الأولى، مولى زيد بن خطاب القرشي (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ☺) الرَّاوي هنا عن أبي سعيد ☺ هو عُبيد بن حُنين كما ترى، وقد مضى الحديث في باب: قول النَّبي صلعم : «سدوا الأبواب إلَّا باب أبي بكر ☺» [خ¦3654] والرَّاوي هناك عن أبي سعيد هو بسرُ بن سعيد، وكذلك مضى في «كتاب الصلاة»، في باب: «الخوخة والممر في المسجد» [خ¦466]، فإنَّ الرَّاوي هنالك أيضاً عن أبي سعيد هو: بسرُ بن سعيد.
          (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلعم جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: إِنَّ عَبْداً خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ ☺ وَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. فَعَجِبْنَا لَهُ، وَقَالَ النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ، يُخْبِرُ رَسُولُ اللَّهِ صلعم عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، وَهْوَ يَقُولُ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا) يعني: كانوا يتعجَّبون من تفديتهِ إذ لم يفهموا المناسبة بين الكلامين.
          وفي الحديث الذي في «كتاب الصَّلاة» [خ¦466]: فقلت في نفسي: ما يبكي هذا الشيخ؟ والقائل هو أبو سعيد ☺. /
          وجاء في حديث ابن عباس ☻ عند البلاذُري: فقال له أبو سعيد الخدري: ما يبكيك يا أبا بكر؟ فذكر الحديث.
          (فكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم هُوَ الْمُخَيَّرَ) بفتح التحتية؛ أي: خيَّر الله رسوله بين مقامه في الدُّنيا ورحلته إلى الآخرة، وفي إعراب لفظ المخير وجهان: النَّصب على أنَّه خبر كان ولفظة هو ضميرُ فصل، وفيه خلاف هل هو اسم أو حرف. والرفع على أنَّه خبر مبتدأ هو قوله: هو، والجملة في محلِّ نصب على أنَّه خبر كان (وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ أَعْلَمَنَا، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم : إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ) لفظ: أمنِّ، أفعل تفضيل من المنِّ.
          (عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً خَلِيلاً مِنْ أُمَّتِي لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، إِلاَّ خُلَّةَ الإِسْلاَمِ) هذا الاستثناء منقطع؛ أي: لكن خلَّة الإسلام أفضل، وفيما تقدَّم إلا أخوَّة الإسلام (لاَ يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ) بفتح المعجمتين بينهما واو ساكنة، هو الباب الصغير (إِلاَّ خَوْخَةُ أَبِي بَكْرٍ) وكان بعض الصَّحابة ♥ فتحوا أبواباً في دورهم إلى المسجد فأمرهم الشارع بسدِّها إلَّا خوخة أبي بكر ☺ ليتميز بذلك فضله، وفيه إيماء إلى الخلافة.
          وقد مرَّ الحديث في كتاب الصلاة، في باب: الخوخة في المسجد [خ¦466].
          ومطابقته للترجمة تُؤخذ من قوله: «إنَّ مِن أمَنِّ الناس عليَّ في صحبته» إذ لم يصاحب معه في الهجرة إلَّا أبو بكر ☺، وهذا بطريق الاستئناس وإن كان فيه بعض بُعدٍ.
          وهذا القدر كاف في المطابقة.