نجاح القاري لصحيح البخاري

باب إتيان اليهود النبي حين قدم المدينة

          ░52▒ (بابُ إِتْيَانِ الْيَهُودِ النَّبِيَّ صلعم حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ) ذكر ابنُ عائذ من طريق عروة أنَّ أوَّل من أتاهُ منهم أبو ياسر بن أخطب أخو حُييٍّ بن أخطب، فسمع منه فلمَّا رجع قال لقومه: أطيعوني فإنَّ هذا النَّبي الذي كنَّا ننتظر فعصاه أخوه، وكان مطاعاً فيهم، فاستحوذَ عليه الشَّيطان فأطاعوه على ما قال.
          وروى أبو سعد في «شرف المصطفى» من طريق سعيد بن جُبير: جاء ميمون بن يامين وكان رأس اليهود إلى رسولِ الله صلعم فقال: يا رسول الله ابعثْ إليهم فاجعلني حكماً، فإنَّهم يرجعون إليَّ فأدخله داخلاً، ثم أرسل، فأتوه فخاطبوه، فقال: «اختاروا رجلاً يكون حكماً بيني وبينكم» قالوا: قد رضينا ميمون بن يامين، فقال: «أخرج إليهم» فقال: أشهد أنَّه رسول الله، فأبوا أن يصدِّقوه.
          وذكر ابنُ إسحاق أنَّ النَّبي صلعم وادع اليهود لما قدم المدينة وامتنعوا من اتِّباعه، وكتب كتاباً، وكانوا ثلاث قبائل قينقاع والنَّضير وقريظة، فنقض الثلاثة العهد طائفة بعد طائفة، فمنَّ على بني قينقاع، وأجلى بني النضير، واستأصل بني قريظة.
          وسيأتي بيان ذلك مفصَّلاً إن شاء الله تعالى [خ¦4028].
          وذكر ابن إسحاق أيضاً عن الزهري: سمعت رجلاً من مزينة يحدث سعيد بن المسيِّب عن أبي هريرة ☺ أن أحبار يهود اجتمعوا في بيت المدراس حين قدم النبي صلعم / فقالوا: انطلقوا إلى هذا الرجل، فسألوه عن حدِّ الزاني... فذكر الحديث.
          ({هَادُوا}: صَارُوا يَهُوداً) مشى البخاري هاهنا على عادته في ذكر ألفاظ من القرآن ممَّا يماثلُ لفظ الحديث فقوله: {هَادُوا} إشارة إلى قوله تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} [المائدة:41]، ومعناه هنا: صاروا يهوداً؛ أي: ومن الذين تهوَّدوا فصاروا يهوداً، كذا قال أبو عبيد.
          (وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُدْنَا} تُبْنَا) وهو إشارة إلى قوله تعالى: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الأعراف:156]، ومعناه: تبنا إليك، كذا فسَّره أبو عبيد (هَائِدٌ: تَائِبٌ) قال الجوهريُّ: هاد يهودُ هوداً: تاب ورجع إلى الحق، فهو هائد، وقوم هُود مثل حائل وحُول وبازل وبُزل. وقال أبو عبيد: الهود: التَّوبة والعمل الصَّالح، ويقال أيضاً: هاد وتهوَّد إذا صار يهودياً.