نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدري

          349- (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ) بضم الموحدة (قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) هو ابن سعد إمام مصر (عَنْ يُونُسَ) هو ابن يزيد (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمد بن مسلم الزهري (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) وقد سقط لفظ <ابن مالك> في رواية ابن عساكر.
          (قَالَ) أي: أنه قال (كَانَ أَبُو ذَرٍّ) ☺ (يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلعم قَالَ: فُرِجَ) بضم الفاء وكسر الراء وبالجيم؛ / أي: فتح (عَنْ سَقْفِ بَيْتِي) والمعنى فُتِحَ فيه فَتْحٌ، وروي: <فشق>، أضاف البيت إلى نفسه مع أنه بيت أم هانئ كما ثبت في الرواية بأدنى ملابسة.
          فإن قيل: قد روي أنَّه كان في الحطيم أيضاً فكيف الجمع بينهما؟.
          فالجواب: أمَّا على كون العروج مرتين فظاهر، وأمَّا على كونه مرة واحدة فلعله صلعم بعد غسل صدره دخل بيت أم هانئ، ومنه عرج به إلى السماء فليتأمل.
          (وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ) ◙ من الموضع المفروج في السقف، والحكمة فيه أن الملك انصب إليه من السماء انصبابة واحدة، ولم يعرج على شيء سواه مبالغةً في المفاجأة وتنبيهاً على أنَّه وقع على غير ميعاد، وفيه أنَّ ذلك أوقع صدقاً في القلب فيما جاء به.
          ويحتمل أن يكون السرُّ في ذلك التمهيد لما وقع من شق صدره، فكأنَّ الملك أراه بانفراج السقف والتئامه في الحال كيفية ما سيصنع به لطفاً له وتثبيتاً، والله أعلم.
          (فَفَرَجَ) بفتح الفاء والراء وبالجيم؛ أي: شق (صَدْرِي) وفي رواية: <عن صدري> ويروى: <شَرَحَ صَدْرِي>، وفي ((سير ابن إسحاق)): شَقَّ صدُرَهُ وهو مسترضع في بني سعد عند حليمة.
          ورجحه القاضي عياض، وتعقبه السُّهيلي: بأنَّ ذلك وقع مرتين وهو الصواب، والحكمة في الشق الأول نزع العلقة التي قيل له ◙ عند نزعها: ((هذا حظُّ الشيطانِ منك))، وفي الشق الثاني كونه مستعداً للتلقِّي لما حصل له في تلك الليلة.
          وإلى هذا يؤول ما قِيْلَ: إنَّ الأَوَّل ليصير قلبه مثل قلوب الأنبياء ‰، والثاني ليصير حاله مثل حال الملائكة، وقيل: إنَّه غسل أولاً بالثلج ليثلج اليقين إلى قلبه، وثانياً بماء زمزم لتدخل فيه الأسرار القدسية، والله أعلم.
          وقد روى الطَّيَالِسيُّ والحارث في ((مسنديهما)) من حديث عائشة ♦: أن الشق وقع مرة أخرى عند مجيء جبريل ◙ إليه بالوحي في غار حراء، وروي الشق أيضاً وهو ابن عشر أو نحوها في قصة له مع عبد المطلب، أخرجها أبو نُعيم في ((الدلائل))، وروي مرة أخرى خامسة ولا تثبت.
          (ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ) لأنَّ الطهور شطر الإيمان، وإنما غسله بماء زمزم لفضله على سائر المياه، أو لأنَّه يقوِّي القلب (ثُمَّ جَاءَ بِطسْتٍ) بفتح الطاء وبكسرها وسكون السين، إناء معروف ويستعمل بإدغام السين في التاء بعد قلبه سيناً وهي مؤنثة، وقد يذكر على معنى الإناء، وخص الطست بذلك دون بقية الأواني؛ لأنَّه آلة الغسل عرفاً (مِنْ ذَهَبٍ) فإن قيل: فيه استعمال آنية الذهب وهو حرام.
          فالجواب: أنَّ ذلك كان على أصل الإباحة، والتحريمُ إنَّما كان بالمدينة، على أنه / فعل الملائكة واستعمالهم، ولا يلزم أن يكون حكمهم كحكمنا كما لا يلزم أن يكون حكم الآخرة كحكم الدنيا.
          ومن ثمَّة قال الحافظ العسقلاني: وقد أبعد من استدل به على جواز تحلية المصحف وغيره بالذهب، وإنما كان من ذهب؛ لأنَّه أعلى أواني الجنة وهو رأس الأثمان، وله خواص منها: أنَّه لا تأكله النار في حال التعليق، ولا تأكله الأرض ولا تَغيره وهو أنقى شيء وأصفاه، يقال في المثل: أنقى من الذهب، وهو سبب للفرح والسرور.
          قال الشاعر:
صفراءُ لا تنزِلُ الأحزانُ ساحَتَها                     لو مَسَّهَا حجرٌ مَسَّته سرَّاءُ
          وهو أثقل الأشياء فيجعل في الزئبق الذي هو أثقل الأشياء فيرسب، وهو أوفق لثقل الوحي، وهو عزيز وبه يتم الملك.
          (مُمْتَلِئٍ) بالجر صفة «طست»، وقد ذُكِّر على معنى الإناء (حِكْمَةً وَإِيمَاناً) الحكمة اسم من حكُم بضم العين؛ أي: صار حكيماً، وصاحب الحكمة المتقنُ الأمور، وأما حكَم بفتح العين فمعناه: قضى ومصدره الحُكْم، والحُكم أيضاً الحكمة بمعنى العلم، والحكيم العالم.
          وقال النووي: إنَّ الحكمة فيها أقوال مضطربة صفَى لنا منها: أنَّ الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام، المشتملِ على المعرفة بالله، المصحوب بنفاذ البصيرة، وتهذيبِ النفس، وتحقيقِ الحق والعمل به، والصدِّ عن اتباع الهوى والباطل؛ فالحكيم من حاز ذلك كله.
          وقال ابن دريد: كل كلمة وعظَتْكَ أو زجرَتْكَ أو دعتْكَ إلى مكرمة، أو نهتْكَ عن قبيح فهي حكمة، وقيل: هي النبوة، وقيل: هي الفهم عن الله.
          وقال ابن سيده: القرآن كفى به حكمة؛ وذلك لأنَّه مشتمل على ذلك كله، والأمة صارت علماء بعد جهل.
          وفي ((التوضيح)): وفي هذا الحديث دلالة صريحة أنَّ شَرْح صدره صلعم كان ليلة المعراج وفعل به ذلك لزيادة الطمأنينة لما يرى من عظم الملكوت، أو لأنَّه يصلي بالأنبياء ‰.
          ثم إن قوله: ((حكمةً وإيماناً)) منصوبان على التمييز، وجَعْلُ الإيمان والحكمة في الإناء وإفراغهما في صدره كما قال صلعم : (فَأَفْرَغَهُ) أي: ما في الطست (فِي صَدْرِي) مع أنَّهما مَعْنَيَانِ، وذلك صفة الأجسام: من أحسن المجازات، والمعنى: أنَّ الطست جُعِلَ فيها شيء يحصل بسببه كمال الإيمان والحكمة، فأطلقا عليه تسمية للشيء باسم مسببه، أو هو من باب التمثيل بناءً على جواز تمثيل المعاني لينكشف بالمحسوس ما هو معقول كما يُمثَّلُ له صلعم أرواح الأنبياء الدارجة بالصور التي كانوا عليها، وكما يَمثَّلُ الموت كبشاً أملح.
          (ثُمَّ أَطْبَقَهُ) أي: صدره / الشريف، يقال: أطبقتُ الشيء إذا غطيتَه وجعلْتَه مطبقاً.
          وفي ((التوضيح)): لما فعل به ذلك ختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء، فجمع الله له أجزاء النبوة وختمها فهو خاتم النبيين، وختم عليه فلم يجد عدوُّه سبيلاً إليه من أجل ذلك؛ لأنَّ الشيء المختوم محروس، وقد جاء أنَّه استخرج منه علقة وقال: ((هذا حظُّ الشيطانِ منك)).
          (ثُمَّ أَخَذَ) جبريل (بِيَدِي فَعَرَجَ) أي: صَعِد، يقال: عرَج يعرُج عروجاً من باب نصر ينصر.
          وقال ابن سيده: عرج في الشيء يعرج، ويعرج عروجاً رقى، وعرج الشيء ارتفع وعلا.
          والمعراج _بالكسر_ شبْه سُلَّم مِفْعال من العروج كأنه آلةٌ له.
          وقال ابن سيده: المعراج شِبهُ سُلَّمٍ تعرج عليه الأرواح، وقيل: هو حيث تصعد أعمال بني آدم.
          (بِي) وفي رواية: <به>، وتوجيهها أنَّ النبي صلعم جرَّد من نفسه شخصاً وأشار إليه، أو أن الراوي نقل كلامه بالمعنى لا بلفظه بعينه، وعلى كلا التقديرين ففيه التفاتٌ.
          (إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا) تأنيث الأدنى بمعنى الأقرب وصفت به؛ لكونها أقرب، إلى الأرض من غيرها، وفي رواية سقط لفظ <الدنيا>، وروى ابن حبان في ((صحيحه)) مرفوعاً: ((ما بينَ السَّماءِ والأرضِ مسيرة خمسمائةِ عام)).
          وقد روي أيضاً: ((أن ما بين كل سمائين كذلك)) وقد ذكر أبو جعفر محمد ابن عثمان بن أبي شيبة بإسناده إلى العباس ☺ قال: قال رسول الله صلعم : ((هَلْ تدرونَ كمْ بينَ السماءِ والأرضِ؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ((بينهما خمسمائةِ عام وَكِثَفُ كلِّ سماءٍ خمسمائةِ سنة، وفوقَ السَّماءِ السابعةِ بحراً بين أسفلهِ وأعلاهُ كما بينَ السماءِ والأرضِ)).
          وروي أيضاً عن أبي ذر مرفوعاً مثله، وفي رواية أبي سعيد أحمد بن محمد ابن زياد: ((ومَاْ بينَ السماءِ السابعةِ إلى الكرسيِّ كذلك، والماءُ عَلى الكرسيِّ والعرشُ عَلى الماءِ)).
          هذا؛ وقد استدل بعضهم بهذا الحديث على أنَّ المعراج وقع غير مرة؛ لكون الإسراء إلى بيت المقدس لم يذكر هنا، ويمكن أن يقال: هو من اختصار الراوي والإتيان بثمَّ المقتضية للتراخي لا ينافي وقوع أمر الإسراء بين الأمرين المذكورين وهما الإطباق والعروج، بل يشير إليه، وحاصله: أنَّ بعضَ الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر.
          (فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ) الدنيا (افْتَحْ) أي: الباب، وهذا يدل على أنَّ الباب كان مغلقاً.
          قال ابن المنيِّر: حكمته أن يتحقق النبيُّ صلعم أنَّ السماء لم تفتح إلاَّ لأجله بخلاف ما لو وجده مفتوحاً، وفيه أيضاً دلالة على أنَّ عروجه صلعم كان بجسده؛
          إذا لو لم يكن بجسده لما استفتح.
          (قَالَ) أي: الخازن (مَنْ هَذَا) الذي يقرع الباب ويستفتحه؟ (قَالَ) جبريل ◙: (جِبْرِيلُ) وفي رواية: <قال هذا جبريل>، وفيه إثبات / الاستئذان، وأنَّ الأدب أن لا يقول أنا كما نهى في حديث جابر [خ¦6250]، بل يسمي نفسه بما هو مشهور به بين الناس لئلَّا يلتبس بغيره.
          (قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَعِي مُحَمَّدٌ صلعم ، فَقَالَ) الخازن: (أأُرْسِلَ إِلَيْهِ)؟ بهمزتين أُولاهما للاستفهام، وفي رواية الكشميهني: <أو أُرسل> بواو مفتوحة بين الهمزتين، وهذا السؤال من الملك الذي هو خازن السماء إما للاستعجاب بما أنعم الله عليه من هذا التعظيم والإجلال حتى أصعده إلى السموات، وإمَّا للاستبشار بعروجه؛ إذ كان من البيِّن عندهم أنَّ أحداً من البشر لا يترقى إلى أسباب السماء من غير أن يأذن الله له ويأمر ملائكته بإصعاده.
          وقال الحافظ العسقلاني: يحتمل أن يكون خفي عليه أصل رسالته لاشتغاله بعبادته، ويحتمل أن يكون استفهم عن الإرسال إليه للعروج إلى السماء وهو الأظهر لقوله: «إليه».
          وتعقبه محمود العيني: بأنَّه كيف يخفى عليه ذلك لاشتغاله (1) بالعبادة، وقد قال أولاً: من هذا، حين قال جبريل: افتح، وقال أيضاً: هل معك أحد؟ قال جبريل: نعم معي محمد، وأين الخفاء بعد ذلك، وأين الاشتغال بالعبادة في هذا الوقت الذي هو وقت المحاورة والسؤال والجواب، وأمرُ نُبوَّته قد كان مشهوراً في الملكوت بحيث لا يخفى على خزان السموات وحراسها، فلا مجال لأن يكون السؤال عن أصل الرسالة، وإنما كان سؤالاً عن أنَّه أرسل إليه للعروج، لكن حقيقته غير مرادة أيضاً؛ إذ لا يفعل جبريل ◙ ما لم يأمره الله به، وإنما هو لأحد الوجهين المذكورين إمَّا للاستعجاب وإمَّا للاستبشار، لا يقال: جاء في رواية شريك: أوقد بعث إليه، _وهذا يؤيد ما قاله الحافظ العسقلاني_ ؛ لأنَّ معنى أرسل وبعث سواء، على أنَّ المعنى هاهنا يمكن أن يكون: أَوَقَد بعث إلى هذا المكان؟! وهذا استعجاب منه واستعظام لأمره.
          (قَالَ) جبريل: (نَعَمْ) أرسل إليه (فَلَمَّا فَتَحَ) الخازن باب السماء (عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا) ضمير الجمع فيه يدل على أنَّ معهما ملائكة آخرين فكأنَّهما كلما عديا سماءً تشيعهما الملائكة إلى أن يصلا إلى سماء أخرى هكذا قيل، وفيه تأمل ظاهر.
          وفيه دلالة على أنَّ رسول الرجل يقوم مقام إذنه؛ لأنَّ الخازن لم يتوقف في الفتح له على الوحي إليه بذلك بل عمل بلازم الإرسال إليه.
          (فَإِذَا) بالفاء، وفي رواية: <إذا> بلا فاء وهي كلمة المفاجأة، وتختص / بالجملة الاسمية، ولا تحتاج إلى جواب، وهي حرف عند الأخفش، وظرف مكان عند المبِّرد، وظرف زمان عند الزَّجَّاج.
          (رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ) جمع سواد كالأزمنة جمع زمان، والسواد الشخص، وقيل: الجماعات، وسواد الناس عوامهم وكل عدد كثير، ويقال: هي الأشخاص من كل شيء.
          قال أبو عبيد: هو شخص كل شيء من متاع أو غيره، والجمع أسودة، وأساودة جمع الجمع.
          (وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، إِذَا نَظَرَ قِبَلَ) بكسر القاف وفتح الموحدة؛ أي: جهة (يَمِينِهِ ضَحِكَ): واستبشر (وَإِن نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ) وفي رواية: <قبل شماله> (بَكَى، فَقَالَ) أي: ذلك الرجل القاعد (مَرْحَباً) أي: أصبت رحباً وسهلاً فاستأِنس ولا تتوحش، والنصب فيه كما في قولهم: أهلا وسهلاً، وهذا لفظ استعملته العرب وأكثرت منه تريد به البر، وحسن اللقاء، وتأنيس القادم.
          (بِالنَّبِيِّ) أي: رحباً ملتبساً بالنبي (الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ) أي: القائم بحقوق الله وحقوق العباد، وكلُّهم قالوا له: بالنبي الصالح لشموله على سائر الخلال المحمودة الممدوحة من الصدق، والأمانة، والعفاف، والفضل ولم يقل له أحد مرحباً بالنبي الصادق، ولا بالنبي الأمين لما ذكرنا: أنَّ الصلاح شامل لجميع أنواع الخير، فكأنَّه قال: مرحباً بالنبي التامِّ في نبوته، والابن البار في بُنُوَّته.
          (قُلْتُ) أي: قال ◙: قلت (لِجِبْرِيلَ) ◙: (مَنْ هَذَا؟) ظاهره أنه سأل عنه بعد أن قال له آدم ◙ مرحباً، ورواية مالك بن صعصعة [خ¦3207] [خ¦3887] وفيهما تقديم سلام الرسول على ترحيب آدم بعكس ذلك وهي المعتمدة فتحمل هذه عليها؛ إذ ليس في هذه أداة ترتيب.
          (قَالَ) جبريل ◙ (هَذَا آدَمُ) ◙ (وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ) التي (عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ) النَّسَم: بفتح النون والسين، جمع: نسمة وهي نفس الإنسان، ويقال: ما بها نسمة؛ أي: نفس وروح.
          قال الخطابي: والمراد أرواح بني آدم، وحكى ابنُ التين أنَّه رواه: شِيَم بني آدم بكسر الشين المعجمة وفتح الياء بعدها ميم وهو تصحيف.
          (فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ) ظاهره أن أرواح بني آدم من أهل الجنة والنار في السماء وهو مشكل.
          قال القاضي عياض: قد جاء أن أرواح الكفار في سجين الأرض السابعة، وأن أرواح المؤمنين منعمة في الجنة وهي فوق السماء السابعة يعني فكيف تكون مجتمعة في السماء الدنيا؟.
          وأجاب: بأنَّه / يحتمل أنَّها تعرض على آدم أوقاتاً فصادف وقتُ عرضها مرورَ النبي صلعم ، ويدل على أنَّ كونهم في الجنة والنار إنَّما هو في أوقات دون أوقات قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيَّاً} [غافر:46].
          واعترض بأنَّ أرواح الكفار لا تفتح لهم أبواب السماء كما هو نص القرآن.
          وأجيب عنه: بأنه يحتمل أنَّ الجنة كانت في جهة يمين آدم، والنار في جهة شماله ◙، وكان يكشف له عنهما.
          ويحتمل أن يقال: إنَّ النسم المرئية هي التي لم تدخل الأجساد بعد وهي مخلوقة قبل الأجساد ومستقرها عن يمين آدم وشماله، وقد أعلمه الله بما سيصيرون إليه؛ فلذلك كان يستبشر إذا نظر إلى من عن يمينه، ويحزن إذا نظر إلى من عن شماله، بخلاف التي في الأجساد فليست بمرادة قطعاً، بخلاف التي انتقلت من الأجساد إلى مستقرها من جنة أو نار فليست مرادة أيضاً فيما يظهر، وبهذا يندفع الإيراد، ويعرف أنَّ قوله: ((نسم بنيه)) عام مخصوص أو أريد به الخصوص.
          وأمَّا ما أخرجه ابن إسحاق والبيهقي من طريقه في حديث الإسراء: ((فإِذَا أنا بآدَم تُعْرَضُ عليهِ أرواحُ ذرِّيَّةِ المؤمنيَن فيقول: روحٌ طيِّبةٌ ونفسٌ طيبِّةٌ اجْعَلُوها في عليِّين، ثمَّ تعرضُ عليه أرواحُ ذرِّيَّتهِ الفجَّار فيقول: روحٌ خبيثةٌ ونفسٌ خبيثةٌ اجعَلُوها في سجِّين))، وما في حديث أبي هريرة عند الطبراني: ((فإذا عن يمينه بابٌ يخرجُ منهُ ريحٌ طيِّبةٌ، وعن شمَالهِ بابٌ يخرجُ منه ريحٌ خبيثَةٌ إذا نظَر عن يمينهِ استبشَر، وإذا نظَر عن شمالِهِ حَزِنَ)): فهذا لو صحَّ لكان المصير إليه أولى من جميع ما تقدم، ولكن سنده ضعيف هكذا قيل، وفيه أنه يأبى عن ذكر الأسودة عن يمينه وعن شماله، فتأمل.
          (فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، حَتَّى عَرَجَ بِي) جبريل ◙، وفي رواية: <به> (إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ، فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ، فَفَتَحَ قَالَ) وفي رواية: <فقال> (أَنَسٌ) ☺.
          (فَذَكَرَ) أي: أبو ذر ☺ (أَنَّهُ) أي: النبي صلعم (وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ آدَمَ، وَإِدْرِيسَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَإِبْرَاهِيمَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُثْبِتْ) من الإثبات (كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ) أي: لم يعين أبو ذر ☺ لكل / نبي سماء معيناً (غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ: أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ) وفي ((الصحيحين)) من حديث أنس عن مالك بن صعصعة: [خ¦3207] [خ¦3887] ((أنَّه وجدَ في السماءِ الدنيا آدَم ◙ _كما سلف في حديث أبي ذر ☺_ وفي الثانية يحيى وعيسى ♂، وفي الثالثة يوسف ◙، وفي الرابعة إدريس ◙، وفي الخامسة هارون ◙، وفي السادسة موسى ◙، وفي السابعة إبراهيم ◙)) وهو مخالف لرواية أنس عن أبي ذر ☻ [خ¦349] أنَّه وجد إبراهيم في السادسة.
          وأجيب: بأنَّ الإسراء إن كان مرتين فيكون قد رأى إبراهيم ◙ في إحداهما في إحدى السمائين ويكون استقراره بها وهي وطنه، وفي الثانية في سماء غير وطنه، وإن كان مرةً فيكون أولاً رآه في السماء السادسة، ثم ارتقى معه إلى السماء السابعة، ويقال(2) : إنَّ المعراج إذا كان مرة فالأرجح رواية الجماعة؛ لقوله فيها: إنه رآه مسنداً ظهره إلى البيت المعمور وهو في السابعة بلا خلاف.
          وأما ما جاء عن عليٍّ ☺: أنَّه في السادسة عند شجرة طوبى، فإنْ ثبت حُمِلَ على أنَّ البيت الذي في السادسة بجانب شجرة طوبى غير البيت الذي في السابعة؛ لأنَّه جاء عنه أنَّ في كل سماء بيتاً يحاذي الكعبة، وكلُّ منها معمور بالملائكة، وكذا القول في ما جاء عن الربيع بن أنس، ومجاهد، وابن عباس أنَّه في السماء الدنيا فإنَّه محمول على أول بيت يحاذي الكعبة من بيوت السموات.
          ويمكن أن يدفع المنافاة بين هذه الأقوال أيضاً أنَّ الله رفعه ليلة المعراج إلى السماء السادسة عند سدرة المنتهى، ثم إلى السابعة تعظيماً للنبي صلعم حتى يراه في أماكن متعددة، ثم أعاده إلى السماء الدنيا، فليتأمل(3) .
          وفي ((تفسير النسفي)): أنَّ البيت المعمور حذاء العرش حبال الكعبة يقال له: الضُّراح، حرمته في السماء كحرمة الكعبة في الأرض يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة يطوفون به، ويصلون فيه ثم لا يعودون إليه أبداً، وخادمه ملك يقال له: رزين.
          وقيل: كان في الجنة فحمل إلى الأرض لأجل آدم ◙، ثم رفع إلى السماء أيام الطوفان، هذا؛ والضُّراح: بضم المعجمة وبالحاء المهملة، وقال الصغَّاني: / ويقال له الضريح أيضاً.
          (قَالَ أَنَسٌ) ☺، ظاهره أنَّ هذه القطعة لم يسمعها أنس من أبي ذر ☻ ، فلا يقال: إنَّ قوله السابق «لم يُثْبِتْ كيفَ منازلُهُم» يخالفه كلمة ثم التي للترتيب [خ¦3207] [خ¦3207] [خ¦3887].
          ويمكن أن يُقال أيضاً: لا يلزم منها تعيين منازلهم لبقاء الإبهام فيه؛ إذ بين إبراهيم وآدم ♂ ثلاثة من الأنبياء، وأربع سموات أو خمس على اختلاف الروايتين في أنَّ إبراهيم ◙ رآه في السادسة أو في السابعة.
          (فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ) أي: مصاحباً بالنبي الأكرم ( صلعم بِإِدْرِيسَ) ◙، فالباء الأولى للمصاحبة، والثانية للإلصاق أو بمعنى على، فلا يلزم تعلق حرفين من جنس واحد بمتعلق واحد، فافهم.
          (قَالَ) إدريس ◙: (مَرْحَباً بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ) لم يقل والابن كما قال آدم ◙؛ لأنَّه لم يكن من آبائه صلعم (فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا) يا جبريل؟ (قَالَ) وفي رواية: <فقال>: (هَذَا إِدْرِيسُ) ◙، قال صلعم : (ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى ◙) ففي الكلام حذف تقديره ما ذكرنا، ويحتمل أن يكون قوله: «فلما مر جبريل» نقلاً بالمعنى، وقوله: «ثم مررت» نقلاً باللفظ بعينه.
          (فَقَالَ: مَرْحَباً بالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ) قال صلعم : (قُلْتُ) وفي رواية: <فقلت> (منْ هَذَا) يا جبريل؟ (قَالَ: هَذَا مُوسَى، ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى ◙ فَقَالَ: مَرْحَباً بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ والأخِ الصَّالِحِ، قُلْتُ) وفي رواية: <فقلت> (مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عِيسَى) وسقطت لفظة <هذا> عند أبي ذر، وليست «ثم» هنا على بابها في الترتيب إلا إذا قيل بتعدد المعراج؛ لأنَّ الروايات قد اتفقت على أنَّ المرور بعيسى ◙ كان قبل المرور بموسى ◙.
          (فَقَالَ: مَرْحَباً بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ صلعم ) فإن قيل: كيف رأى النبي صلعم الأنبياء ‰ في السموات ومقرُّهم في الأرض؟.
          فالجواب: أنَّ الله تعالى شكل صور أرواحهم على صور أجسادهم على ما ذكره ابن عقيل، وكذا ابن التين، وقال: إنما تعود الأرواح إلى الأجساد يوم البعث إلا عيسى ◙ فإنَّه حيٌّ لم يمت وهو ينزل إلى الأرض وهو بالاتفاق، وأما إدريس ◙ فقد اختلف فيه فقيل: إنه في الجنة، وقيل: في السماء السادسة، ثم اختلف الذين قالوا: إنه في السماء أنه حي أم ميت، وقيل: أربعة من الأنبياء أحياء: اثنان في الأرض: الخضر وإلياس، واثنان في السماء: إدريس وعيسى ‰، كذا ذكره المحشي الشيخ زاده في سورة مريم.
          وقال محمود العيني: إنَّ الأنبياء أحياءُ فقد رآهم النبي صلعم حقيقة، وقد مر موسى ◙ وهو قائم يصلي في قبره ورآه في السماء السادسة.
          فإن قيل: ما الحكمة في أنَّه صلعم عيَّن من الأنبياء آدم وإدريس وإبراهيم وموسى وعيسى ‰ في حديث هذا الكتاب، وفي غيره [خ¦3207] [خ¦3887] ذكر أيضاً يحيى ويوسف وهارون / ‰ وهم ثمانية؟.
          فالجواب: أنَّ آدم ◙ خرج من الجنة بعداوة إبليس _عليه اللعنة_ له وتَحيُّلِه، فكذلك نبيُّنا صلعم خرج من مكة بأذى قومه له ولمن أسلم معه، وأيضاً أنَّ الله تعالى أراد أن يعرض على نبيه صلعم نسم بنيه من أهل اليمين وأهل الشمال ليعلم بذلك أهل الجنة وأهل النار.
          وأيضاً أنَّ آدم أبو البشر، وأول الأنبياء المرسلين، وكنيته: أبو البشر أيضاً، وقيل: أبو محمد، وروى ابن عساكر من حديث علي ☺ مرفوعاً: ((أهلُ الجنَّةِ ليسَ لهم كُنَى إلَّا آدمُ ◙ فإنَّه يكنَّى أبا محمَّد))، ومن حديث كعب الأحبار: ((ليسَ لأحدٍ منْ أهلِ الجنَّةِ لحيةٌ إلاَّ آدم ◙، فإنَّ له لحيةً سوداءَ إلى سرَّته)) وذلك لأنَّه لم يكن له لحية في الدنيا، وإنما كانت اللحى بعد آدم ◙، ثم إنَّ اسم آدم سرياني، وقيل: مشتق، فقيل: أفعل من الأدمة، وقيل: من لفظ الأديم؛ لأنه خلق من أديم الأرض.
          وقال النضر بن شميل: سمي آدمَ لبياضه، وذكر محمد بن علي أن الآدم من الظباء الطويل القوائم.
          وفي حديث أبي هريرة ☺ مرفوعاً: «إنَّ اللهَ تعالى خلقَ آدمَ على صورتهِ طولُه ستونَ ذراعاً، فكلُّ من يدخل الجنَّة على صورته وطوله، وولد له أربعونَ ولداً في عشرين بطناً، وعمَّر ألف سنة، ولما أهبط من الجنة أهبط بسرنديبَ من الهند على جبلٍ يُقال له: نوذ، ولما حضرته الوفاة اشتهى قطفَ عنب، فانطلق بنوه ليطلبوه فلقيتهم الملائكة فقالوا: أين تريدون؟ قالوا: إن أبانا اشتهى (4) قطفاً قالوا: ارجعوا فقد كفيتموه فرجعوا فوجدوه قد قبض فغسلوه، وحنطوه، وكفنوه، وصلى عليه جبريلُ ◙ والملائكةُ خلفه وبنوه خلفهم ودفنوه وقالوا: هذه سنَّتكم في موتاكم، ودفن في غار يقال له: غار الكنز من أبي قبيس، فاستخرجه نوح ◙ في الطوفان، وأخذه وجعله في تابوت معه في السفينة، فلما نضب الماء ردَّه نوحٌ ◙ إلى مكانه».
          وأمَّا إدريس ◙ فإنَّه كان أول من كتب بالقلم، وانتشر منه بعده في أهل الدنيا.
          وكذلك نبينا صلعم كتب إلى الآفاق، وسمِّي بذلك لدرسه الصحف الثلاثين التي أنزلت عليه، ثم قيل: إنَّ اسمه أخنوخ، ويقال: خنوخ، ويقال: أخنخ، ويقال: أهنخ بن برد بن مهليل بن قنين بن نايش بن شيث بن آدم ◙ / ، وقيل: اسم أمه برة.
          وخنوخ: سرياني تفسيره بالعربي إدريس، قال وهب: هو جد نوح ◙، وقيل: إنَّه إلياس وإنَّه ليس بجد نوح ولا هو في عمود هذا النسب، ونقله السهيلي عن ابن العربي، ويستشهد بحديث الإسراء على ذلك أيضاً حيث قال فيه: [خ¦3887] ((مرحباً بالأخ الصالح)) ولو كان في عمود النسب لقال له كما قال إبراهيم: والابن الصالح.
          وذكر بعضهم أنَّ إدريس كان نبياً في بني إسرائيل فإن كان كذلك فلا اشتباه.
          وقال النووي: يحتمل أنه قال ذلك تلطفاً وتأدباً وإن كان ابناً فإنما المؤمنون إخوة.
          وقال ابن المنيِّر: أكثر الطرق على أنَّه خاطبه بالأخ، قال: وقال لي ابن أبي الفضل صحت لي طريق أنَّه خاطبه فيها بالابن الصالح.
          وقال المازري: ذكر المؤرخون أنَّ إدريس ◙ جدُّ نوح ◙ فإن قام دليل على أنَّ إدريس أرسل لم يصح قول النسابين أنَّه جد نوح لإخبار نبينا صلعم في الحديث الصحيح: ((ائتوا نوحاً وإنَّه أول رسولٍ بعثهُ اللهُ إلى أهلِ الأرض))، وإن لم يقم دليل جازم صح أنَّ إدريس كان نبياً ولم يرسل.
          قال السُّهيلي: وحديث أبي ذر الطويل [خ¦349] يدل على أنَّ آدم وإدريس ♂ رسولان.
          وقال محمود العيني: حديث أبي ذر أخرجه ابن حبان في ((صحيحه)) وقال أيضاً: إنَّ إدريس ◙ رفع إلى السماء الرابعة، ورآه ◙ فيها ورفع وهو ابن ثلاثمائة وخمس وستين سنة، والله أعلم.
          وأما إبراهيم ◙: فإنَّ نبينا صلعم رآه مسنداً ظهره إلى البيت المعمور، فكذلك حال نبينا صلعم كان في حجة الوداع واختتام عمره بذلك فهو نظير لقائه إبراهيم ◙ في آخر السموات، ومعنى إبراهيم: أبٌ راحم، وكنيته: أبو الضيفان، قيل: إنَّه ولد بغوطة برزة في جبل قاسيون، والصحيح أنه ولد بكوثا من إقليم بابل من العراق، وكان بينه وبين نوح ◙ عدة قرون، وقيل: ولد على رأس ألفي سنة من خلق آدم ◙.
          وذكر الطبري: أنَّ إبراهيم ◙ إنَّما نطق بالعبرانية حين عبر النهر فاراً من النمروذ عليه اللعنة، وقال النمروذ للذين أرسلهم وراءه في طلبه: إذا وجدتم فتىً يتكلم بالسريانية فردوه، فلما أدركوه استنطقوه فحول الله لسانه عبرانياً وذلك حين عبر النهر فسُمَّيت العبرانية بذلك، والمراد من هذا النهر هو الفرات.
          وبلغ إبراهيمُ ◙ / مائتي سنة، وقيل: خمساً وعشرين أيضاً، ودفن بالبلدة المعروفة بالخليل.
          وأمَّا موسى ◙: فإن أمره آل إلى قهر الجبابرة وإخراجهم من أرضهم، فكذلك حال نبينا صلعم مثل ذلك حيث فتح مكة، وقهر المتجبرين المستهزئين من قريش، وهو ابن عمران بن قاهث بن يصهر بن لاوي ابن يعقوب ◙.
          وأمَّا عيسى ◙: فإنَّ اليهود _خذلهم الله_ راموا قتله فرفعه الله إليه، فكذلك حال نبينا صلعم ؛ فإنَّ اليهود أرادوا قتله حين سمُّوا له الشاهَّ فنجاه الله تعالى من ذلك، واسم عيسى عبراني، وقيل: سرياني.
          وأمَّا يحيى ◙: فإنَّ نبينا صلعم رآه مع عيسى ♂، وإنَّه رأى من اليهود ما لا يوصف حتى ذبحوه، فكذلك نبيُّنا صلعم رأى من قريش ما لا يوصف ولكن الله تعالى نجاه منهم.
          وأمَّا يوسف ◙: فإنَّه عفا عن إخوته حيث قال: لا تثريب عليكم اليوم، فكذلك نبيُّنا صلعم عفى عن قريش يوم فتح مكة.
          وأمَّا هارون ◙: فإنَّه كان محبباً إلى بني إسرائيل حتى إنَّ قومه كانوا يؤثرونه على موسى ◙، فكذلك كان نبيُّنا صلعم محبباً عند سائر الخلق.
          (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ) محمد بن مسلم الزُّهري (فَأَخْبَرَنِي) بالإفراد (ابْنُ حَزْمٍ) بفتح المهملة وسكون الزاي؛ هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري البخاري المدني، قاضي المدنية وأميرها زمن الوليد، وقد توفي سنة عشرين ومئة على أربع وثمانين سنة.
          وقد تقدم في باب كيف يقبض العلم [خ¦3/34-179]، وأبوه محمد ولد في عهد رسول الله صلعم ، وأمر النبُّي صلعم أباه أن يكنيه بأبي عبد الملك، وكان فقيهاً فاضلاً قتل يوم الحرة وهو ابن ثلاث وخمسين سنة وهو تابعي.
          وذكره ابن الأثير في ((الصحابة))، ولم يسمع الزهري منه لتقدم موته.
          (أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ) بفتح المهملة وتشديد الموحدة وهو المشهور، وقال القابسي: بالمثناة التحتية وغلط في ذلك، وقال الواقدي: بالنون (الأَنْصَارِيَّ) واختلف في اسمه فقال أبو زرعة: عامر، وقيل: عمرو، وقيل: ثابت، وقال الواقدي: مالك وهو أنصاري بدري استشهد يوم أحد.
          قالوا: في هذا الإسناد وهم؛ لأنَّ المراد بابن حزم إمَّا أبو بكر فهو لم يدرك أبا حبة؛ لأنَّه استشهد قبل مولد أبي بكر بدهر، بل قبل مولد أبيه محمدٍ أيضاً، وإما محمد فلم يدركه الزهري أيضاً.
          وأجيب: / بأنَّ ابن حزم روى مرسلاً حيث نقل بكلمة «أنَّ» عنهما، ولم يقل نحو سمعت أو أخبرني، فلا وهم فيه، وهكذا أيضاً في ((صحيح مسلم))، ولكن صحَّحه الحاكم وصرَّح بسماعه منه، فعلى هذا يكون هو غير الذي استشهد بأحد، والله أعلم.
          (كَانَا يَقُولاَنِ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : ثُمَّ عُرِجَ بِي) روي على البناء للفاعل وعلى البناء للمفعول (حَتَّى ظَهَرْتُ) أي: علوتُ وارتفعتُ، ومنه قوله: والشمس في حجرتها لم تظهر، (لِمُسْتَوًى) بفتح الواو؛ أي: موضع مشرف يستوي عليه.
          قال الخطابيُّ: والمراد به المصعد، وقال النضر بن شميل: أتيت أبا ربيعة الأعرابي وهو على السطح فقال استو؛ أي: اصعد، وقيل: هو المكان المستوي، وقيل: اللام فيه للعلة؛ أي: علوت لاستعلاء مستوى؛ أي: لرؤيته، أو لمطالعته، أو بمعنى إلى، قال تعالى {أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة:5] ؛ أي: إليها، والمعنى أنِّي أقمت مقاماً بلغت فيه من رفعة المحل إلى حيث اطلعت على الكوائن، وظهر لي ما يراد من أمر الله وتدبيره في خلقه، وهذا هو المنتهى الذي لا يقدر أحد عليه، والمعنيان؛ أي: الانتهاء والاختصاص كلُّ واحد ملائم للغرض، وفي بعض الأصول: <بمستوىً> بالموحدة بدل اللام.
          (أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ) بفتح المهملة وهو تصويتها حال الكتابة.
          وقال الخطابيُّ: هو صوت ما يكتبه الملائكة من أقضية الله سبحانه وتعالى ووحْيِه، وما ينسخونه من اللَّوح المحفوظ، أو ما شاء الله من ذلك أن يكتب ويرفع لما أراده من أمره وتدبيره في خلقه سبحانه وتعالى لا يعلم الغيب (إلاَّ) هو، الغني عن الاستذكار بتدوين الكتب، والاستثبات بالمصحف، أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً.
          (قَالَ ابْنُ حَزْمٍ) أي: عن شيخه (وَ) قال (أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ) أي: عن أبي ذر.
          وقال الكرمانيُّ: الظاهر أنَّه من جملة مقول ابن شهاب، ويحتمل أن يكون تعليقاً من البخاري، وليس بين أنس وبين رسول الله صلعم ذِكْرُ أبي ذرٍّ، ولا بين ابن حزم ورسول الله صلعم ذكُرُ ابن عباس وأبي حبة، فهو إمَّا من قبيل المرسل، وإمَّا أنَّه ترك الواسطة اعتماداً على ما تقدم آنفاً، مع أنَّ الظاهر من حال الصحابي أنَّه إذا قال: قال رسول الله صلعم أن يكون بدون الواسطة، فلعلَّ أنساً ☺ سمع هذا البعض من الحديث من رسول الله صلعم ، وسمع الباقي من أبي ذرٍّ ☺.
          (قَالَ النَّبِيُّ صلعم : فَفَرَضَ اللَّهُ) وزاد الأَصيليَّ قوله: <╡> (عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاَةً) وفي رواية ثابت عن أنس ☺ عند مسلم: «ففرض الله عليَّ خمسين صلاة / كل يوم وليلة»، ونحوه في رواية مالك بن صعصعة عند البخاري [خ¦3887] فيحتمل أن يقال: في كلٍ من رواية الباب والروايةِ الأخرى اختصار، أو يقال: ذكر الفرض عليه يستلزم الفرض على الأمة وبالعكس إلَّا ما يستثنى من خصائصه صلعم .
          (فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ بمُوسَى) ◙ (فَقَالَ: مَا فَرَضَ اللَّهُ لَكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ خَمْسِينَ صَلاَةً، قَالَ) موسى ◙:
          (فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ) أي: إلى الموضع الذي ناجيتَ ربك أولاً (فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ) وسقط لفظ <ذلك> في روايةٍ (فَرَاجَعْت) وفي روايةٍ: <فراجعني> والمعنى واحد (فَوَضَعَ) ربي (شَطْرَهَا) وفي رواية مالك بن صعصعة: «فوضع عني عشراً»، [خ¦3887] ومثله لشريك [خ¦7517]، وفي رواية ثابت: «فحطَّ عنِّي خمساً» وزاد فيها أنَّ التخفيف كان خمساً خمساً.
          وقال الكرماني: الشطر هو النصف، ففي المراجعة الأولى وضع خمساً وعشرين، وفي الثانية ثلاث عشرة يعني بتكميل الكسر؛ إذ لا معنى لوضع بعض صلاة، وفي الثالثة سبعة وقد يقال: المراد به البعض وهو ظاهر. انتهى.
          وقال محمود العيني: قوله الأول مخالف لظاهر عبارة حديث الباب؛ لأنَّ المراجعة المذكورة فيه ثلاث مرات، ولم يحصل الوضع إلا في المرتين الأوليين، وفي المرة الثالثة قال: هنَّ خمس وهنَّ خمسون فلم يحصل الوضع هاهنا إلاَّ أن يقال: حذف ذلك اختصاراً فيتجه، لكن الجمع بين الروايات يأبى هذا الحمل، ويلزم من كلامه أن تكون المراجعة أربع مرات في الأولى الشطر، وفي الثانية ثلاث عشرة، وفي الثالثة سبعة، وفي الرابعة قال: هنَّ خمس وليس الأمر كذلك.
          وقال ابن المنيِّر: ذكر الشطر أعمُّ من كونه وضع دفعة واحدة.
          وقال الحافظ العسقلاني: وكذا العشر، فكأنَّه وضع العشر في دفعتين والشطر في خمس دفعات.
          وقال محمود العيني: على هذا يكون سبع دفعات: في المراجعة الأولى دفعتان؛ وهما عشرون كل دفعة عشرة، وفي الثانية خمس دفعات كل دفعة خمس، ويحتمل أن تكون كل دفعة في مراجعة فيصير سبع مراجعات، ولكن ظواهر الروايات لا تساعد شيئاً من ذلك إلَّا بالتأويل وهو أن يكون المراد من الشطر البعض، وقد حققت رواية ثابت أنَّ التخفيف كان خمساً خمساً وهي زيادة معتمدة فيتعيَّن حمل باقي الروايات عليها.
          (فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، قُلْتُ) وفي رواية: <فقلت>: / (وَضَعَ شَطْرَهَا، فَقَالَ) وفي رواية: <قال>: (رَاجِعْ رَبَّكَ) وفي رواية: <ارجع إلى ربك> (فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ) ذلك (فَرَاجَعْتُ) ربي، وفي رواية: <فرجعت> (فَوَضَعَ عني شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ) أي: إلى موسى.
          (فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُهُ) تعالى (فَقَالَ) ╡: (هُنَّ) الضمير مبهم يفسره الخبر كقوله:
هي النفس ما حمَّلتها تتحمل
          (خَمْسٌ) عدداً بحسب الفعل والعمل (وَهُنَّ خَمْسُونَ) اعتداداً بحسب الثواب؛ لأنَّ لكل حسنة عشر أمثالها كما ورد بذلك النص، وفي رواية: <هي خمس وهي خمسون> فكان الفرض في الأول خمسين، ثم إنَّ الله عز شأنه رحم عباده وجعله خمساً تخفيفاً لنا ورحمة علينا، ثم هل هذا نسخ أو لا؟ يأتي الكلام فيه في بيان الفوائد إن شاء الله تعالى.
          فإن قيل: إذا كان الفرض أولاً هو الخمسين كيف جاز وقوع هذا التردد والمراجعة بين النبي صلعم وبين موسى كليم الله ◙؟.
          فالجواب: أنَّهما كانا يعرفان أن الأول غير واجب حتماً؛ إذ لو كان واجباً حتماً مقضياً لما كان يقبل التخفيف ولما كان النَّبيَّان العظيمان يفعلان ذلك.
          فإن قيل: ما وجه نقص الصلوات عشراً عشراً ثم خمساً خمساً؟.
          أجيب: بأنَّه ليس كل الخلق يحضر قلبه في الصلاة من أولها إلى آخرها، وقد جاء أنَّه يكتب له ما حضر قلبه منها، وأنَّ أحداً يصلي فيكتب له نصفها ربعها إلى أن انتهى إلى عشرها فهي خمس في حق من يُكتَب له عشرها، وعشر أو أكثر في حق من يُكتَب له أكثر من ذلك، وخمسون في حق من كملت صلاتُه بما يلزمه من تمام خشوعها وكمال ركوعها وسجودها، والله أعلم.
          (لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ) بإثابة الخمس بخمسين (لَدَيَّ) أو معناه لا يبدل القضاء المبرم لا القضاء المعلق الذي يمحو الله ما يشاء منه ويثبت، لا أنَّ معناه لا يبدل القول مطلقاً لديه كيف وقد بدل الخمسون بخمس، وأمَّا أنَّ معناه لا يجوز أن ينقص عن الخمس، ولا يبدل الخمس إلى أقل من ذلك، ولا يبدل القول بعد ذلك، فلا يناسب لفظ «استحييت من ربي» كما لا يخفى.
          (فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ) وفي رواية: <ارجع إلى ربك> (فَقُلْتُ) وفي رواية: <قلت> (اسْتَحْيَيْتُ) وفي رواية الأَصيلي: <قد استحييت> (مِنْ رَبِّي) وجه استحيائه من ربه على ما قاله ابن المنيِّر هو: أنه لو سأل التخفيف بعد أن صارت خمساً لكان كأنَّه قد سأل رفع الخمس بعينها؛ إذ وقع التخفيف خمساً خمساً فتفرَّس هذا من ذلك صلعم فاستحيى عن أن يراجع بعد ذلك ولا سيما قد سمع من ربه: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق:29] بعد قوله: هن خمس وهن خمسون.
          وقال الحافظ العسقلاني: ويحتمل أن يكون سبب الاستحياء أنَّ العشرة آخر جمع القلة، وأول جمع الكثرة، فخشي أن يدخل في الإلحاح في السؤال.
          وفيه: أنَّه لا يكون جواباً بالنسبة إلى رواية / هذا الباب، نعم يكون جواباً بالنسبة إلى رواية مالك بن صعصعة [خ¦3887]، ورواية شريك [خ¦7517] «فوضع عني عشراً»، ومع ذلك الإلحاح في الطلب من الله مطلوب، وكأنه خشي من عدم القيام بالشكر، والله أعلم.
          وأبدى بعض الشيوخ حكمةً لاختيار موسى تكرير ترداد النبي صلعم فقال: لما كان موسى قد سأل الرؤية فمُنِع وعرف أنَّها حصلت للنبي صلعم قصد بتكرير رجوعه تكرير رؤيته ليرى من رأى كما قيل:
لعلِّي أراهم أو أرى من رآهم
          لكن يحتاج ذلك إلى ثبوت تجدد الرؤية في كل مرة.
          فإن قيل: فما وجه اعتناء موسى ◙ بهذه الأمة من بين سائر الأنبياء الذين رآهم النبي صلعم ليلة الإسراء؟.
          أجيب: بأنَّه لما قال: يا رب اجعلني من أمة محمد صلعم لِمَا رأى من كرامتهم على ربهم فكان اعتناؤه بأمرهم وإشفاقه عليهم كما يعتني بالقوم من هو منهم.
          وقال الداودي: إنَّما كان ذلك من موسى ╕؛ لأنَّه أول من مرَّ عليه حين فرضت الصلاة فجعل الله في قلبه ما يتم به ما سبق في علمه ╡.
          (ثُمَّ انْطَلَقَ بِي) على صيغة البناء للفاعل، وفي بعض النسخ سقط لفظ <بي> واختصر على قوله: <ثم انطلق> (حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى) وفي رواية: <إلى السدرة المنتهى>.
          السدر: شجرة النَّبْق، واحدته سدرة، وجمعها سِدَرٌ وسدور والأخير نادر.
          وفي كتاب النووي: يجمع السدرة على سدْرات بإسكان الدال، ويقال: بفتحها، ويقال: بكسرها مع كسر السين فيها.
          وعن أبي زياد: السدر من العضاه وهو نوعان: غبري وضال؛ فأمَّا الغبري: فما لا شوك فيه إلا ما لا يضير.
          وأمَّا الضال: فهو ذو شوك. وللسدر ورقة عريضة مدوَّرة وربَّما كانت السِّدرة محلاً له، وورق الضَّال صغار، وأوَّل نبق يعلم بأرض الهرب نبق بهجر في بقعة واحدة تحمى للسلطان وهي أشد نبق يعلم حلاوة، وأطيبه رائحة يفوح فم آكله كما يفوح العطر.
          وفي ((نوادر الهجري)): السدر يطبع ويصبغ به.
          وقوله: المنتهى؛ يعني به المنتهى فوق السماء السابعة، وقال الخليل: هي السابعة قد أظلت السموات والجنة، وفي رواية: «هي في السماء السادسة» والأولى أكثر، ويحمل على تقدير الصحة أن يكون أصلها في السادسة ومعظمها في السابعة فوق الكل.
          وزعم القاضي عياض: أنَّ أصلها في الأرض لخروج النيل والفرات من أصلها. انتهى.
          وليس هذا بلازم، بل معناه أنَّ الأنهار تخرج من أصلها، ثم تسير حيث أراد / الله تعالى حتى تخرج من الأرض وتسير فيها، وورد أنَّ في أصلها يخرج أربعة أنهار: نهران باطنان؛ وهما السلسبيل والكوثر، ونهران ظاهران؛ وهما النيل والفرات.
          وعن ابن عباس ☻ : هي عن يمين العرش.
          وقال ابن قرقول: إنَّها أسفل العرش لا يجاوزها ملك ولا نبي، وفي الأثر: إليها ينتهي ما يعرج من الأرض، وما ينزل من السماء فيفيض منها، كذا حكي عن ابن مسعود ☺.
          وقيل: ينتهي إليها علم كل مَلَكٍ مقرَّب، ونبيٍّ مرسل لم يتجاوزها أحد إلا رسول الله صلعم ، ولهذا قيل: إن لنبينا صلعم مقامين يغبطهما الخلائق كلهم:
          أحدهما: في الدنيا ليلة المعراج، وثانيهما: في العقبى وهو المقام المحمود.
          وقال كعب: وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله، وقيل: تنتهي إليها أرواح الشهداء، وقيل: تنتهي إليها أرواح المؤمنين فيصلي عليهم هناك الملائكة المقربون، قاله ابن سلام في ((تفسيره)).
          (وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ) هو كقوله تعالى: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم:16] في أنَّ الإبهام للتفخيم؛ أي: لا يكتنهها نعت ولا يحصيها عدٌّ، وقيل: المراد الجم الغفير من الملائكة يعبدون الله عندها، وقيل: هي فراش من ذهب، وقيل: لعلَّ المراد به: مراجعة الأنوار التي تنبعث منها وتتساقط على موقعها كالفراش، وجعلها من الذهب لصفائها وإضاءتها في نفسها.
          (ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ) قيل: هذا يدل على أنَّ السدرة ليست في الجنة، وقال ابن دحية: «ثم» في هذا الحديث ليست للترتيب كما في قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا} [البلد:17] بل إنَّما هي مثل الواو للجمع والاشتراك.
          (فَإِذَا) كلمة إذا هذه وما بعدها للمفاجأة (فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ) كذا وقع لجميع رواة البخاري في هذا الموضع _بالحاء المهملة ثم الموحدة وبعد الألف ياء آخر الحروف ثم لام_، وذكر جماعة من الأئمة أنَّه تصحيف، وإنما هو جنابذ _بالجيم والنون وبعد الألف باء موحدة ثم ذال معجمة_ كما وقع عند المؤلف في أحاديث الأنبياء ‰ [خ¦3342] من رواية ابن المبارك وغيره عن يونس، وكذا عند غيره من الأئمة.
          وقال الحافظ العسقلاني: ووجدت في نسخة معتمدة من رواية أبي ذر في هذا الموضع جنابذ على الصواب، وأظنه من إصلاح بعض الرواة.
          وقال ابن حزم في أجوبته على مواضع من البخاري: فتشت على هاتين اللفظتين فلم أجدهما ولا واحدة منهما، ولا وقفت على معناهما. انتهى.
          وقال ابن الأثير: إن صحَّت رواية حبائل فيكون أراد به مواضع مرتفعة كحبائل الرمل كأنه جمع حبالة جمع حبل على غير قياس.
          وقال ابن قرقول: ومن ذهب إلى صحة الرواية قال: إن الحبائل هي / القلائد والعقود، أو يكون من حبال الرمل، جمع: حبل، وهو ما استطال من الرَّمل، أو من الحُبلة وهو ضرب من الحلي معروف.
          وقال صاحب ((التلويح)): وهذا كله تخيُّل ضعيف؛ فإنَّ الحبائل لا تكون إلا جمع حبالة أو حبيلة بوزن عظيمة.
          وأمَّا الجنابذ: فهو جمع: جُنْبُذ _بضم الجيم وسكون النون وبالموحدة المضمومة وبالذال المعجمة_ وهو ما ارتفع من البناء واستدار كالقبَّة، والعامة تقول: بفتح الموحدة.
          والأظهر أنَّه فارسي معرَّب كُنْبَذ _بضم الكاف الصماء وسكون النون وفتح الموحدة_ وهي القبة، ويؤيد ذلك ما رواه المؤلف في التفسير [خ¦4964] من طريق شيبان عن قتادة عن أنس قال: لما عرج بالنبي صلعم قال: ((أتيتُ على نهرٍ حافتاه قبابُ اللؤلؤ)).
          (وَإِذَا تُرَابُهَا) أي: تراب الجنة (الْمِسْكُ) أي: رائحته.
          وفي الحديث من الفوائد غير ما ذكر في الأثناء: خصوصيته صلعم بأمور لم يعطها غيره، وأنَّ الذي كان ينزل إلى النبي صلعم ويأمره من عند الله هو جبريل ◙، وأنَّ للسماء أبواباً حقيقة، وحفظة، موكَّلين بها، وأنَّ رسول الله صلعم من نسل إبراهيم ◙ حيث قال: والابن الصالح، بخلاف غيره من الأنبياء ‰ المذكورين فيه فإنَّهم قالوا: الأخ الصالح، وأنَّه يجوز مدح الإنسان في وجهه إذا أُمِن عليه الإعجاب وغيرُه من أسباب الفتن، وشفقة الوالد على الولد، وسروره بحسن حاله.
          ومن جملة تلك الفوائد ما قالت الشافعية: إنَّ فيه عدم وجوب صلاة الوتر حيث عيَّن الخمس، ونحن أيضاً نقول: لم يجب الوتر في ذلك، وإنما كان وجوبه بعد ذلك بقوله صلعم : ((إنَّ الله زادكم صلاةً فاقبلوها)) الحديثَ، فلذلك انحطَّت درجته عن الفرض؛ لأنَّ ثبوت الفرض بدليل قطعي، ومنها: أنَّ الجنة والنار مخلوقتان، وقال ابن بطال: وفيه دليل على أنَّ الجنة في السماء.
          ومنها: جواز النسخ قبل العمل كما هو مذهب الأشاعرة خلافاً للمعتزلة، ألا ترى أنَّه ╡ نسخ الخمسين بالخمس قبل أن تُصَلَّى، ثم تفضَّل عليهم بأنَّه أكمل لهم الثواب، كذا قال ابن بطال وغيره.
          وتعقَّبه ابن المنيِّر: بأن هذا ذكره طوائف من الأصوليِّين والشُّرَّاح، ولكنه مشكل على من أثبت النسخ قبل الفعل كالأشاعرة، وعلى من منعه كالمعتزلة فإنهم متَّفقون على أنَّ النسخ لا يتصوَّر قبل البلاغ، وحديث الإسراء / وقع فيه النسخ قبل البلاغ فهو مشكل عليهم جميعاً، قال: فهذه نكتة منكرة. انتهى.
          وقال الحافظ العسقلاني: إن أراد قبل البلاغ لكل أحد فممنوع، وإن أراد قبل البلاغ إلى الأمة فمسلَّم، لكن قد يقال: ليس هو بالنسبة إليهم نسخاً، بل بالنسبة إلى النبي صلعم ؛ لأنه مكلف بذلك قطعاً، ثم نسخ بعد أن بلغه وقبل أن يفعل، فالمسألة صحيحة التصوير في حقه صلعم . انتهى.
          ويمكن أن يقال أيضاً: إنه نسخ ما وجب على النبي صلعم من تبليغها، ورَفَع استمرار العزم واعتقادَ الوجوب، وهذا نسخ على الحقيقة، نَسَخَ عنه ما وجب عليه من التبليغ فقد كان صلعم في كل مرة عازماً على تبليغ ما أُمِرَ به، ومراجعتُه وشفاعتُه لا تنفي النسخ، فإنَّ النسخ قد يكون عن سبب معلوم فشفاعته صلعم كانت سبباً للنسخ.
          فالحاصل: أنَّ النَّسخ على هذا أيضاً بالنسبة إلى النبي صلعم لا بالنسبة إلى الأمَّة.
          نعم لقائل أن يقول: يجوز أن يكون هذا خبراً لا تعبُّداً، والخبر لا يدخله النسخ، ومعناه: أنَّه صلعم أخبره ربُّه تعالى أن على أمته خمسين صلاة في اللوح المحفوظ فتأوَّلها صلعم على أنَّها خمسون بالفعل فبيَّنها له ربُّه ╡ عند مراجعته أنَّها في الثواب لا في العمل، فتأمَّل.
          ومنها: وجوب الصلوات الخمس والباب معقود لهذا، قال ابن بطال: أجمعوا على أنَّ فرض الصلاة كانت ليلة الإسراء.
          وقال ابن إسحاق: ثمَّ إنَّ جبريل ◙ أتى فهَمز بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت عين ماء فتوضأ جبريل ومحمد صلعم ينظر، فرجع رسول الله صلعم فأخذ بيد خديجة ♦، ثم أتى بها العين فتوضَّأ كما توضأ جبريل ثمَّ صلى هو وخديجة ركعتين كما صلى جبريل ركعتين.
          وقال نافع بن جبير: أصبح النبي صلعم ليلة الإسراء فنزل جبريل حين زاغت الشمس فصلَّى به، وقال جماعة: لم تكن صلاة مفروضة قبلها إلا ما كان أُمِر به من قيام الليل من غير تحديد ركعات، ووقتٍ محصور، وكان يقوم أدنى من ثلثيه ونصفه وثلثه.
          ومنها: أنَّ أرواح المؤمنين يُصْعَد بها إلى السماء، ومنها: أنَّ أعمال بني آدم الصَّالحة تسرُّ آدم ◙، وأعمالهم السيئة تسوءه، ومنها: أنَّه ينبغي أن يرحَّب بكل أحد من الناس بأكرم المنازل، وأقرب القرابات، / ولهذا قال آدم وإبراهيم ♂: مرحباً بالابن الصالح، وغيرهما مرحباً بالأخ الصالح، وكذلك ينبغي أن يصفَ المرءَ بأحسن صفاته وأعمِّها، ألا ترى أنهم كلهم قالوا له: الصالح؛ لشمول الصلاح على الخلال المحمودة كلِّها.
          ومنها: أن أوامر الله تعالى تكتب بأقلام شتَّى، وأنَّ العلم ينبغي أن يكتب بأقلام كثيرة، تلك سُنَّةُ الله في سمواته فكيف في أرضه؟.
          ومنها: أنَّ ما قضاه الله وأحكمه من آثار معلومة، وآجال مكتوبة وشبه ذلك مما لا يبدَّل لديه، وأمَّا ما نسخه رِفْقاً بعباده فهو الذي قال فيه: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد:39].
          ومنها: جواز الشفاعة والمراجعة في الشفاعة مرة بعد أخرى، ومنها: الاستحياء عن التكثير في الحوائج خشية الضعف عن القيام بشكرها.
          تتمة: قيل: الحكمة في الإسراء حصول المناجاة مع الله تعالى للنبي صلعم ، وكان عن غير مواعدة؛ لأنَّه أوقع وأعظم، وكان التكليم لموسى ◙ عن مواعدة وموافاة فأين ذاك من هذا؟! وشتان ما بين المقامين وبين من كلم على الطور وبين من دعي إلى أعالي البيت المعمور، وبين من سخِّرت له الريح مسيرة شهر، وبين من ارتقى من الفرش إلى العرش في ساعة زمانية.
          وأما الحكمة في كونه ليلاً فوجوه:
          الأول: أنَّه وقت الخلوة والاختصاص، ومجالسة الملوك ليلا أشرف من مجالستهم نهارا وهو وقت مناجاة الأحبة.
          الثاني: أنَّ الله تعالى أكرم جماعة من أنبيائه بأنواع الكرامات ليلاً، قال الله تعالى في قصة إبراهيم ◙: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً} [الأنعام:76] وفي قصة لوط ◙: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} [هود:81]، وفي قصة يعقوب ◙ قال: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} [يوسف:98]، وكان آخر دعائه وقت السحر من ليلة الجمعة وقرَّب موسى نجياً ليلاً وذلك قوله تعالى: {قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَاراً} [طه:10] وقال: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة}، وقال له لما أمره بخروجه من مصر ببني إسرائيل: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} [الدخان:23].
          وأكرم نبينا صلعم بأمور:
          منها: انشقاق القمر، وإيمان الجنِّ به، وقد رأى الصحابة آثار نيرانهم كما ثبت في ((صحيح مسلم)) وخرج إلى الغار ليلاً.
          الثالث: أنَّ الله تعالى قدَّم ذكر الليل على النهار في غير ما آية فقال: / {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ} [الإسراء:12] وقال: {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [يس:40] وليلة النحر تُغني عن الوقوف نهاراً.
          الرابع: أنَّ الليل أصل؛ ولهذا كان أول الشهور وسواده يجمع ضوء البصر، ويحدُّ كليل النظر، ويستلذ فيه السير، ويجتلى فيه وجه القمر.
          الخامس: أنَّه لا ليل إلا ومعه نهار، وقد يكون نهار بلا ليل وهو يوم القيامة الذي مقداره كان خمسين ألف سنة.
          السادس: أنَّ الليل مظنة استجابة الدعاء والغفران والعطاء.
          فإن قيل: ورد في الحديث: ((خيرُ يوم طلعتْ عليه الشمسُ يومُ عرفة أو يومُ الجمعة)).
          فالجواب: أنَّ ذلك بالنسبة إلى الأيام، وليلة القدر خير من ألف شهر، وقد دخل في هذه الليلة أربعة آلاف جمعة (5) بالحساب الجملي فتأمل هذا الفصل الخفي.
          السابع: أنَّ أكثر أسفاره صلعم كان ليلاً، وقد قال صلعم : ((عليكم بالدُّلجة فإنَّ الأرض تطوى بالليل)).
          الثامن: أن ينفي عنه ما ادَّعته النصارى في عيسى ◙ لما رفع نهاراً من النبوة تعالى الله عن ذلك.
          التاسع: أنَّ الليل وقت الاجتهاد للعبادة، وكان ◙ قام حتَّى تورَّمت قدماه، وكان قيام الليل في حقِّه واجباً، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً} [المزمل:1-2] فلما كانت عبادته ليلاً أكثر أُكرم بالإسراء فيه.
          العاشر: أن يكون أجر المصدق به أكثر لدخوله في من آمن بالغيب دون من عاينه نهاراً.
          وأمَّا الحكمة في أنَّه عرج به على دابة يقال له: البراق كما ثبت ذلك بالتواتر، وكان الله قادراً على رفعه طرفة عين بلا براق: فهو التأنُّس بالمعتاد والقلب إلى ذلك أميل.
          وفيه كرامة الراكب، ولذلك لم ينزل عنه على ما جاء في حديث حذيفة: ((ما زال على ظهر البراق حتى رجع)) وسمِّي بُراقاً لسرعته تشبيهاً ببرق السَّحاب، وكانت بغلته صلعم بيضاء؛ أي: شهباء فكذلك كان البراق.
          وأمَّا كون البراق على شكل البغلة دون الخيل مع أنَّ الخيل أفضل وأحسن فلكون الركوب في السلم والأمن لا في الخوف والحرب، ولإسراعه عادةً، ولتحقيق ثباته وصبره؛ فلذلك كان صلعم يركب بغلته في الحرب في قصة حنين لتحقيق ثباته في مواطن الحرب.
          وأمَّا ركوب الملائكة الخيلَ؛ فلأنَّه المعهود في الحروب، وما لَطُفَ من البغال واستدار أحسن من الخيل في الوجوه التي ذكرت. / وأما استصحاب ذلك البراق بعينه؛ فلأنَّه كان يتهيأ لركوب النبي صلعم عليه، وقد قيل: إنَّه ركبه الأنبياء قبله أيضاً، وقيل: إنَّ جبريل ركب معه.
          وقد روي أنَّه قد تشمَّس البراق حين قدم النبي صلعم إليه للركوب، فقيل: إنَّه كان لبعد عهده بالأنبياء ‰، وطول الفترة بين عيسى ومحمد ╨، وقيل: قال جبريل ◙ للنبي صلعم حين تشمس به البراق: لعلك يا محمد مسست الصفراء اليوم _يعني الذهب_ فأخبر النبي صلعم أنه ما مسَّها إلا أنه مرَّ بها، فقال: تباً لمن يعبدك من دون الله، قال: فما تشمس إلا لذلك، ذكره السهيلي.
          وقال محمود العيني: وسمعت من بعض أساتذتي الكبار أنَّه إنما تشمَّس ليَعِدَ له النبيُّ صلعم بالركوب عليه أولاً يوم القيامة، فلما وَعَدَ له بذلك قرَّ.
          تذييل: فإن قيل: كيف يقبل الجسم الإنساني الصعود إلى السموات، وكيف يتصور ذلك؟.
          فالجواب: أنَّ الأرواح أربعة أقسام:
          الأول: الأرواح الكدرة بالصفات البشرية وهي أرواح العوام غلبت عليها القوى الحيوانية فلا تقبل العروج أصلاً.
          الثاني: الأرواح التي لها كمال القوة النظرية باكتساب العلوم، وهذه أرواح العلماء.
          الثالث: الأرواح التي لها كمال القوة المدبِّرة للبدن باكتساب الأخلاق الحميدة، وهذه أرواح المرتاضين إذ كَسَّروا قوى أبدانهم بالارتياض والمجاهدة.
          الرابع: الأرواح التي حصل لها كمال القوَّتين وهي أرواح الأنبياء والصدِّيقين، فلما ازدادت قوة أرواحهم ازدادت ارتفاع أبدانهم من الأرض، ولهذا لما كانت الأنبياء ‰ قويت أرواحهم عرج بهم إلى السماء، وأكملهم قوة نبينا صلعم فعرج به إلى قاب قوسين أو أدنى، والله أعلم.
          ثم رجال إسناد هذا الحديث ما بين بصري ومدني، وفيه رواية صحابي عن صحابي، وقد أخرج متنه المؤلف في الحج مختصراً [خ¦1636]، وفي بدء الخلق [خ¦3207]، وفي الأنبياء [خ¦3342]، وباب و{كَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [خ¦7517]، وأخرجه مسلم في «الإيمان»، والترمذي في «التفسير»، والنسائي في «الصلاة».


[1] ((من قوله: ويحتمل أن... إلى قوله: لاشتغاله)): ليس في (خ).
[2] في هامش الأصل: القائل هو الحافظ العسقلاني.
[3] في هامش الأصل: وجه التأمل هو أنه مع وجود هذه الأقوال كيف يدعي من ادعى أن البيت المعمور في السابعة بلا خلاف، فافهم. منه.
[4] ((من قوله: قطف عنب... إلى قوله: أبانا اشتهى)): ليس في (خ).
[5] في هامش الأصل: قوله: ((أربع آلاف جمعة)) يعني بإتمام الكسر، فإن الجمعات لا تبلغ ذلك المبلغ بل تنقص عنه بإحدى وستين جمعة، فافهم. منه.