حديث أبي سفيان: انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله

4553- حدثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، عن هِشَامٍ، عن مَعْمَرٍ _وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا (1) عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أخبَرَنا مَعْمَرٌ_ عن الزُّهْرِيِّ: أخبَرَني عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: حدَّثني ابْنُ عَبَّاسٍ، قالَ:
حدَّثني أَبُو سُفْيَانَ مِنْ فِيهِ إلى فِيَّ قالَ: انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ (2) صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالَ: فَبَيْنَا أَنَا بِالشَّامِ، إِذْ جِيءَ بِكِتَابٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى هِرَقْلَ، قالَ: وَكَانَ دِحْيَةُ(3) الْكَلْبِيُّ جَاءَ بِهِ، فَدَفَعَهُ إلى عَظِيمِ بُصْرَى، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إلى هِرَقْلَ، قالَ: فقالَ هِرَقْلُ: هَلْ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فقالُوا: نَعَمْ. قالَ: فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَدَخَلْنَا على هِرَقْلَ، فَأُجْلِسْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فقالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فقالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا. فَأَجْلَسُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي، ثُمَّ دَعَا بِترْجُمَانِهِ، فقالَ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عن هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ. قالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَايْمُ اللَّهِ، لَوْلَا أَنْ يُؤثِرُوا عَلَيَّ الْكَذِبَ (4) لَكَذَبْتُ. ثُمَّ قالَ لِترْجُمَانِهِ: سَلْهُ: كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قالَ: قُلْتُ: هو فِينَا ذُو حَسَبٍ. قالَ: فَهَلْ (5) كَانَ مِنْ (6) آبَائهِ مَلِكٌ؟ قالَ: قُلْتُ: لَا. قالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ ما قالَ؟ قُلْتُ: لَا. قالَ: أَيَتَّبِعُهُ أَشْرَافُ النَّاسِ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قالَ: قُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. قالَ: يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟ قالَ: قُلْتُ: لَا، بَلْ يَزِيدُونَ. قالَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عن دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ؟ قالَ: قُلْتُ: لَا. قالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قالَ: قُلْتُ: تَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالًا، يُصِيبُ مِنَّا وَنُصِيبُ مِنْهُ. قالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قالَ: قُلْتُ: لَا، وَنَحْنُ منه فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ لَا نَدْرِي ما هو صَانِعٌ فِيهَا. قالَ: وَاللَّهِ ما أَمْكَنَنِي مِنْ كَلِمَةٍ أُدْخِلُ فيها شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ. قالَ: فَهَلْ قالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لَا. ثُمَّ قالَ لِترْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ: إِنِّي
/
سَأَلْتُكَ عن حَسَبِهِ فِيكُمْ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو حَسَبٍ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي أَحْسَابِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَلِكٌ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ، قُلْتُ: رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ. وَسَأَلْتُكَ عن أَتْبَاعِهِ: أَضُعَفَاؤُهُمْ أَمْ أَشْرَافُهُمْ؟ فَقُلْتَ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ ما قالَ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ على النَّاسِ، ثُمَّ يَذْهَب فَيَكْذِب (7) على اللَّهِ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عن دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ إذا خَالَطَ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّكُمْ قَاتَلْتُمُوهُ، فَتَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سِجَالًا، يَنَالُ مِنْكُمْ وَتَنَالُونَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى، ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَغْدِرُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ لَا يَغْدِرُ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قالَ أَحَدٌ هَذَا الْقَوْلَ (8) قَبْلَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ قالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ، قُلْتُ: رَجُلٌ ائتَمَّ بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ، قالَ: ثُمَّ قالَ: بِمَ يَأمُرُكُمْ؟ قالَ: قُلْتُ يَأمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ. قالَ: إِنْ يَكُ مَا (9) تَقُولُ فِيهِ حَقًّا فَإِنَّهُ نَبِيٌّ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، وَلَمْ أَكُ (10) أَظُنُّهُ مِنْكُمْ، وَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عن قَدَمَيْهِ، وَلَيَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ ما تَحْتَ قَدَمَيَّ. قالَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهُ، فَإِذَا فِيهِ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إلى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلَامٌ على مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ، وَ: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ } إلى قَوْلِهِ: { اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } [آية: 64] ». فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ، ارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ عِنْدَهُ وَكَثُرَ اللَّغَطُ، وَأُمِرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا. قالَ: فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ خَرَجْنَا: لقد أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، أَنَّهُ (11) لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ! فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الإِسْلَامَ.
قالَ الزُّهْرِيُّ: فَدَعَا هِرَقْلُ عُظَمَاءَ الرُّومِ، فَجَمَعَهُمْ فِي دَارٍ لَهُ، فقالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلَاحِ وَالرَّشَدِ (12) آخِرَ الأَبَدِ، وَأَنْ يَثْبُتَ لَكُمْ مُلْكُكُمْ؟ قالَ: فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إلى الأَبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ (13)، فقالَ: عَلَيَّ بِهِمْ. فَدَعَا بِهِمْ فقالَ: إِنِّي إِنَّمَا اخْتَبَرْتُ شِدَّتَكُمْ على دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكُمُ الَّذِي أَحْبَبْتُ. فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ.
/


[1] في رواية أبي ذر: «أخبَرَنا».
[2] في رواية أبي ذر: «النَّبيِّ».
[3] ضبطت في (ص) بفتح الدال وكسرها، وأهمل ضبطها في (و).
[4] في رواية أبي ذر: «لَوْلَا أَنْ يُؤثَرَ عليَّ الكَذِبُ».
[5] في رواية أبي ذر: «هل».
[6] في رواية أبي ذر والحَمُّويي والمُستملي: «في».
[7] ضُبطت في اليونينية بفتح الباء وضمها في الفعلين، وكتب بالهامش: «بفتح الباء في الموضعين عند أبي ذر».
[8] في رواية أبي ذر: «هل قال هذا القول أحدٌ».
[9] في رواية أبي ذر: «إن يك كما».
[10] في رواية أبي ذر: «أكُنْ».
[11] ضُبطت في اليونينية بضبطين: المثبت، و«إِنَّهُ».
[12] في رواية أبي ذر: «والرُّشْدِ».
[13] في (ب، ص) بتخفيف اللام، وبهامشهما: في الفرع اللام مشددة.اهـ.