إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بلغنا مخرج النبي ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه

          4230- 4231- 4232- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ) أبو كُرَيْب الهَمْدانيُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ) حمَّاد بن أسامةَ قال: (حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ) بضم الموحدة وفتح الراء (عَنْ) جدِّه (أَبِي بُرْدَةَ) بضم الموحدة وسكون الراء، عامرٌ (عَنْ أَبِي مُوسَى) عبد الله بن قيسٍ الأشعريِّ ( ☺ ) أنَّه (قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صلعم ) بفتح الميم وسكون الخاء(1)، مصدر ميميٌّ بمعنى: خروجه، أو اسم زمان بمعنى: وقت خروجه، أي: بِعْثَته أو هجرته، وعلى الثاني: يحتمل أنَّه بلغتهم الدَّعوة فأسلموا، وتأخَّروا في بلادهم حتَّى وقعت الهدنة والأمان من خوف القتال(2)، والواو في قوله: (وَنَحْنُ بِاليَمَنِ) للحال (فَخَرَجْنَا) حال كوننا (مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ) ثبت: «إليه» في «اليونينية» وسقط في(3) الفَرْع (أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ؛ أَحَدُهُمَا: أَبُو بُرْدَةَ) عامرُ بنُ قيسٍ (وَالآخَرُ: أَبُو رُهْمٍ) بضم الراء وسكون الهاء، ابنُ قيسٍ الأشعريان (إِمَّا) بكسر الهمزة وتشديد الميم (قَالَ) أبو موسى: (بِضْعٌ) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، ما بين الثَّلاثة إلى التِّسع، أو ما بين الواحد إلى العشرةِ، ولأبي ذرٍّ ”بضعًا“ / بالنَّصب، وللأَصيليِّ ”في بضعٍ“ بزيادة الجارِّ، و«البضعُ» متعلِّقٌ بقوله: «فخرجنا» وموضعه نصبٌ على الحال‼ (وَإِمَّا قَالَ: فِي ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ أَوِ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي) الأشعريين، ولأبي ذرٍّ عن المُستملي ”من قومه“ «بالهاء» بدل: «التحتية»، (فَرَكِبْنَا سَفِينَةً، فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ) ملك الحبشةِ، و«السَّفينةُ» رفعٌ على الفاعليَّة (بِالحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ) بها (فَأَقَمْنَا مَعَهُ) ثَمَّ (حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا) وسمَّى ابنُ إسحاقَ مَن قدم مع جعفر، فسردَ أسماءهم وهم ستَّة عشر رجلًا؛ فمنهم: امرأته أسماءُ بنتُ عُمَيْسٍ وخالدُ بنُ سعيد بنِ العاص وامرأته وأخوه عَمرو بن سعيد ومُعَيْقِيب(4) بنُ أبي فاطمةَ (فَوَافَقْنَا(5) النَّبِيَّ صلعم حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ) زاد في «فرض الخُمُس» [خ¦3136] «فأسهمَ لنا ولم يُسهِمْ لأحدٍ غاب عن فتح خيبرَ منها شيئًا إلَّا لمن(6) شهدها معه، إلَّا أصحابَ سفينتِنَا مع جعفر وأصحابه، فإنَّه قسم لهم معهم». وعند البيهقيِّ: «أنَّه ╕ كلَّم المسلمين قبل أن يقسم لهم فأشركوهم» (وَكَانَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ) سمِّي منهم عمر (يَقُولُونَ لَنَا _يَعْنِي: لأَهْلِ السَّفِينَةِ_ سَبَقْنَاكُمْ بِالهِجْرَةِ، وَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ) مع زوجها جعفر (وَهْيَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا) من أصحابِ السَّفينة (عَلَى حَفْصَةَ) بنت عمر ☺ (زَوْجِ النَّبِيِّ صلعم ) حال كونها (زَائِرَةً، وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِيمَنْ هَاجَرَ، فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى) ابنته (حَفْصَةَ وَأَسْمَاءُ عِنْدَهَا، فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أَسْمَاءَ) لابنته حفصَة: (مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ: أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ. قَالَ(7) عُمَرُ: آلْحَبَشِيَّةُ هَذِهِ؟) بمدِّ همزة الاستفهام، وليس في «اليونينية» وفرعها مدٌّ على الهمزة، وقال: «الحبشيَّة» لسكناها فيهم (البَحْرِيَّةُ هَذِهِ؟) لركوبها البحر، ولأبي ذرٍّ ممَّا في «الفتح»: ”البُحيرية“ بالتَّصغير، أي: أهيَ الَّتي كانت في الحبشةِ؟ أهيَ الَّتي جاءت في البحر؟ (قَالَتْ أَسْمَاءُ: نَعَمْ. قَالَ) عمر لها: (سَبَقْنَاكُمْ بِالهِجْرَةِ) إلى المدينة (فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللهِ صلعم مِنْكُمْ، فَغَضِبَتْ) أسماء (وَقَالَتْ: كَلَّا وَاللهِ، كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ، وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا فِي دَارِ _أَوْ: فِي أَرْضِ_ البُعَدَاءِ) بضم الموحدة وفتح العين والدال المهملتين ممدودًا، و«دار» و«أرض»(8) بغيرِ تنوين لإضافتهما إلى «البُعَدَاء» (البُغَضَاءِ) بضم الموحدة وفتح الغين والضاد المعجمتين ممدودًا(9)، جمع: بَعِيد وبَغِيض (بِالحَبَشَةِ، وَذَلِكَ فِي اللهِ وَفِي رَسُولِهِ) ولأبي ذرٍّ: ”وفي رسولِ الله“ ( صلعم ) أي: لأجلِهما وطلبِ رضاهما (وَايْمُ اللهِ) بهمزة وصل في الفَرْع وأصله (لَا أَطْعَمُ طَعَامًا، وَلَا أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللهِ) ولأبي ذرٍّ ”للنَّبيِّ“ ( صلعم ، وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى وَنُخَافُ) بضم النون فيهما مبنيين للمفعول، والذال المعجمة (وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلعم وَأَسْأَلُهُ، وَاللهِ لَا أَكْذِبُ، وَلَا أَزِيغُ، وَلَا أَزِيدُ عَلَيْهِ).
          (فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ‼ صلعم قَالَتْ) له: (يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّ عُمَرَ قَالَ: كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فَمَا قُلْتِ لَهُ؟ قَالَتْ: قُلْتُ لَهُ: كَذَا وَكَذَا. قَالَ) ╕ : (لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ، وَلَهُ وَلأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ) تأكيدٌ لضمير الخفض (أَهْلَ السَّفِينَةِ) نصبٌ على الاختصاص، أو النِّداء بحذف أداته، ويجوزُ الخفضُ على البدل من الضمير (هِجْرَتَانِ) إلى النَّجاشي، وإليه ╕ . وعند ابن سعدٍ(10) بإسناد صحيح عن الشَّعْبِي قال(11): قالت أسماءُ: يا رسول الله، إنَّ رجالًا يفتخرون علينا ويزعمون أنَّنا(12) لسنا من المهاجرين الأوَّلين، فقال: «بل لكم هجرتانِ؛ هاجرتُم إلى أرض الحبشةِ، ثمَّ هاجرتُم بعد ذلك».
          (قَالَتْ) أسماءُ: (فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى) الأشعريَّ (وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي ”يأتونَنِي“ بنونين، وله عن الكُشمِيهنيِّ ”يأتونَ أسماءَ“ (أَرْسَالًا) بفتح الهمزة، أفواجًا، أي: ناسًا بعد ناسٍ (يَسْأَلُونِي) ولأبي ذرٍّ ”يسألونَنِي“ بنونين (عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، مَا مِنَ الدُّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلَا أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلعم ) وقوله: «قالتْ» أسماء، يحتملُ أن يكون من روايةِ أبي موسى عنها، فيكونُ من(13) رواية صحابيٍّ عن مثله، ويحتمل أن يكون من روايةِ أبي بردة عنها. ويؤيِّده قوله: (قَالَ أَبُو بُرْدَةَ) ليس / هو أخا أبي موسى: (قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَلَقَدْ) ولأبي ذرٍّ ”ولقد“ بالواو بدل الفاء (رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى) الأشعريَّ (وَإِنَّهُ لَيَسْتَعِيدُ هَذَا الحَدِيثَ مِنِّي).
          (قَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”وقال“ (أَبُو بُرْدَةَ) بالإسناد السَّابق: (عَنْ أَبِي مُوسَى: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : إِنِّي لأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الأَشْعَرِيِّينَ بِالقُرْآنِ) بتثليث راء «رُفقة» وضمها أشهر (حِينَ يَدْخُلُونَ) منازلَهُم (بِاللَّيْلِ) إذا خرجوا إلى المسجدِ أو لشغلٍ ما ثمَّ رجعوا. وقال الدِّمياطِيُّ: الصَّواب: حين يرحلون، «بالراء والحاء المهملة» بدل: «الدال والخاء المعجمة». وقال النَّوويُّ: الأولى صحيحة أو أصحُّ. وقال صاحب «المصابيح»: ولم(14) أعرف ما الموجبُ لطرح هذه الرِّواية مع استقامتها، هذا شيءٌ عجيبٌ (وَأعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ بِالقُرْآنِ بِاللَّيْلِ، وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِالنَّهَارِ، وَمِنْهُمْ حَكِيمٌ) صفةٌ لرجلٍ منهم، كما قاله أبو عليٍّ الصَّدَفِيُّ، أو عَلَمٌ على رجلٍ من الأشعريين، كما قاله أبو عليٍّ الجَيَّانِيُّ (إِذَا لَقِيَ الخَيْلَ _أَوْ قَالَ: العَدُوَّ_) بالشَّكِّ (قَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَصْحَابِي يَأْمُرُونَكُمْ أَنْ تَنْظُرُوهُمْ) بفتح الفوقية وضم الظاء المعجمة، ولأبي ذرٍّ ”أن(15) تُنظِروهم“ بضم التاء وكسر الظاء، أي: تنتظروهم، من الانتظارِ، أي: أنَّه لفرطِ شجاعته كان لا يفرُّ من العدوِّ بل يواجههم، ويقول لهم إذا أرادوا(16) الانصراف مثلًا(17): انتظروا الفرسان حتَّى يأتوكم؛ ليبعثَهُم على القتالِ، وهذا بالنِّسبة إلى قوله: «العدوَّ»، وأمَّا بالنسبة إلى «الخيلِ» فيحتملُ أن يريد بها خيل المسلمين‼، ويشيرُ بذلك إلى أنَّ أصحابه كانوا رجالةً، فكان يأمر الفرسان أن ينتظروهم ليسيروا إلى العدوِّ جميعًا. قاله في «الفتح».


[1] في (س) زيادة: «المعجمة».
[2] في (ص) و(م): «الكفار».
[3] في (ص): «من».
[4] «ومعيقيب»: ليست في (ص).
[5] في (د): «فوافينا».
[6] في (م): «من».
[7] في (د): «فقال».
[8] في (د): «أو أرض».
[9] في (د): «ممدود».
[10] في (د): «ابن إسحاق» بدل: «ابن سعد».
[11] «قال»: ليست في (د).
[12] في (ب) و(س): «أنَّا».
[13] في (د): «فيحتمل أن يكون».
[14] في (د): «لم».
[15] «أن»: ليست في (م).
[16] في (د): «أراد».
[17] «مثلًا»: ليست في (د).