إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أما إنه من أهل النار

          4202- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ) بنُ سعيدٍ قال: (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ) بنُ عبدِ الرَّحمن الإسكندرانيُّ (عَنْ أَبِي حَازِمٍ) سلمة بن دينارٍ (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ ☺ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم التَقَى هُوَ وَالمُشْرِكُونَ) أي: في خيبرَ، كما في حديثِ أبي هريرة اللَّاحق لهذا الحديث [خ¦4203] (فَاقْتَتَلُوا، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم إِلَى عَسْكَرِهِ) أي: رجعَ بعد فراغِ القتال في ذلك اليوم (وَمَالَ الآخَرُونَ) أهل خيبر (إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلعم رَجُلٌ) قيل: هو قُزْمان _بضم القاف وسكون الزاي_ الظَّفَريُّ _بفتح المعجمة والفاء_ نسبة لبني ظَفَر، بطنٌ من الأنصارِ، وكنيتهُ: أبو الغَيْداقِ _بغين معجمة مفتوحة فتحتية ساكنة آخره قاف_ (لَا يَدَعُ لَهُمْ) أي: لا يترك لليهودِ نسمة (شَاذَّةً) بشين وذال مشددة معجمتين، الَّتي تكونُ مع الجماعةِ ثمَّ تفارقهم (وَلَا فَاذَّةً) بالفاء والمعجمة المشددة أيضًا، الَّتي لم تكن اختلَطَتْ بهم أصلًا، والمعنى: أنَّه لا يرى نسمةً منهم (إِلَّا اتَّبَعَهَا) بتشديد الفوقية (يَضْرِبُهَا(1) بِسَيْفِهِ) يقتلها (فَقِيلَ) وللأَصيلي‼ ”فقالوا“، ولابنِ عساكرٍ وأبي الوقتِ وأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي ”فقال“ ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”فقلت“ قال في «الفتح»: فإن كانت هذه محفوظةً فالقائلُ سهل بن سعد السَّاعدي (مَا أَجْزَأَ) بجيم وزاي، أي: ما أغنى (مِنَّا اليَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلَانٌ) هو على سبيل المبالغة، فقد كان في القوم من كان فوقهُ في ذلك (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : أَمَا) بالتخفيف، استفتاحيَّة فتكسر الهمزة من قوله: (إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ) لنفاقه باطنًا، وعند الطَّبرانيِّ من حديث أكثم الخُزاعيِّ: قلنا: يا رسول الله، إذا كان فلانٌ في عبادتهِ واجتهاده ولينِ جانبه في النَّار فأينَ نحن؟ قال: «ذلك أخباثُ النِّفاق» (فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ) هو أكثمُ بن أبي الجَوْنِ الخزاعيُّ: (أَنَا صَاحِبُهُ) أي: لأتبعنَّه، كما في الرِّواية الأخرى [خ¦4207] (قَالَ: فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ. قَالَ: فَجُرِحَ الرَّجُلُ) قُزْمان (جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ المَوْتَ؛ فَوَضَعَ سَيْفَهُ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ) بمعجمة مضمومة، أي: طرفه (بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ) مالَ (عَلَى سَيْفِهِ) زاد أكثمُ: «حتَّى خرجَ من ظهرهِ» (فَقَتَلَ نَفْسَهُ / ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ) الذي اتَّبعه (إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ. قَالَ) صلعم : (وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا) بمدِّ الهمزة وكسر النون، أي: الآن (أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ) الَّذي قلته (فَقُلْتُ: أَنَا لَكُمْ بِهِ) أتبعهُ حتَّى أرى ما له (فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ، ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ المَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم عِنْدَ ذَلِكَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ _فِيمَا يَبْدُو) يظهر (لِلنَّاسِ_ وَهْوَ مِنَ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ _فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ_ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ) فيه التَّحذير من الاغترارِ بالأعمال.
          تنبيه: قال المهلَّب: هذا الرَّجل ممَّن أعلمنا صلعم أنَّه نفذ عليه الوعيد من النفاق، ولا يلزم منه أنَّه كلَّ مَن قتل نفسَه يُقضى عليه بالنَّار. وقال السَّفاقسيُّ: يحتمل أن يكون قوله: «هو من أهل النَّار» إنْ لم يغفر اللهُ له.


[1] في (ص): «ليضربها».