إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث عامر: اللهم لولا أنت ما اهتدينا

          4196- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبيُّ قال: (حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) المدنيُّ الحارثيُّ مولاهم (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ) الأسلميِّ مولى سلمةَ ابنِ الأكوعِ (عَنْ سَلَمَةَ ابْنِ الأَكْوَعِ ☺ ) أنَّه (قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلعم إِلَى خَيْبَرَ فَسِرْنَا لَيْلًا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ) هو أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ(1) (لِعَامِرٍ) عمِّ سلمةَ ابنِ الأكوعِ: (يَا عَامِرُ، أَلَا تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ) بهاءين أولاهما(2) مضمومة بعدها نون مفتوحة فتحتية ساكنة، مصغَّر هَنَةٍ، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”هُنَيَّاتك“ بهاء واحدة مضمومة وتشديد التَّحتية، أي: من أراجيزك. وعند ابنِ إسحاق من حديث نَصْر بن دَهْر الأسلميِّ: أنَّه سمع رسول الله صلعم يقول في مسيرهِ إلى خيبرَ لعامرِ بنِ الأكوعِ _وهو عمُّ سلمةَ بنِ الأكوعِ، واسم الأكوعِ: سنان_ «انزلْ يا ابنَ الأكوعِ فاحْدُ لنا من هُنَيَّاتِك» ففيه أنَّه صلعم هو الَّذي أمره بذلك (وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلًا شَاعِرًا) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”حَدَّاء“ (فَنَزَلَ يَحْدُو بِالقَوْمِ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا
وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا)
          قال في «الفتح»: في هذا القسم زِحَافُ الخَزْمِ بمعجمتين؛ وهو زيادة سبب خفيف في أوله، وأكثر هذا الرَّجز قد(3) تقدَّم في «الجهاد» [خ¦2837] من حديث البَراء بن عازبٍ، وأنَّه من شعر عبدِ الله بن رَوَاحة، فيحتملُ أن يكون هو وعامرٌ تواردا على ما تواردا منه؛ بدليل ما وقع لكلٍّ منهما ممَّا ليس عند الآخر، أو(4) استعان عامرٌ ببعض ما سبقه إليه ابنُ رَوَاحة.
          (فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ) بكسر الفاء والمدِّ، والمخاطب بذلك النَّبيُّ صلعم ، أي: اغفرْ لنا تقصيرنا(5) في حقِّك ونصرك؛ إذ لا يُتصوَّر أن يقال مثل هذا الكلام للباري‼ تعالى، وقوله: «اللَّهمَّ» لم يقصد / بها الدُّعاء، وإنَّما افتتح بها الكلامَ (مَا أَبْقَيْنَا) من الإبقاءِ، بالموحدة(6)، أي: ما خلَّفنا وراءنا ممَّا اكتسبناه من الآثامِ، ولأبي ذرٍّ ”ما اتَّقينا“ بالفوقية المشددة، أي: ما تركناه من الأوامر(7) (وَأَلْقِيَنْ) أي: وسل(8) ربَّك أن يُلقِين (سَكِيْنَةً عَلَيْنَا. وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ) أي(9): وأن تثبِّت الأقدام (إِنْ لَاقَيْنَا) العدوَّ (إِنَّا إِذَا صِيْحَ) بكسر الصاد المهملة وتسكين التحتية (بِنَا) أي: إذا دُعِينا إلى غيرِ الحقِّ (أَبَيْنَا) أي: امتنَعنا، ولأبي ذرٍّ عن المُستملي والكُشمِيهنيِّ ”أتَينا“ بالفوقية بدل الموحدة، أي: إذا دُعينا إلى القتال(10) أو إلى الحقِّ جئنا (وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا) أي: وبالصَّوت العالي قصدونَا واستغاثُوا علينَا، وفي نسخةٍ بالفَرْع(11) كأصله: ”أعوَلُوا علينا“ (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : مَنْ هَذَا السَّائِقُ) للإبلِ؟ (قَالُوا): يا رسول الله (عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ. قَالَ) ╕ : (يَرْحَمُهُ اللهُ) وعند أحمد من رواية إيَاس بنِ سلمةَ فقال: «غفرَ لكَ ربُّك» قال: وما استغفرَ رسولُ الله صلعم لإنسانٍ يخصُّه إلَّا استشهدَ (قَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ) هو: عمر بنُ الخطَّاب كما في مسلمٍ: (وَجَبَتْ) له الشَّهادة بدعائكَ له (يَا نَبِيَّ اللهِ، لَوْلَا) أي: هلَّا (أَمْتَعْتَنَا بِهِ) أبقيتَه لنا لنتمتَّع به (فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ) أي: أهلَ خيبر (فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ) مجاعةٌ (شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ تَعَالَى فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ) حصنًا حصنًا، وكان أوَّلها فتحًا حصنُ ناعمٍ (فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ اليَوْمِ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : مَا هَذِهِ النِّيرَانُ؟ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَـ)ـها؟(12) (قَالُوا): نوقدُها (عَلَى لَحْمٍ. قَالَ: عَلَى أَيِّ لَحْمٍ؟) أي: على أيِّ أنواعِ اللُّحومِ تُوقدونها؟ (قَالُوا: لَحْمِ حُمُرِ الإِنْسِيَّةِ) بكسر الهمزة وسكون النون، أو بفتح الهمزة والنون صفة حُمُر، و«لحم» جرَّ في الفَرْع كأصله(13)، ولأبي ذرٍّ: بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: هو لحمٌ، ويجوز النصب بنزعِ الخافض، أي: على لحم حُمُر، وهو بضمتين جمع: حمار (قَالَ النَّبِيُّ صلعم : أَهْرِيقُوهَا) بهمزة مفتوحة وسكون الهاء، ولأبي ذرٍّ وابن عساكر ”هريقوها“ أي: أريقوها، والهاء زائدة (وَاكْسِرُوهَا، فَقَالَ رَجُلٌ) لم يُسمَّ، أو هو عمر بنُ الخطَّاب ☺ : (يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْ) بسكون الواو (نُهَرِيقُهَا) بضم النون (وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ) ╕ : (أَوْ) بسكون الواو (ذَاكَ) أي: الغسل (فَلَمَّا تَصَافَّ القَوْمُ) بتشديد الفاء، أي: للقتالِ (كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ) أي: ابن الأكوع (قَصِيرًا، فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ) به (وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ) أي: طرفه الأعلى أو حدُّه (فَأَصَابَ عَيْنَ رُكْبَةِ عَامِرٍ) أي: طرف ركبته الأعلى، وعند أحمد: فلمَّا قَدِمنا خيبرَ خرج ملكُهم مَرْحب يخطرُ بسيفهِ، فبرزَ له عامرٌ، فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مَرْحب في ترسِ عامرٍ، فذهب عامرٌ يسفُلُ له، أي: يضربُهُ من أسفلِ، فرجع سيفُ عامرٍ على نفسه‼ (فَمَاتَ مِنْهُ. قَالَ(14): فَلَمَّا قَفَلُوا) رجعوا من خيبر (قَالَ سَلَمَةُ) ابنُ الأكوعِ: (رَآنِي(15) رَسُولُ اللهِ صلعم وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِي) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي ”يدي“ بإسقاط الجارِّ (قَالَ: مَا لَكَ؟) وعند قُتيبة: «رآني رسول الله صلعم شاحِبًا» [خ¦6148] بمعجمة ثم مهملة وموحدة، أي: متغيِّر اللَّون، ولإِيَاس: «فأتيتُ النَّبيَّ صلعم وأنا أَبْكي» (قُلْتُ لَهُ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ) لأنَّه قتل نفسه، وفي رواية إِياس: «بطل عملُ عامرٍ قتل نفسه». وسمِّي من القائلين: أُسيد بن حُضَير. في رواية قتيبة الآتية في «الأدب» [خ¦6148] (قَالَ النَّبِيُّ صلعم : كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ) ولأبي ذرٍّ ”وإن“ (لَهُ لأَجْرَيْنِ) أجرَ الجهد(16) في الطَّاعة، وأجرَ الجهادِ في سبيلِ الله، واللَّام للتَّأكيد، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي ”أجرين“ بإسقاطها (وَجَمَعَ) ╕ (بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ، إِنَّهُ لَجَاهِدٌ) مرتكبٌ للمشقَّةِ، واللَّام للتَّأكيد (مُجَاهِدٌ) في سبيلِ الله، بكسر الهاء والتنوين فيهما بلفظ اسم الفاعلِ، والأول مرفوعٌ على الخبرِ والثَّاني إتْباع للتَّأكيد، كقولهم: جادٌّ مجدٌّ، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي ممَّا ليس في «اليونينية»(17): «جاهَدَ» بفتح الهاء والدال بلفظ الماضي، قال عياضٌ: والأول الوجه. قال في «التنقيح» _وتبعه في «المصابيح»_: بفتح الهاء في الأول ماضيًا، وكسرها في الثاني(18) اسمًا منصوبًا بذلك الفعل / ، جمعًا لمجهد(19) (قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى) بالميم والقصر (بِهَا) بالأرض أو المدينة أو الحرب أو الخصلة (مِثْلَهُ) أي: مثل عامر. قال القاضي عياض: وأكثرُ رُواة البخاري عليه.
          وقال المؤلِّف أيضًا: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ) بنُ سعيدٍ قال: (حَدَّثَنَا حَاتِمٌ) بالحاء المهملة، ابنُ إسماعيلَ المذكور(20) في السَّند السَّابق، و(قَالَ) في حديثه: (نَشَأَ) بالنون بدل الميم وبالهمزة آخره، فعل ماض، أي: شبَّ (بِهَا) وكبرَ، فخالف في هذه اللَّفظة، وهذه الرِّواية موصولةٌ عند المؤلِّف في «الأدبِ» [خ¦6148].


[1] في (د): «لم يعرف اسمه».
[2] في (ص) و(د): «أولهما».
[3] «قد»: ليس في (د).
[4] في (م) و(د): «و»، وفي (ص): «لو».
[5] في (م): «بتقصيرنا».
[6] «بالموحدة»: ليس في (د).
[7] في (د): «الأمر».
[8] في (د): «واسأل».
[9] «أي»: ليست في (د).
[10] في (د): «الجهاد».
[11] في (م): «الفَرْع».
[12] «ها»: ليست في (د).
[13] «كأصله»: ليست في (د).
[14] «قال»: ليس في (د).
[15] في (د): «وأتى».
[16] في (م): «الجهاد».
[17] «مما ليس في اليونينية»: ليس في (د).
[18] قال الشيخ قطة ☼ : أي: مع فتح الميم، كمساجد.
[19] في (ص) و(م) و(د): «لمجتهد».
[20] في (ص) و(د): «الكوفي المذكور».