إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا

          4205- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التَّبُوذكيُّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ) بنُ زيادٍ(1) (عَنْ عَاصِمٍ) هو ابنُ سليمان الأَحْول (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ) عبد الرَّحمن بن مَلٍّ (عَنْ أَبِي مُوسَى) عبد الله بن قيسٍ (الأَشْعَرِيِّ) ☺ ، أنَّه (قَالَ: لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللهِ صلعم خَيْبَرَ _أَوْ قَالَ: لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللهِ صلعم _) إلى خيبر، والشَّكُّ من الرَّاويِّ، ورجع منها (أَشْرَفَ) بالشين المعجمة‼ والفاء (النَّاسُ عَلَى وَادٍ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ) مرَّتين، ولأبي ذرٍّ: مرَّةً واحدةً (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : إِرْبَعُوا) بكسر الهمزة وفتح الموحدة، أي: ارفُقوا، أو أمسكُوا عن الجهر، أو اعطِفوا (عَلَى أَنْفُسِكُمْ) بالرِّفق، وكفُّوا عن الشِّدَّة (إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا؛ إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا) يسمعُ السِّرَّ وأخفى (قَرِيبًا) ليس غائبًا، وهذا كالتَّعليل لقوله: «لا تدعون أصمَّ» (وَهْوَ مَعَكُمْ) بالعلم والقدرة عمومًا، وبالفضلِ والرَّحمة خصوصًا (وَأَنَا خَلْفَ) أي: وراء (دَابَّةِ رَسُولِ اللهِ صلعم ، فَسَمِعَنِي) صلعم (وَأَنَا أَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) قيل: الحيلةُ هي الحولُ، قلبت واوهُ ياءً لانكسار ما قبلها، والمعنى: لا يوصل إلى تدبير أمرٍ، وتغيير حالٍ إلا بمشيئتك ومعونتك (فَقَالَ لِي) ╕ : (يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ. قُلْتُ(2): لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ) بحذف أداة النِّداء، ولأبي ذرٍّ ”يا رسولَ الله“ (قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزٍ(3) مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ، قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ) / دُلَّني (فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي) قال الطِّيبيُّ: هذا التركيبُ ليس باستعارةٍ لذكر المشبَّه وهو الحوقَلَةُ، والمشبَّه به وهو الكنزُ، ولا التَّشبيه الصِّرف لبيان الكنزِ بقوله: «من كنوز الجنَّة» بل هو من إدخال الشَّيء في جنسٍ، وجعله أحدَ أنواعه على التَّغليب، فالكنزُ إذًا نوعان: المتعارف(4) وهو المالُ الكثير يجعل بعضه فوق بعضٍ ويحفظ، وغيرُ المتعارف وهو هذه الكلمة الجامعةُ المكتنزةُ بالمعاني الإلهيَّة؛ لِمَا أنَّها محتويةٌ على التَّوحيد الخفيِّ؛ لأنَّه إذا نفيت الحيلةُ والحركةُ والاستطاعة عمَّا مِن شأنه ذلك، وأثبتتْ لله على سبيل الحصرِ، وبإيجاده واستعانتهِ وتوفيقه، لم يخرج شيءٌ من ملكه وملكوتهِ. قال: ومن الدَّلالة على أنَّها دالَّةٌ على التَّوحيد الخفيِّ قوله ╕ لأبي موسى: «ألا أدلُّك على كنزٍ» مع أنَّه كان يذكرها في نفسه، فالدَّلالة(5) إنَّما تستقيمُ على ما لم يكنَّ عليه، وهو أنَّه لم يعلمْ أنَّه توحيدٌ خفيٌّ وكنزٌ من الكنوزِ، ولأنَّه لم يقلْ ما ذكرتَه كنزٌ من الكنوز، بل صرَّح بها حيث (قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) تنبيهًا له على هذا السِّرِّ، والله أعلم، وسقط لأبي ذرٍّ لفظ «من كنوز(6)».


[1] «ابن زياد»: ليست في (ص) و(د).
[2] في (د): «فقلت».
[3] «من كنز»: ليست في (د).
[4] في (د): «متعارف».
[5] في (د): «والدلالة».
[6] في (د): «الكنوز».