إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب: {إذ تصعدون ولا تلوون على أحد}

          ░20▒ هذا (بابٌ) بالتنوين في قوله تعالى: ({إِذْ تُصْعِدُونَ}) أي: تبالغونَ في الذَّهابِ في صعيدِ الأرض ({وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ}) أي: ولا تلتفتونَ، وهو عبارةٌ عن غايةِ انهزامِهِم وخوفِ عدوِّهم ({وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ}) يقولُ: إليَّ عبادَ الله، إليَّ عبادَ الله، من يكرُّ فلهُ الجنَّة، والجملةُ في موضعِ الحالِ ({فِي أُخْرَاكُمْ}) في سَاقَتِكُم وجماعَتِكُم الأخرى، هي المتأخِّرة ({فَأَثَابَكُمْ}) عطف(1) على {صَرَفَكُمْ} أي: فجازاكم الله ({غُمَّاً}) حين صرفكمْ عنهم وابتلاكمْ ({بِغَمٍّ}) بسببِ غَمٍّ أدخلتموهُ على الرَّسول صلعم بعصيانكُمْ أمرَهُ والمؤمنينَ بفشلِكُم، أو فأثابكُمْ الرَّسول، أي: أثابكُمْ غمًّا بسببِ غمٍّ اغتممتُمُوهُ لأجلهِ، والمعنى: أنَّ الصَّحابةَ لَمَّا رأوهُ صلعم شُجَّ وجههُ، وكُسِرتْ ربَاعيتهُ، وقُتِلَ عمُّهُ اغتمُّوا لأجلهِ، والنَّبيُّ صلعم لَمَّا رآهم عصوا ربَّهم لطلبِ(2) الغنيمةِ، ثم حُرِموا(3) منها، وقُتِلَ أقاربهم، اغتمَّ لأجلهم.
          وقال القَفَّال: وعندي أنَّ اللهَ تعالى ما أرادَ بقوله: {غُمَّاً بِغَمٍّ} اثنين(4)، وإنَّما أرادَ مواصلةَ الغمومِ وطولَها، أي: أنَّ الله عاقبكُمْ بغمومٍ كثيرةٍ؛ مثلَ قتلِ إخوانكم وأقاربكُم، ونزولِ المشركين عليكمْ بحيثُ لم تأمنوا أن يَهْلكَ أكثركُم ({لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ}) لتتمرَّنوا على تجرُّعِ الغمومِ، فلا تحزنوا فيما بعدُ على ما فاتَ(5) من المنافعِ؛ لأنَّ العادةَ طبيعةٌ خامسةٌ ({وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ}) ولا على مصيبٍ من(6) المضارِّ ({وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[آل عمران:153]) عالمٌ بعلمكم(7) لا يخفى عليه شيءٌ من أعمالكُمْ، وسقطَ لأبي ذرٍّ قوله «{وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ}...» إلى آخره(8)، وقال: ”إلى: {بِمَا تَعْمَلُونَ}“.
          ({تُصْعِدُونَ}) أي: (تَذْهَبُونَ، أَصْعَدَ) بالهمزة (وَصَعِدَ) بحذفها وكسر العين (فَوْقَ البَيْتِ) وكأنَّه أرادَ التَّفرقة بين الثُّلاثي والرُّباعي، وأنَّ الثُّلاثيَّ بمعنى: ارتفعَ، والرُّباعيُّ بمعنى: ذهبَ، وسقطَ من قوله «{تُصْعِدُونَ}...» إلى آخره للمُستمليِّ وأبي الهيثم(9).


[1] في (ص): «عطفًا».
[2] في (س): «بطلب».
[3] في (ص) و(د): «أحرموا».
[4] في (ص): «اثنين اثنين».
[5] في (ص) و(د): «على فائت».
[6] «من»: ليست في (ص).
[7] في (م) وهامش (ل): عبارة السيِّد معين الدين في «تفسيره»: عالمٌ بأعمالكم وقصدكم ممَّا لم يشملكم.
[8] في (د): «وسقط لأبي ذرٍ قوله: {وَلاَ تَلْوُونَ...} إلى آخره».
[9] «للمُستملي وأبي الهيثم»: ليست في (م) و(ص)، وما بعد قوله: «ذهب»: كله ليس في (د).