الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب صيام أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة

          ░60▒ (باب: صيام البِيضِ...) إلى آخره
          قال الحافظ: قال الإسماعيليُّ وابن بطَّالٍ وغيرهما: ليس في الحديث الَّذِي أورده البخاريُّ ما يطابق التَّرجمة لأنَّ الحديث مُطْلق في ثلاثة أيَّام مِنْ كلِّ شهر والبِيض مقيَّدة بما ذُكر، وأجيب بأنَّ البخاريَّ جرى على عادته في الإيماء إلى ما ورد في بعض طرق الحديث، وهو ما رواه أحمد والنَّسَائيُّ وابن حبَّان، وفيه قوله صلعم لأعرابيٍّ: ((إِنْ كُنْتَ صَائِمًا فَصُمِ الْغُرَّة(1))) أي: البِيض، وهذا الحديث اختُلف فيه على موسى بن طلحة اختلافًا كثيرًا بيَّنه الدَّارَقُطْنيُّ، وفي بعض طرقه عند النَّسَائيِّ: ((إِنْ كُنْتَ صَائِمًا فَصُمِ الْبِيضَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ [وخمس عشرة])) فكأنَّ البخاريَّ أشار بالتَّرجمة إلى أنَّ وصيَّة أبي هريرة بذلك لا تختصُّ به(2). انتهى.
          وكتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: ثمَّ إنَّ إيراد المؤلِّف ما أورد فيه مِنَ الرِّواية دالٌّ على أنَّه / حَمَل المُطْلق على المقيَّد، فكانت التَّرجمة تفسيرًا لمراد الرِّواية. انتهى.
          ثمَّ قال الحافظ: قال شيخنا في «شرح التِّرمذيِّ»: حاصل الخلاف في تعيين البِيض تسعة أقوال:
          أحدها: لا تتعيَّن بل يكره تعيُّنها، ويُستحبُّ صوم ثلاثة أيَّام مِنَ الشَّهر غير مُعَيَّنة، وهو المعروف مِنْ مذهب مالك.
          الثَّاني: أوَّل ثلاثة مِنَ الشَّهر، قاله الحسن البصريُّ.
          الثَّالث: أوَّلُها الثَّاني عشر، حُكي ذلك عن قوم.
          الرَّابع: أوَّلُها الثَّالث عشر، وهو قول الجمهور وهو الَّذِي اختاره البخاريُّ في التَّرجمة.
          الخامس: أولها أوَّل سبت مِنْ أوَّل الشَّهر، ثمَّ مِنْ أوَّل الثُّلاثاء مِنَ الشهر الَّذِي يليه وهكذا، وهو اختيار عائشة ♦ في آخرين.
          السَّادس: أوَّل خميس ثمَّ اثنين ثمَّ خميس.
          السَّابع: أوَّل اثنين ثمَّ خميس ثمَّ اثنين.
          الثَّامن: أوَّل يوم، والعاشر والعشرون، رُوي ذلك عن أبي الدَّرداء.
          التَّاسع: أوَّل كل عَشْر عن ابن شعبان المالكيِّ.
          قال الحافظ: بقي قول آخر [وهو] ثلاثة مِنَ الشَّهر، وهو قول إبراهيمَ النَّخَعِيِّ، فتمَّت عشرة(3). انتهى كلام الحافظ مع زيادة مِنَ العَينيِّ(4).
          قالَ العَينيُّ: روى ابن القاسم عن مالك أنَّه سئل عن صيام أيَّام الغرِّ فقال: ما هذا ببلدنا، وكره تعمُّد صومِها، وقال: الأيَّام كلُّها لله تعالى، واستحبَّ ابن حبيب صومها وقال: أراها صيام الدَّهر. انتهى.
          قلت: والجمهور ومنهم الأئمَّة الثَّلاثة الأخرى على استحبابها كما قالَ العلَّامةُ العَينيُّ.
          وقال الحافظ بحثًا على صوم ثلاثة أيام: قال الرُّويانيُّ: صيام ثلاثة أيَّام مِنْ كلِّ شهرٍ مستحبٌّ، فإن اتَّفقت أيَّام البِيض كان أحبَّ، وفي كلام غير واحد مِنَ العلماء أيضًا أنَّ استحباب صِيام البِيض غيرُ استحباب صيام ثلاثة أيَّام مِنْ كلِّ شهر.
          وقال القَسْطَلَّانيُّ: قال السُّبْكيُّ: والحاصل أنَّه يُسنُّ صوم ثلاثة أيَّام مِنْ كلِّ شهر، وأن تكون أيَّام البِيض، فإن صامها أتى بالسُّنَّتين. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((الغر)).
[2] فتح الباري:4/226 مختصرا
[3] فتح الباري:4/227
[4] عمدة القاري:11/95