الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب بركة السحور من غير إيجاب

          ░20▒ (باب: بركة السُّحور مِنْ غير إيجاب...) إلى آخره
          قالَ الزَّينُ بن المنيِّر: الاستدلال على الحكم إنَّما يُفتقر إليه إذا ثبت الاختلاف أو كان متوقَّعًا، لكن لمَّا جاء الأمر به احتاج أن يبيِّن أنَّه ليس على ظاهره مِنَ الإيجاب.
          قال الحافظ: وقد نَقل ابنُ المنذر الإجماعَ على نَدْبيَّة السُّحور، وقال ابن بطَّالٍ: في هذه التَّرجمة غفلة مِنَ البخاريِّ لأنَّه قد أخرج بعد هذا حديث أبي سعيد: ((أيُّكم أراد أن يوصل(1) فليواصل إلى السَّحر)) فجعل غاية الوصال إلى(2) السَّحر، وهو وقت السُّحور، قال: والمُفَسَّر يقضي على المُجْمَل.
          قال الحافظ: وقد تلقَّاه جماعة بعده بالتَّسليم، وتعقَّبه ابن المنيِّر في «الحاشية» بأنَّ البخاريَّ لم يترجم على عدم مشروعيَّة السُّحور، وإنَّما ترجم على عدم إيجابه، وأخذ مِنَ الوصال أنَّ السُّحور ليس بواجب، وحيث نهاهم النَّبيُّ صلعم عن الوصال لم يكن على سبيل تحريم الوصال، وإنَّما هو نهي إرشاد لتعليله إيَّاه بالإشفاق عليهم، وليس في ذلك إيجاب السُّحور، ولمَّا ثبت أنَّ النَّهي عن الوصال للكراهة، فضدُّ نهي الكراهة الاستحبابُ، فثبت استحباب السُّحور، كذا قال.
          قال الحافظ: والَّذي يظهر لي أنَّ البخاريَّ أراد بقوله: (لأنَّ النَّبيَّ صلعم...) إلى آخره، الإشارة إلى حديث أبي هريرة الآتي بعد خمسة وعشرين بابًا، ففيه(3) بعد النَّهي عن الوصال: ((أنَّه واصل بهم يومًا، [ثمَّ يومًا] ثمَّ رأَوا الهلال، فقال: لو تأخَّر لزدتكم)) فدلَّ ذلك على أنَّ السُّحور ليس بحتم إذ لو كان حتمًا [ما] واصل بهم، فإنَّ الوصال يستلزم ترك السُّحور(4). انتهى.
          قلت: لكنَّ الوصال المذكور في حديث أبي هريرة الَّذِي أشار إليه الحافظ إنَّما كان منه صلعم للزَّجر والتَّنكيل كما هو مصرَّح في الرِّوايات، فتأمَّلْ.


[1] في (المطبوع): ((يواصل)).
[2] قوله: ((إلى)) ليس في (المطبوع).
[3] في (المطبوع): ((فيه)).
[4] فتح الباري:4/139 مختصرا