الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: إذا صام أياما من رمضان ثم سافر

          ░34▒ (باب: إذا صام أيَّامًا مِنْ رمضان...) إلى آخره
          أي: هل يباح له الفطر أو لا؟ وكأنَّه أشار إلى تضعيف ما رُوي عن عليٍّ، وإلى ردِّ ما رُوي عن غيره في ذلك، قال ابن المنذر: رُوي عن عليٍّ بإسناد ضعيف، وقال به أبو مِجْلَز وغيره: إنَّ مَنِ استهلَّ عليه رمضان في الحضر ثمَّ سافر بعد ذلك فليس له أن يفطر لقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185]، قال: وقال أكثر أهل العِلم: لا فرق بينه وبين مَنِ استهلَّ رمضان في السَّفر، ثمَّ ساق ابن المنذر بإسناد صحيح عن ابن عمر قال: قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} الآية [البقرة:185] نسخها قوله: {فَمَنْ(1) كَانَ مِنْكُمْ(2) مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} الآية [البقرة:184] (3) ثمَّ احتجَّ للجمهور بحديث ابن عبَّاس المذكور في هذا الباب(4). انتهى مِنَ «الفتح».
          قلت: وهاهنا مسألتان أخريان أشار إليهما الحافظ:
          إحداهما(5): ما قال الحافظ: استدلَّ بالحديث على أنَّه لو نوى الصِّيام مِنَ اللَّيل وأصبح صائمًا فله أن يفطر في أثناء النَّهار، وهو قول الجمهور، وفي وجه للشَّافعيَّة: ليس له أن يفطر.
          وثانيهما: هو ما أشار إليه بقوله: وهذا كلُّه فيما لو نوى الصَّوم في السَّفر، وأمَّا لو نوى الصَّوم وهو مقيم ثمَّ سافر في أثناء النَّهار فهل أن يفطر في ذلك النَّهار؟ منعه الجمهور، وقال أحمد وإسحاق بالجواز، واختاره المُزنيُّ مُحْتَجًّا بهذا الحديث ظنًّا منه أنَّه صلعم أفطر في اليوم الَّذِي خرج فيه مِنَ المدينة وليس كذلك، فإنَّ بين المدينة والكديد عدَّة أيَّام(6). انتهى مِنَ «الفتح».
          قلت: وتوضيحه ما قالَ النَّوويُّ في «شرح مسلم» تحت حديث الباب: وفي الحديث الآخر: ((فصام حتَّى بلغ كُراع الغَمِيم)) وقد غلط بعض العلماء في فهم هذا الحديث، وتوهَّم أنَّ الكَدِيد وكُراع الغَمِيم قريب مِنَ المدينة، وأنَّ قوله: ((فصام حتَّى بلغ الكَدِيد وكُرَاع الغَمِيم)) كان في اليوم الَّذِي خرج فيه مِنَ المدينة، فزعم أنَّه خرج مِنَ المدينة صائمًا، فلمَّا بلغ كُرَاع الغَمِيم في يومه أفطر مِنْ نهاره، وهذا مِنَ العجائب الغريبة لأنَّ الكَدِيد(7) وكُرَاع الغَمِيم على سبع مراحل أو أكثر مِنَ المدينة، والله أعلم. انتهى.
          ░35▒ (باب) بغير ترجمةٍ
          قال الحافظ: كذا للأكثر(8) بغير ترجمة، وسقط مِنْ رواية النَّسَفيِّ، وعلى الحالين لا بدَّ أن يكون لحديث أبي الدَّرداء المذكور فيه تعلُّق بالتَّرجمة _أي السَّابقة_ ووجهه ما وقع مِنْ إفطار أصحاب النَّبيِّ صلعم في رمضان في السَّفر بمحضر منه، ولم ينكر عليهم فدلَّ على الجواز، وعلى ردِّ قول مَنْ قال: مَنْ سافر في شهر رمضان امتنع عليه الفطر. انتهى.
          فعلى هذا هو كالفصل السَّابق، وهو الأصل العشرون مِنْ أصول التَّراجم كما تقدَّم مبسوطًا في الجزء الأوَّل.
          ورمز عليه شيخ الهند في الجدول الرَّابع مِنْ جداوله رمز <بنـ > نقطة واحدة، فكأنَّ رأي الشَّيخ فيه أنَّ المصنِّف ترك التَّرجمة لقصد التَّمرين وتشحيذًا للأذهان، فيمكن أن يكون هو بيان أفضليَّة الصَّوم في السَّفر لاختياره صلعم الصَّوم مع شدَّة الحرِّ، والله أعلم.
          فعلى هذا هو الأصل الخامس والعشرون كما تقدَّم.


[1] في (المطبوع): ((ومن)).
[2] قوله: ((منكم)) ليس في (المطبوع).
[3] في (المطبوع): ((البقرة: 185)).
[4] فتح الباري:4/180 مختصرا
[5] في (المطبوع): ((أحدهما)).
[6] فتح الباري:4/181 مختصرا
[7] في (المطبوع): ((الكدير)).
[8] في (المطبوع): ((الأكثر)).