الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب قول النبي: لا نكتب ولا نحسب

          ░13▒ (باب: قول النَّبيِّ صلعم: (لَاْ نَكْتُبُ ولا نَحْسُبُ)
          قال الحافظ: بالنُّون فيهما، والمراد: أهل الإسلام الَّذين بحضرته عند تلك المقالة، وهو محمول على أكثرهم، أو المراد نفسه صلعم، ثمَّ قال الحافظ: ولا يَرِدُ على ذلك أنَّه كان فيهم مَنْ يكتب ويحسب لأنَّ الكتابة كانت فيهم قليلة نادرة، والمراد بالحساب هاهنا(1): حساب النُّجوم وتسييرها، ولم يكونوا يعرفون مِنْ ذلك أيضًا إلَّا النَّزر اليسير، فعلَّق الحكم بالصَّوم وغيره بالرُّؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التَّسيير، واستمرَّ الحكم في الصَّوم، ولو حدث بعدهم مَنْ يعرف ذلك، بل ظاهر السِّياق يُشْعِر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلًا، ويوضحه قوله: ((فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ)) ولم يقل: فسلُوا أهل الحساب، والحكمة فيه كون العدد عند الإغماء يستوي فيه المكلَّفون فيرتفع الاختلاف والنِّزاع عنهم، وقد ذهب قوم إلى الرُّجوع إلى أهل التَّسيير، وهو(2) الرَّوافض، ونُقل عن بعض الفقهاء موافقتهم.
          قال الباجيُّ: / وإجماع السَّلف الصَّالح حجَّة عليهم، قال ابن بَزِيزَة(3): وهو مذهب باطل، فقد نهت الشَّريعة عن الخوض في علم النُّجوم لأنَّها حدس وتخمين، وأيضًا لا يعرفها إلَّا القليل(4). انتهى مختصرًا.
          قلت: وما قال الحافظ: نُقل عن بعض الفقهاء... إلى آخره، لعلَّه أشار به إلى مذهب أبي العبَّاس بن سُريج من الشَّافعيَّة كما تقدَّم في (باب: إذا رأيتم الهلال فصوموا ) تحت قوله صلعم: ((فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ)) مِنَ المعاني الثَّلاثة، فلعلَّ المصنِّف أراد بهذه التَّرجمة الرَّدَّ على المعنى الثَّالث مِنْ تلك المعاني الَّذِي اختاره ابن سُريج، وأراد بالباب الآتي الرَّدَّ على المعنى الثَّاني الَّذِي اختاره الإمام أحمد، والله أعلم.


[1] في (المطبوع): ((هنا)).
[2] في (المطبوع): ((وهم)).
[3] عبد العزيز بن إبراهيم أبو محمَّد القرشي التميمي التونسي: عرف بابن بزيزة الإِمام العلامة المحصل المحقق الفهامة الحافظ للفقه والحديث والشعر والأدب، من أعيان أئمَّة المالكيَّة، ولد في تونس سنة 606 هـ، له تآليف منها الإسعاد في شرح الإرشاد وشرح الأحكام الصغرى لعبد الحق الإشبيلي وشرح التلقين، توفي في سنة 662 هـ أو 663 هـ. (شجرة النور الزكية:1/272)
[4] فتح الباري:4/127