الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: هل يقال رمضان أو شهر رمضان؟ومن رأى كله واسعا

          ░5▒ (باب: هل يقال: رمضان أو شهر رمضان؟...) إلى آخره
          كتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: وظاهر كلام المصنِّف الجواز حيث أورد قوله صلعم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ) وقوله: (لَا تُقَدِّمُوا رَمَضَانَ) وإنَّما لم يورد حجَّة على جواز التَّكلُّم بشهر رمضان لأنَّ جوازه كان مُجمعًا عليه، وأمَّا على الرِّواية الَّتِي فيها: <شهر رمضان> موضع قوله: (إذا وصل(1) رمضان) فالرِّوايتان الموْرَدَتان في التَّرجمة حجَّة للتَّكلُّم به بدون الإضافة، والموردة بسرد الإسناد، أي: الرِّواية الَّتِي ذكرها بقوله: (حدَّثنا يحيى بن بُكير)، فإنَّ فيها نسخة على الحاشية بلفظ: <إذا دخل شهر رمضان>، حجَّة لجواز التَّكلُّم به مضافًا إليه الشَّهر. انتهى.
          وفي «هامشه»: أشار / البخاريُّ بذلك إلى مسألة شهيرة خلافيَّة، قالَ الكَرْمانيُّ: اختلفوا فيه، فقال المالكيَّة: لا يقال: رمضان على انفراده لأنَّه اسم مِنْ أسماء الله تعالى، وإنَّما يقال: شهر رمضان، وقال أكثر الشَّافعيَّة: إن كان هناك قرينة تصرفه إلى الشَّهر كما يقال: صُمْت رمضان، فلا كراهة [وإلا فيُكره كما يقال: أحبُّ رمضان، ومذهب البخاريِّ أنَّه لا كراهة] في إطلاقه بقرينة وبدونها. انتهى.
          قال الحافظ: قوله: (ومَن رَأى كُلَّه وَاسِعًا) أشار البخاريُّ بهذه التَّرجمة إلى حديث ضعيف عن أبي هريرة مرفوعًا: ((لَاْ تَقُولُوا: رَمَضَانُ، فإنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أسْماءِ اللَّهِ تَعالى، وَلَكِنْ قُولُوا: شَهْرُ رَمَضَانَ)) أخرجه ابن عديٍّ في «الكامل» وضعَّفه بأبي معشر، قال البَيْهقيُّ: قد رُوي عن أبي معشر عن محمَّد بن كعب وهو أشبَهُ، ورُوي عن مجاهد والحسن مِنْ طريقين ضعيفين، وقد احتجَّ البخاريُّ: لجواز ذلك بعدَّة أحاديث، وقد ترجم النَّسَائيُّ: لذلك أيضًا فقال: (باب: الرُّخصة في أن يقال لشهر رمضان: رمضان) ثمَّ أورد فيه حديثين، وقد يُتمسَّك للتَّقيُّد بالشَّهر بورود القرآن به حيث قال: {شَهْرُ رَمَضَانَ} [البقرة:185] مع احتمال أن يكون حذفُ لفظ الشَّهر مِنَ الأحاديث مِنْ تصرُّف الرُّواة، وكان هذا هو السِّرُّ في عدم جزم المصنِّف بالحكم(2)... إلى آخر ما فيه.
          ░5م▒ <باب: رؤية الهلال>
          هذا الباب موجود في «النُّسخ الهنديَّة» الَّتِي بأيدينا، وعليه علامة النُّسخة، ولا يوجد هذا الباب في نسخ الشُّروح مِنَ «الفتح» والعَينيِّ والقَسْطَلَّانيِّ ولا في «نسخة المصريَّة» الَّتِي عليها «حاشية العلَّامة السِّنديِّ» ولم يتعرَّض له أحد مِنَ الشُّرَّاح، ومع ذلك سيبوِّب المصنِّف فيما سيأتي: بـ(باب: قول النَّبيِّ صلعم: إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ...) إلى آخره فالظَّاهر عدمه، وأمَّا على تقدير ثبوته فيمكن عندي أن يقال: إنَّ الغرض مِنَ التَّرجمتين مختلف، فالغرض مِنَ الباب الآتي بيان حكم صوم يوم الشَّكِّ كما سيأتي هناك، والغرض هاهنا الحثُّ والتَّرغيب على رؤية هلال رمضان، وقد صرَّح الفقهاء في كتبهم باستحبابه، بل بوجوبه على الكفاية.
          وفي «الهداية»: وينبغي للنَّاس أن يلتمسوا الهلال في اليوم التَّاسع والعشرين مِنْ شعبان، فإن رأَوه صاموا، وإن غُمَّ عليهم أكملوا عدَّة شعبان ثلاثين يومًا لقوله صلعم: ((صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ)). انتهى.
          وأخرج أبو داود مِنْ حديث عائشة ♦: ((كان رسول الله صلعم يتحفَّظ مِنْ شعبان ما لا يتحفَّظ مِنْ غيره، ثمَّ يصوم لرؤية رمضان))... الحديث، فتأمَّل، فإنَّه غاية التَّوجيه لدفع التَّكرار، والله تعالى أعلم.


[1] في (المطبوع): ((دخل)).
[2] فتح الباري:4/113 مختصرا