الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب وجوب صوم رمضان

          ░1▒ (باب: وجوب صوم رمضان...) إلى آخره
          قال الحافظ: كذا للأكثر، وللنَّسَفيِّ: <باب: وجوب رمضان وفضله> وقد ذكر أبو الخير الطَّالقانيُّ في كتابه «حظائر القدس» لرمضان ستِّين اسمًا.
          وذكر بعض الصُّوفية أنَّ آدم ╕ لمَّا أكل مِنَ الشَّجرة ثمَّ تاب تأخَّر قَبُول توبته ممَّا بقي في جسده مِنْ تلك الأكلة ثلاثين يومًا، فلمَّا صفا جسدُه منها تِيب عليه، ففُرض على ذرِّيَّته صيام ثلاثين يومًا.
          قال الحافظ: وهذا يحتاج إلى ثبوت السَّند فيه إلى مَنْ يقبل قوله في ذلك، وهيهات وِجدانُ ذلك.
          قوله: (وقول الله تعالى...) إلى آخره، أشار بذلك إلى مبدأ فَرْضيَّة الصِّيام، وكأنَّه لم يثبت عنده على شرطه فيه(1) شيء، فأورد ما يشير إلى المراد، فإنَّه ذكر فيه ثلاثة أحاديث: حديثُ طلحة الدَّالُّ على أنَّه لا فرض إلَّا رمضان، وحديث ابن عمر وعائشة المتضمِّن للأمر بصيام عاشوراء، وكأنَّ المصنِّف أشار إلى أنَّ الأمر في روايتهما محمول على النَّدب بدليل حصر الفرض في رمضان، وهو ظاهر الآية لأنَّه تعالى قال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183]، ثمَّ بيَّنه [فقال]: {شَهْرُ رَمَضَانَ}[البقرة:185]، وقد اختلفت(2) السَّلف هل فُرض على النَّاس صيام قبل رمضان أو لا؟ فالجمهور _وهو المشهور عند الشَّافعيَّة_ أنَّه لم يجب قطُّ صوم قبل صوم رمضان، وفي وجه وهو قول الحنفيَّة: أوَّل ما فرض صيام عاشوراء، فلمَّا نزل رمضان نُسخ... إلى آخر ما فيه. انتهى مِنَ «الفتح».
          [قلت]: وقد بسط الكلام على درجات فَرْضيَّة الصَّوم، وتفاصيل شرعيَّته مِنِ ابتداء الأمر إلى ما استقرَّ عليه في «كتاب التَّفسير» مِنْ «لامع الدَّراري».
          قوله: ({كَمَا كُتِبَ} الآية [البقرة:183]).
          وفي «الأوجز»: اختلفوا هل كان صوم رمضان شَرْعَ مَنْ قَبْلَنا؟ فقال جماعة: إنَّ الله تعالى فرض صيام رمضان على اليهود والنَّصارى، أمَّا اليهود فإنَّها تركت هذا الشَّهر وصامت يومًا مِنَ السَّنة، زعموا أنَّه يومٌ غَرِقَ فيه فرعون، وكذبوا في ذلك أيضًا لأنَّ ذلك اليوم يوم عاشوراء على لسان رسول الله صلعم، أمَّا النَّصارى فإنَّهم صاموا رمضان فصادفوا فيه الحرَّ الشَّديد فحوَّلوه إلى وقت لا يتغيَّر، ثمَّ قالوا عند التَّحويل نزيد فيه، فزادوا عشرًا، ثمَّ بعد زمانٍ اشتكى مَلِكهم فنذر سبعًا فزادوه، ثمَّ جاء بعد ذلك مَلِك آخر فقال: ما بالُ هذه الثَّلاثة؟ / فأتمَّه خمسين يومًا، وهذا معنى قوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ} الآية [التوبة:31] كذا في «التَّفسير الكبير» وقيل: في زيادة النَّصارى أقوالٌ أخرُ ذكرها أهل التَّفسير.
          قال البُجَيْرَميُّ: إن كان التَّشبيه في قوله تعالى: {كَمَا كُتِبَ} [البقرة:183] في صوم رمضان كان مِنَ الشَّرائع القديمة لأنَّه قيل: ما مِنْ أُمَّة إلَّا وقد فُرض عليها شهر رمضان إلَّا أنَّهم ضلُّوا عنه، وإن كان التَّشبيه في مُطْلق الصَّوم كان صوم رمضان مِنْ خصوصيَّات هذه الأمَّة. انتهى مِنَ «الأوجز».
          واختار صاحب «الفيض(3) الباري» أنَّ هذه الآيات لا تعلُّق لها بصوم رمضان، بل هي متعلِّقة بصوم أيَّامِ البِيض وعاشوراء، وبسط الكلام عليه، فارجع إليه لو شئت.


[1] في (المطبوع): ((في)).
[2] في (المطبوع): ((اختلف)).
[3] في (المطبوع): ((فيض)).