الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب صوم الدهر

          ░56▒ (باب: صوم الدَّهر)
          أي: هل يُشرع أو لا؟ قال ابن المنيِّر: لم ينصَّ على الحكم لتعارُض الأدلَّة واحتمال أن يكون عبد الله بن عمرو خُصَّ بالمنع لِما اطَّلع النَّبيُّ صلعم عليه مِنْ مستقبَل حاله، فيلتحق به مَنْ في معناه ممَّن يتضرَّر بسرد الصَّوم، ويبقى غيره على حكم الجواز لعموم التَّرغيب في مُطْلق الصَّوم كما سيأتي في الجهاد مِنْ حديث أبي سعيد مرفوعًا: (مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، بَاعَدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّار)(1). انتهى مِنَ «الفتح».
          ويشكل إدخال هذه التَّرجمة بين أبواب الحقوق، فقد تقدَّم (باب: حقِّ الضَّيف) و(باب: حقِّ الجسم)، وسيأتي بعد ذلك: (باب: حقِّ الأهل) فتأمَّلْ.
          وقد أجاب عنه بعض المتردِّدين إليَّ وأجَادَ بأنَّ الإمام البخاريَّ أشار بذكر هذه التَّرجمة الأجنبيَّة بين هذه الأبواب إلى أنَّ النَّهي عن صوم الدَّهر لأجل حقِّ الجسد.
          واختلف العلماء في صوم الدَّهر، قال القَسْطَلَّانيُّ: ومذهب الشَّافعيَّة استحبابه لإطلاق الأدلَّة، ولأنَّه صلعم قال: ((مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ هَكَذَا وعقد بيده)) وأخرجه أحمد والنَّسَائيُّ، فإن خاف ضررًا أو فَوت حقٍّ كُرِه صومه، وهل المراد الواجب أو المندوب؟ قال السُّبْكِيُّ: ويتَّجه أن يقال: إنَّه إن عَلم أنَّه يفوِّت حقًّا واجبًا حَرُم، وإن عَلم أنَّه يفوِّت حقًّا مندوبًا أَولى مِنَ الصِّيام كُره، وإن كان يقوم مقامه فلا(2). انتهى.
          وفي «المغني»: قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: فسَّر مُسَدَّد قول أبي موسى: ((مَنْ صَام الدَّهْر ضُيِّقَت عليه جَهَنَّم)) فلا يَدْخُلها، فضحك وقال: مَنْ قال هذا؟ فأين حديث عبد الله بن عمرو: ((أنَّ النَّبيَّ صلعم كره ذلك)) وما فيه مِنَ الأحاديث؟
          قال أبو الخطَّاب: إنَّما يكره إذا دخل فيه يومي العيدين وأيَّام التَّشريق لأنَّ أحمد قال: إذا أفطر يومي العيدين وأيَّام التَّشريق / رجوت ألَّا يكون بذلك بأس، وروي نحو هذا عن مالك، وهو قول الشَّافعيِّ، والَّذي يقوى عندي أنَّ صوم الدَّهر مكروه وإن لم يصم هذه الأيَّام لِما فيه مِنَ المشقَّة والضَّعف وشبهِ التَّبتُّل المنهيِّ عنه(3). انتهى مختصرًا.
          وفي «البذل» قال ابن الهُمام: يُكره صوم الدَّهر لأنَّه يضعفه أو يصير طبعًا له، ومبنى العبادة على مخالفة العادة. انتهى.
          قال الحافظ: وإلى كراهة صوم الدَّهر مُطْلقًا ذهب إسحاق وابن العربيِّ مِنَ المالكيَّة وأهل الظَّاهر، وهي رواية عن أحمد، وشذَّ ابن حزم فقال: يحرم، وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح: ((أنَّه بلغ عمرَ ☺ أنَّ رَجلًا يصوم الدَّهر، فأتاه فعلاه بالدِّرَّة، وجعل يقول: كُل يا دَهريُّ)) إلى أنْ قال: وذهب آخرون إلى جوازه وحملوا النَّهي على(4) مَنْ صام حقيقة، فإنَّه يدخل فيه ما حرم صومه كالعيدين، وهذا اختيار ابن المنذر وطائفة، وذهب آخرون إلى استحبابه لمن قوي عليه ولم يفوِّت فيه حقًّا، وإلى ذلك ذهب الجمهور(5)... إلى آخر ما بسط في «الفتح».


[1] فتح الباري:4/220
[2] أنظر إرشاد الساري:3/405
[3] المغني لابن قدامة:3/172
[4] في (المطبوع): ((عن)).
[5] فتح الباري:4/222 مختصرا