التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي

          4438- قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ): (محمَّدٌ) هذا: قال الجيَّانيُ: (قال الأصيليُّ: كذا في كتاب أبي زيد المروزيِّ: «حدَّثنا محمَّد، حدَّثنا عفَّان»، وكذلك قرأ لنا أبو زيد، وكذلك في رواية ابن السكن، قال أبو عبد الله الحاكم: هو محمَّد بن يحيى الذُّهليُّ)، انتهى، ولم ينسبه المِزِّيُّ ولا شيخنا.
          قوله: (دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ...) إلى آخره: فيه أنَّ الداخلَ بالسواك عبدُ الرَّحمن بن أبي بكر، وفي «مسند أبي يعلى الموصليِّ» من حديثها في حديث طويل: أنَّ الذي دخل بسواكٍ من أراك رطب أسامةُ بن زيد، فذكرتْ مثل قصَّتها هذه، لكن فيه عَوْبَدٌ عن أبيه، وهو ابن أبي عمران الجونيِّ، قال النَّسائيُّ: (متروك)، وفيه مقالٌ غير ذلك، وفيه أيضًا: ابن بابَنُوس ما روى عنه سوى أبي عمران الجونيِّ، وقد ذكره الدولابيُّ، فقال: (هو من السبعة الذين قاتلوا عليًّا)، ونقل ابن القطَّان هذا القول عن البُخاريِّ، وقال أبو داود: (كان شيعيًّا)، وقال ابن عديٍّ: (أحاديثه مستقيمة(1)، وقال الدارقطنيُّ: (لا بأس به)، انتهى.
          فلو صحَّ هذا الحديث؛ كان يُحمَل على أنَّهما دخلا، لكن في القصَّة ما ينفي هذا الحَمْل؛ لأنَّ في قِصَّة كلِّ واحد أنَّه صلعم تُوُفِّيَ عقب السواك _والله أعلم_ وغير ذلك أيضًا.
          قوله: (يَسْتَنُّ بِهِ): (الاستنان): الاستياك، وقد تَقَدَّم [خ¦880].
          قوله: (فَأَبَدَّهُ رَسُولُ اللهِ صلعم بَصَرَهُ): وفي نسخة في هامش أصلنا: (فأمدَّه، الأولى: بالباء، والنسخة: بالميم عِوضَها، والدال مشدَّدة فيهما، قال ابن قُرقُول: («فأبدَّه بصرَه»؛ أي: أمدَّه، قاله الحربيُّ، قال القعنبيُّ: معنى: «أَبَدَّ»: مَدَّ، وقيل: طوَّل)، وقال ابن الأثير: (فأبدَّ بصره إلى السواك؛ أي: أعطاه بَدَّته من النظر؛ أي: حظَّه)، وقد تَقَدَّم أوَّل المادَّة أنَّ (أبدَّ) معناه: مدَّ.
          قوله: (فَقَضِمْتُهُ): هو بكسر الضاد المعجمة على المشهور؛ ومعناه: قطعت طرفه بأسناني، قال ابن قُرقُول في (القاف مع الصاد المهملة): («فقصمته»؛ يعني: السواك؛ أي: شققته بأسناني، هكذا في «باب من تسوَّك بسواكِ غيرِه» [خ¦890]، وفي كتاب التميميِّ: «فقضمته»؛ أي: قطعت رأسه، والقضم: العضُّ، وفي «البُخاريِّ» في «الوفاة» مثلُه للقابِسيِّ وابن السكن، كذلك فيه عن أبي ذرٍّ [خ¦4450])، انتهى.
          ثُمَّ ذكر بُعَيده في (الصاد المهملة) أيضًا ما لفظه: («فَقَصَمْتُهُ ثُمَّ مَضَغْتُهُ»: كذا لأكثرهم، ولابن السكن والمستملي والحمُّوي: بضاد معجمة، فالقصم: الكسر، والقضم: القطع بالأسنان، والمضغ: التليين)، انتهى. /
          قوله: (فَاسْتَنَّ بِهِ): تَقَدَّم قريبًا معناه، وكذا (قَطُّ): تَقَدَّم الكلام عليها قبل ذلك بلغاتها [خ¦7]، وكذا اللغات العشر في (الإِصْبَع) تَقَدَّمت [خ¦344]، وكذا الكلام على (الرَّفِيقِ الأَعْلَى) [خ¦3669].
          قوله: (مَاتَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي): وسيأتي: (بين سَحْري ونَحْري) [خ¦4449]، وتَقَدَّم (ورأسه على فخذي)، قال شيخنا: (وفي حديث جابر بن عبد الله عند ابن سعد عن عليٍّ قال: «قُبِض رسول الله صلعم وأنا مُسنِدُه إلى صدري»، وفي حديث عبد الله بن محمَّد بن عمر بن عليِّ بن أبي طالب، عن أبيه، عن جدِّه: قال عليٌّ: «لمَّا ثقل رسول الله صلعم في حجري؛ قلت: يا عبَّاس؛ أدركني فإنِّي هالك»، فكان جِدَّهما جميعًا أن أضجعاه، وعن عليِّ بن حسين: «قبض ورأسه في حجر عليٍّ»، وكذا قاله الشعبيُّ وابن عبَّاس، قال أبو غطفان: فقلت له: إنَّ عروة حدَّثني عن عائشة قالت: «تُوُفِّيَ رسول الله صلعم بين سَحْري ونَحْري، فقال ابن عبَّاس: أتعقل؟ والله لتُوُفِّيَ رسول الله صلعم وإنَّه لمستند إلى صدر عليٍّ، وهو الذي غسَّله وأخي الفضل وأبَى أبي أن يحضر»، وقال: «إنَّه ◙ كان يستحيي أن أراه حاسرًا»، وروى الحاكم في «إكليله» من حديث عمرو بن ثابت بن(2) أبي المقدام، عن أبيه، عن جدِّه(3) العرني، عن عليٍّ قال: «أسندت رسول الله صلعم إلى صدري، فسالتْ نفسُه»، ومن حديث أمِّ سلَمة: «كان عليٌّ آخرهم عهدًا به، جعل يسارُّه، فاه على فيه، ثُمَّ قُبِض»، ومن حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلعم لمَّا حضره الموت: «ادعوا لي حبيبي»، فقلت: أدعو عليَّ بن أبي طالب، فوالله ما يريد غيرَه، فلمَّا رآه؛ نزع الثوب الذي كان عليه، ثُمَّ أدخله فيه، فلم يزل يحضنه حتَّى قُبِض ويده عليه، انتهى.
          لم يتكلَّم شيخنا على هذا التعارض، ولا ذكر كلامًا لأحدٍ عليه، وأنا أقول: أمَّا الحديث الثاني؛ فمرسلٌ، هذا من غير أن نتكلَّم في الرجال، وأمَّا قول الشعبيِّ؛ فمقطوع لا حُجَّة فيه؛ لأنَّه لم ينقله عن أحد من الصَّحابة، وأمَّا قول ابن عبَّاس؛ فلا أعلم السند إليه، ويردُّه حديثُ عائشة الصحيح، وأمَّا حديث عَمرو بن ثابت؛ فعَمرٌو متروكٌ رافضيٌّ، وجدُّه لا أعرف له ترجمة، والله أعلم.
          وأمَّا (الحاقنة)؛ فهي بالحاء المهملة، وبعد الألف قاف، ثُمَّ نون، قال ابن قُرقُول: (وهي ما سفل من الأرض)، انتهى، و(الذاقنة)؛ بالذال المعجمة، وبعد الألف قاف، ثُمَّ نون، قال ابن قُرقُول: (وهو ما علا؛ يعني: منها، وقيل: الحاقنة: ما دون الترقوتين من الصدر، وقيل: الحاقنة: ما فيه الطعام، وقيل: الحاقنتان: الهبطتان(4) اللتان عند الترقوتين من الصدر وحَبْلَي العاتق، قال أبو عبيد: الحواقن: ما يحقن الطعام في البطن، والذواقن: أسفل من ذلك، وقيل: الذاقنة: ثغرة الذقَن، وقيل: طرف الحلقوم)، وفي «النِّهاية»: الحاقنة: الوَهْدة المنخفضة بين الترقوتين من الحلق، والذاقنة: الذقَن، وقيل: طرف الحلقوم، وقيل: ما يناله الذقَن من الصدر، انتهى.


[1] كذا في (أ)، وفي المطبوع من «الكامل في الضعفاء» ░7/278▒ ░2171▒: (مشاهير).
[2] في (أ): (بن)، وعليها ضبَّة، وفي الهامش: (عن) من غير علامة تصحيح، وكلاهما خطأ، وصوابه: عمرو بن ثابت أبي المقدام، وانظر التعليق التالي.
[3] كذا في (أ): (جدِّه)، وسيأتي قول المصنِّف في كلامه عن هذا الحديث: (عمرٌو متروكٌ رافضيٌّ، و«جدّه» لا أعرف له ترجمة)، وصوابه في الموضعين: (حبَّة)، وهو (حبَّة العُرني) كما في «فتح الباري» ░7/746▒، فعمرُو بن ثابت هو عمرو بن ثابت بن هُرمز ضعيفٌ رافضيٌّ _انظر «تهذيب الكمال» ░21/553▒ ░4333▒_ ويروي عن أبيه أبي المقدام ثابت بن هرمز، انظر «تهذيب الكمال» ░4/380▒ ░833▒، وأبو المقدام يروي عن حبَّة العُرني، وهو حبَّة بن جوين العُرني البَجلي، يقال: إنَّه رأى النبي صلعم، روى عن حذيفة بن اليمان وعبد الله بن مسعود وعلي بن أبي طالب ♥، وهو ضعيف، انظر «تهذيب الكمال» ░5/351▒ ░1076▒.
[4] في (أ): (الهيطتان) بالياء، والمثبت من مصدره، ومن «مشارق الأنوار» ░1/428▒.