التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: ائتوني أكتب لكم كتابًا لن تضلوا بعده أبدًا

          4431- قوله: (فَقَالَ: ائْتُونِي؛ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا): تَقَدَّم الكلام على هذا الكتاب وما يتعلَّق به في (الجهاد) [خ¦3053] وفي (كتاب العلم) [خ¦114]، والاختلاف فيما أراد أن يكتب.
          فائدةٌ: لمَّا تنازعوا عنده واشتدَّ مرضه؛ عدل عن الكتاب معوِّلًا على ما أصَّل في ذلك من استخلاف أبي بكر في الصلاة، وروى مسلم عن عائشة قالت: (قال رسول الله صلعم: «ادعوا لي أبا بكر وأخاكِ أكتب كتابًا، فإنِّي أخاف أن يتمنَّى متمنٍّ، ويأبى الله والمؤمنون إلَّا أبا بكر»)، وفي رواية البزَّار عنها: (لمَّا اشتدَّ وجعه؛ قال: «ائتوني بدَواة وقِرطاس أكتب لأبي بكر كتابًا لا يختلف عليه الناس»، ثُمَّ قال: «معاذ الله أن يختلف الناس على أبي بكر»)، فهذا نصٌّ على أنَّه ترك معوِّلًا على أنَّه لا يقع إلَّا كذلك، وبهذا بطل قولُ مَن ظنَّ أنَّه كتاب زيادةٍ في الأحكام والتعليم، وخَشِيَ عجز الناس عنها، والله أعلم.
          قوله: (أَهَجَرَ؟ اسْتَفْهِمُوهُ): قائل هذا هو عمر بن الخَطَّاب، قاله ابن الأثير في «نهايته»، قال ابن قُرقُول: (كذا هو الصحيح بفتح الهاء؛ أي: هَذَى، وإنَّما هو على طريق الاستفهام الذي معناه التقرير والإنكار على ظنِّ ذلك به؛ إذ لا يليق به الهذيان ولا قولٌ غير مضبوط في حالة مِن حالاته، وإنَّ ما يتكلَّم به حقٌّ وصحيحٌ لا سوء فيه، ولا خُلْفٌ، ولا غَلَطٌ، في حال صِحَّةٍ ومرضٍ، ونومٍ ويَقَظَةٍ، ورَضًا وغَضَب، صلى الله عليه [وسلَّم] تسليمًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا، والهُجْر: الهذيان، وكلام المُبَرسَم، ومنه يقال في كثرة الكلام من غير كبير فائدة: أهجرَ، وسنذكر الخلاف فيه)، ثُمَّ ذكر: («ما شأنه؟ أهَجَر؟»: كذا لأكثر الرواة بلفظ الاستفهام، وكذا جاء في رواية سعيد بن منصور وقتيبة وابن أبي شيبة والناقد في «كتاب مسلم» في حديث سفيان وغيره، وكذا وقع عند البُخاريِّ من رواية ابن عيينة وجُلِّ الرواة في حديث الزُّهريِّ، وفي حديث محمَّد بن سلَام عن ابن عيينة [خ¦3168]، وكذا ضبطه الأصيليُّ بخطِّه من هذه الطرق، وهذا أرفع للإشكال وأقرب إلى الصواب، وعند أبي ذرٍّ في «باب جوائز الوفد»: «هُجِرَ» على ما لم يُسَمَّ فاعله [خ¦3053]، وعند غيره: «هَجَرَ»، وعند مسلم في حديث إسحاق: «يهجر»، وفي رواية قبيصة كالأوَّل: «أَهجر(1) ؟»، وقد يُتأوَّل «هُجِرَ» على ما قدَّمناه، وقد يكون ذلك من قائله دَهَشًا لِعِظَمِ ما شاهده من حال النَّبيِّ صلعم واشتداد وجعه، وعِظَمِ الأمر الذي كانت [فيه] المخالفة حتَّى لم يُضبَط كلامه ولا يُفقَه، [كما] قال عمر: لم يمت النَّبيُّ صلعم)، انتهى، وكان عندي مؤلَّف في هذه المسألة لبعض فضلاء المِصْريِّين، اختصر ذلك من كلام ابن دحية الحافظ ⌂.
          قوله: (أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ): تَقَدَّم الكلام على حدِّ جزيرة العرب وما المراد من ذلك في (الجهاد) [خ¦3053].
          قوله: (وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ، أَوْ قَالَ: فَنَسِيتُهَا): الساكت: هو ابن عبَّاس، والناسي: سعيد بن جُبَير، كذا قال الشيخ محيي الدين النوويُّ، وقد تَقَدَّم ما في ذلك [خ¦3053]، قال المهلَّب: (هي تجهيز جيش أسامة)، قال شيخنا: (وقد ورد في رواية أنَّه القرآن)، انتهى، وقال القاضي عياض: (ويَحتمل أنَّه قوله: «لا تتَّخذوا قبري وثنًا يُعبَد»، فقد ذكر مالك في «الموطأ» معناه مع «إجلاء اليهود» من حديث عمر)، انتهى، وقال بعض حفَّاظ هذا العصر: (أوصى بالأرحام). /


[1] كذا في (أ)، وفي المطبوع من مصدره: (هُجِرَ)، وهي في «البخاري» ░3053▒.