مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح

          ░48▒ باب تعبير الرُّؤيا بعد صلاة الصبح
          فيه حديث أبي رجاء عمران بن ملحان ويقال: ابن تيم العطاردي ثنا سمرة بن جندب.
          وذكر حديثاً طويلاً، وسلف بعضه في الجنائز وغيره، وترجم عليه في الجنائز: باب فقط وقبله: ما قيل في أولاد المشركين.
          ومن فوائده: أنه حجة لمن قال: إن أطفال المشركين في الجنة كأطفال المسلمين، وقد اختلف فيه وسلف هناك.
          ومعنى الترجمة كما نبه عليه المهلب في سؤاله عن الرؤيا عند صلاة الصبح أنه أولى من غيره من الأوقات؛ لحفظ صاحبه لها وقرب عهده بها، وأن النسيان قلما يعرض عليه فيها ولجمام ذهن العابر، وقلة ابتدائه بالفكرة في أخبار معاشه، ومداخلته للناس في شعب دنياهم؛ وليعرف الناس ما يعرض لهم في يومهم ذلك فيستبشرون بالخير، ويحذرون موارد الشر، ويتأهبون لورود الأسباب السماوية عليهم، فربما كانت الرؤيا تحذيراً عن معصية لا تقع إن حذرت، وربما كانت إنذاراً بما / لا بد من وقوعه، وربما كانت البشرى بالخير سبباً لسامعها إلى الازدياد منه، وقويت فيه نيته، وانشرحت له نفسه.
          قوله: (أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني) أي: أرسلاني. قال الجوهري: بعثته وابتعثته بمعنى؛ أي: أرسلته.
          ومعنى (يثلغ رأسه): يشدخه. ثلاثي، والمثلغ من الرطب والتمر ما أسقطه المطر، وقيل: الثلغ ضربك الرطب باليابس حتى ينشدخ، وقيل: إنه كسر الشيء الأجوف، يقال: شدخت رأسه فانشدخ.
          قوله: (يهوي بالصخرة) هو بضم الياء من يهوي رباعيًّا من قولهم: أهويت له بالسيف، أي: تناولته.
          قوله: (فتدهده الحجر) أي: يتدحرج، فنزول الشيء تدهدهه من أعلاه إلى أسفل. قال الخطابي: دهدأة الشيء دحرجته، ودهدأ تدحرج، وفي ((الصحاح)): دهدهت الحجر فتدهده أي: دحرجته فتدحرج.
          قال: وقد تبدل من الهاء ياء، يقال: يتهدى الحجر وغيره تدهدياً، ودهديته أنا قال ابن التين: ورويناه بالهمز، وعند أبي ذر: فتدهده. وفي رواية أخرى: فتهدهد.
          والكلوب بفتح الكاف، وفيه لغة أخرى الكلاب، والجمع: كلاليب وهو المنشال، حديد ينشل بها اللحم من القدر. وقال الداودي: هو كالسكين ونحوها، وسلف في الجنائز.
          وفي الحديث: ((ما تدهده الجعل خير))، وفي ((الصحاح)) في الذين ماتوا في الجاهلية: هو يدحرجه السرجين، وفي الحديث الآخر: ((كما يدهده الجعل)) وشرشر: قطع، من كتاب ((العين)) وشق أيضاً، والشدق: جانب الفم.
          و(التنور): هو الذي يخبز فيه، يقال: إنه في جميع اللغات كذلك(1).
          وقال علي بن أبي طالب في قوله: {وَفَارَ التَّنُّورُ} [هود:40] أي: وجه الأرض، وذكر عنه أيضاً: وطلع الفجر، كأنه يذهب إلى تنور الصبح. قال مجاهد: هو تنور الحافرة. وقال الداودي: التنور: الحفير في الأرض يوقد فيه، قال: ولعل ذلك التنور على جهنم.
          وفيه دليل أن بعض الأشقياء يعذبون في البرزخ وهو ما بين الموت إلى النفخة الأولى.
          واللغط صوت وضجة لا يفهم معناها. قال الجوهري: اللغط بالتحريك: الصوت والجلبة، وقد لغطوا لغطاً ولغط ولغاطاً.
          واللهب: لهب النار، وهو لسانها، وقال الداودي: هو شدة الوقيد والاشتعال.
          قوله: (ضوضوا) أي: ضجوا وصاحوا، قال الجوهري: وهو غير مهموز، أصله ضوضووا واستثقلت الضمة على الواو فحذفت فاجتمع ساكنان فحذفت الواو الأولى؛ لاجتماع الساكنين. والضوضاء أصوات الناس وجلبتهم، وضبط: ضوضئوا بالهمز، في بعض الكتب. قال القاضي عياض: الضوضاة، والضوضاء ممدود، والضوء على وزن الجنة ارتفاع الأصوات والجلبة ويقال: بالبعير ضواة؛ أي: سلعة، والضوي: الهزال.
          وفغر فاه يفغر إذا فتحه، يقال: فغر فاه وفغر فوه يتعدى ولا يتعدى.
          قوله: (فيلقمه حجرا) هو بضم الياء رباعي من اللقم.
          قوله: (فأتينا على رجل كريه المرآة) أصله: المراية تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفاً ووزنه: مفعلة، بفتح الميم؛ أي: كريه المنظر.
          يقال: رجل حسن المرأى والمرآة، وحسن في مرآة العين، والمرآة بكسر الميم معروفة، نظرت في المرآة.
          قوله: (وإذا عنده نار له يحشها) أي: يحركها لتتقد، يقال: حششت النار أحشها حشًّا إذا وقدتها وجمعت الحطب إليها، وكل ما قوي بشيء فقد حش به، قاله صاحب ((العين)).
          قوله: (فأتينا على روضة معتمة) أي: وافية النبات، وهي بالعين المهملة الساكنة، ثم مثناة فوق، ثم ميم مشددة، كذا ضبطناه، يقال: أعتم إذا اكتمل، ونخلة عميمة: أي: طويلة، وكذلك الجارية. وقال الداودي: أي: غطاها الخصب والكلأ، كالعمامة على الرأس.
          قال ابن التين: وضبطناه بكسر التاء وتخفيف الميم، وما يظهر له وجه. وأورده ابن بطال: (مغنة) فقط بالغين المعجمة والنون ثم قال: قال ابن دريد: وادٍ أغن ومغن إذا كثر شجره، ولا يعرف الأصمعي إلا (أغن) وحده، قال صاحب ((العين)): روضة غناء كثيرة العشب والذباب وقرية غناء: كثيرة الأهل وواد أغن.
          و(النور) بفتح النون نوار الشجر؛ أي: زهره، نورت الشجرة: أخرجت نورها. وقال الداودي: والروضة من البقل والعشب وهي المكان المشرف المطمئن الأعلى الخصب.
          قوله: (وإذا بين ظهري الروضة) أي: وسطها، قال القزار: كل شيء متوسط بين شيئين فهو بين ظهرانيه / وظهريه.
          قوله: (فانتهينا إلى مدينة) سميت مدينة من قولهم: مدن بالمكان إذا أقام به. وهي فعيلة وتجمع على مدائن بالهمز، وقيل: هي مفعلة من ديت؛ أي: ملكت، فعلى هذا لا يهمز جمعها مثل: معايش، فإذا نسبت إلى مدينة الرسول ◙ قلت: مدني والي مدينة المنصور قلت: مديني والي مدينة كسرى. قلت: مدائني. للفرق بين النسب؛ لئلا تختلط.
          قوله: (مبنية بلبن ذهب) هو بفتح اللام وكسر الباء جمع: لبنة ككلمة وكلم، قال ابن السكيت: ومن العرب من يقول: لبنة ولبن مثل كبدة وكبد، وهي من الطين.
          قوله: (وشطر كأقبح ما أنت راء) الشطر: النصف.
          قوله: (كأن ماءه المحض في البياض) المحض: اللبن والخالص من كل شيء لم يخالطه الماء حلواً كان أو حامضاً، ولا يسمى محضاً إلا إذا كان كذلك، كل شيء أخلصته فقد محضته. وقال الدوادي: المحض: الشديد البياض. وقال صاحب ((العين)): المحض: اللبن الخالص بلا رغوة، قال: وكل شيء خالص فهو محض.
          قوله: (جنة عدن) أي: إقامة، ومنه سمي المعدن؛ لعدون ما فيه ولإقامة الناس عليه شتاء وصيفاً وكذا ضبطه الدمياطي.
          قوله: (صعدا) بضم الصاد وفتح العين وقال ابن التين: ورويناه أيضاً كذلك، وما رأيت له وجهاً، وإنما هو بضم الصاد وفتح العين والمد؛ أي: ارتفع كثيراً، ومنه تنفس الصعداء؛ أي: تنفس تنفساً ممدوداً.
          قوله: (فإذا بقصر مثل الربابة البيضاء) الربابة بالفتح: السحابة التي ركب بعضها بعضاً. قاله الخطابي، قال صاحب ((العين)): الرباب: السحاب، واحدتها: ربابة، وقال الجوهري: الرباب بالفتح: سحاب أبيض، ويقال: إنه السحاب الذي تراه كأنه دون السحاب، قد يكون أبيض وقد يكون أسود، الواحدة: ربابة، ومنه سميت المرأة: الرباب.
          وقال الداودي: الربابة: السحابة البعيدة في السماء.
          قوله: (ذراني فأدخله) أي: دعاني، وأصله: اذرواني، فحذفت الواو فتحرك أول الفعل، واستغني عن ألف الوصل، وأصل هذا الفعل: (وذر) مثل علم، ولكنه أميت فلا يقال: وذره ولا واذرٌ، فاستغني عنه بـ(تركٌ وتاركٌ).
          قوله: (أما الرجل الذي يثلغ رأسه [بالحجر] فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه) هو بكسر الفاء. قال ابن التين: وكذا رويناه. قال الجوهري(2): الرفض: الترك، يقال: رفضه يرفضه ويرفضه رفضاً ورفضاً، ومنه سميت فرقة من الشيعة الرافضة لتركهم زيد بن علي بن أبي طالب.
          قوله: (وأما الرجل الطويل الذي في الروضة) إلى آخره فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال: ((وأولاد المشركين)) ظاهر هذا إلحاقهم بهم في حكم الآخرة، وإن كان قد حكم لهم بحكم آبائهم في الدنيا حيث قال في ذراريهم: ((هم من آبائهم)). وهذا هو المختار، وإن كان الخطابي قال: عامة المسلمين على أنهم كآبائهم، قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8-9] وقال: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ} [الإنسان:19] قيل في التفسير: إنهم أطفال المشركين، أي: لأن اسم الولدان مشتق من الولادة، ولا ولادة في الجنة. وقيل: كما كانوا سبياً وخدماً للمسلمين في الدنيا فكذلك هم في الجنة واحتج كل فريق بحديث واه، وقيل في الجمع بين الأحاديث: وإن أصل جميعها: ((الله أعلم بما كانوا عاملين))، والحديث الذي فيه: ((تؤجج لهم نار من اقتحمها دخل الجنة ومن لم يقتحمها دخل النار)) فإذا كان من أهل الجنة هو فيها خادم لهم، وإلا فهو مع أبيه في الهاوية، فتتفق الأحاديث؛ لأن علم الله تعالى بعد كل شيء(3).
          قال والدي ⌂:
          (باب من لم ير الرؤيا المعتبر في قول العابرين).
          قول (العابر الأول) فقيل ذلك إذا كان مصيباً في وجه العبارة، أما إذا لم يصب فلا إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب فمعنى الترجمة باب من لم يعتقد أن تفسير الرؤيا هو للعابر الأول إذا كان مخطئاً، ولهذا قال صلعم للصديق: ((أخطأت بعضاً)).
          قوله: (ظلة) بالضم السحابة، و(تنطف) بالضم والكسر تقطر، و(يتكففون) يأخذون بالأكف منها ويبسطونها إليه للأخذ فمنهم المستكثر في الأخذ ومنهم المستقل فيه، و(السبب) هو الحبل، و(الواصل) من الوصول وقيل: هو بمعنى الموصول كقوله تعالى: {عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [الحاقة:21]، و(بأبي) أي: مفدى بأبي أنت، و(تدعني) أي: تتركني وينقطع به بلفظ المعروف وفي بعضها بالمجهول يقال: انقطع به مجهولاً إذا عجز عن سفره.
          قوله: (أخطأت بعضا) اختلف في بعض / الخطأ فقيل هو تعبيره الشين أي: السمن والعسل بالشيء الواحد وهو القرآن وكان حقه أن يعبرهما بالكتاب والسنة لأنها بيان الكتاب الذي أنزل عليه وبها تتم الأحكام كتمام اللذة بهما وقيل خطؤه هو التعبير بحضرته صلعم وقيل: هو ذكر ثم يوصل له إذ ليس في الرؤيا إلا الوصل وهو قد يكون لغيره فكان ينبغي أن يقف حيث وقف الرؤيا ويقول ثم يوصل ولا يقول له وقيل الخطأ سؤاله لتعبيرها.
          فإن قلت: لم يبين رسول الله صلعم موضع الخطأ فلم تبينون أنتم؟ قلت: هذه احتمالات لا جزم فيها أو كان يلزم في بيانه مفاسد للناس واليوم زال ذلك.
          قوله: (لا تقسم) فإن قلت: قد أمر صلعم بإبرار القسم؟ قلت: ذلك مخصوص بما لم يكن فيه مفسدة وهاهنا لو أبره يلزم مفاسد مثل بيان قتل عثمان ونحوه أو بما يجوز الاطلاع عليه بأن لا يكون من أمر الغيب ونحوه أو بما لا يستلزم توبيخاً على أحد بين الناس بالإنكار مثلاً على مبادرته أو على ترك تعبير الرجال الذين يأخذون بالسبب، وكان في بيانه صلعم أعيانهم مفاسد.
          وفيه جواز عبر الرؤيا وأن عابرها قد يخطئ وقد يصيب وأن العالم يسكت عن التعبير إذا خشي منه فتنة على الناس.
          قوله: (مؤمل) بلفظ مفعول التأميل ابن هشام البصري ختن إسماعيل بن إبراهيم المشهور بابن علية بضم المهملة وفتح اللام الخفيفة وشدة التحتانية، و(عوف) بالفاء المشهور بالأعرابي، و(أبو رجاء) ضد الخوف عمران العطاردي، و(سمرة) بفتح المهملة وضم الميم ابن جندب بضم الجيم وإسكان النون وفتح المهملة وضمها.
          قوله: (ذات غداة) لفظ الذات مقحم أو هو من إضافة المسمى إلى اسمه، و(آتيان) بلفظ مثنى فاعل الإتيان، و(يثلغ) بالفتح من الثلغ بالمثلثة والمعجمة وهو الكسر، و(تدهده) بالمهملتين تدحرج، و(فيتبع) من الإتباع وفي بعضها فيضيع، و(الكلوب) بالفتح وضم اللام الشديدة وبضم الكاف، و(يشرشر) مضارع الشرشرة بتكرار المعجمة والراء التقطيع والشق.
          فإن قلت: مر الحديث في آخر الجنائز وكأن قصة صاحب الكلوب مقدمة على قصة الصخر وأيضاً قال في الأولى فإذا رجل مضطجع على قفاه وفي الثانية فإذا رجل جالس عكس هذه الرواية وفيه مخالفة ثالثة وهي أنه قال مضطجع بدل جالس؟ قلت: الواو ليس للترتيب ولعل الرجلين كانا مضطربين واختلفت حالاتهما فتارة يستلقي وتارة يقوم وتارة يجلس وتارة يضطجع ونحو ذلك كما هو عادة من به قلق وألم.
          قوله: (التنور) قالوا هذه الكلمة مما توافق فيها اللغات، و(اللَّغط) الصوت والجلبة، و(ضوضوا) بفتح المعجمتين وسكون الواوين بلفظ الماضي أي: صاحوا، و(يفغر) بالفاء وفتح المعجمة أي: يفتح، و(المرآة) بفتح الميم وإسكان الراء وبالمد المنظر، و(يحشها) بضم المهملة وبإعجام الشين يوقد النار، و(معتمة) بلفظ المفعول من الإعتام بالمهملة وهو طول النبات وكثرته، و(بين ظهري الروضة) أي بين الروضة بلفظ الظهر مقحم أو مزيد للتأكيد، وبيان أنه كمجلس فيه ازدحام الناس بحيث يصير الشخص فيه بين الظهرين.
          قوله: (قط) فإن قلت: شرطه أن لا يستعمل إلا في الماضي المنفي فما وجهه هنا؟ قلت: قال ابن مالك: جاز استعماله في المثبت والنحاة غفلوا عن ذلك.
          أقول: يحتمل أنه اكتفى بالنفي الذي يلزم من التركيب إذ معناه ما رأيته أكثر من ذلك أو يقال أن المنفي مقدر، ومر تحقيقه في صلاة الخسوف حيث قال فصلى بأطول قيام رأيته قط.
          و(الشطر) النصف أو البعض، و(المخض) بالمعجمتين اللبن الخالص الذي لا يشوبه شيء من الماء.
          قوله: (صُعُدا) بضم الصاد والعين المهملتين بمعنى الصاعد، و(الربابة) بخفة الموحدة الأولى السحابة، و(يرفضه) بالمعجمة يتركه، و(غدا) أي: طلع مبكراً من بيته وفائدة ذكره أنه في تلك الكذبة مختار لا إكراه ولا إلجاء له عليها.
          قوله: (الزناة) ومناسبة العرى للزنا لكونهما فضيحة والزاني يطلب الخلوة كالتنور وهو خائف حذر وقت الزنا كأن تحته النار، و(على الفطرة) أي: على الطريقة المستقيمة.
          قوله: (وأولاد المشركين) ظاهره أنه صلعم ألحقهم بأولاد المسلمين في حكم الآخرة وإن كان قد حكم لهم بحكم آبائهم في الدنيا وللعلماء فيهم اختلاف تقدم في الجنائز.
          قوله: (كان شطر منهم حسنا) في بعضها: كانوا شطر منهم حسن وجهه إن كان تامة والجملة حال وإن كان بدون الواو كقوله تعالى: {اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة:36].
          فإن قلت: قال في حق منزل هؤلاء لم أر روضة / أعظم وأحسن فيلزم منه أن يكون منزلهم أحسن من منزل إبراهيم ◙؟ قلت: ما نص على أنها منزلهم وتلك منزلة بل فيه إشارة إلى أنه الأصل في الملة وهو أولهم ومن بعده تابع له وبممره يدخلون الجنة، وأيضاً ذلك لسيدنا محمد صلعم فلا محذور في أن يكون أحسن وأمته فيها بالتبعية لا بالاستقلال.
          و(تجاوز الله) في بعضها: فتجاوز الله عنهم، اللهم تجاوز عنا بكرمك.
          الزركشي:
          (الظلة) السحابة، وكل شيء فوقك فقد ظلك.
          (ينطف) بضم الطاء وكسرها: يقطر.
          (والسبب) الحبل، والآخذون بالسبب الخلفاء، والذي انقطع به ووصل له هو عمر؛ لأنه لما قتل وَصَل له بأهل الشورى ولعثمان، والله أعلم بما خفي على أبي بكر من ذلك حتى نسبه النبي صلعم إلى الخطأ.
          وقيل: صوبه في تأويل الرؤيا وخطأه في التعبير بحضوره صلعم.
          وقيل: أخطأ حيث عبر عن السمن والعسل قرآن فقط، وهما شيئان، فإن من حقه أن يقول: قرآن وسنة لأنها للكتاب المنزلة عليه.
          وفي قوله: ((لا تقسم)) دليل على أن إبرار القسم إنما يلزم فيما يجوز الاطلاع عليه دون ما لا يجوز، ألا تراه منعه العلم فيما اتصل بأمر الغيب الذي لم يجز الاطلاع عليه.
          (فابتعثاني) يقال: بعثت وابتعثت إذا أثاره وأذهبه.
          (روضة معتمة) أي: تامة النبات.
          (والعميم) الطويل.
          (والنور) بفتح النون: زهرة.
          (المحض) اللبن الخالص بلا رغوة.
          (صعدا) أي: صعوداً وارتفاعاً.
          (الربابة) بالفتح: السحابة التي ركب بعضها على بعض، وجمعها: الربائب، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (هذا منزلك) قيل في هذا الحديث أنه صلعم رفع بعد موته إلى الجنة لكن قوله صلعم: ((أنا أول ما تنشق عنه الأرض)) يشعر بأنه في قبره الشريف ولا يبعد أن لروحه الشريفة انتقالات من مكان إلى مكان وتصرفات في الكون كيف شاء الله كل آن.
          قوله: (وأولاد المشركين) اختلفت الآية في هذه المسألة قديماً وحديثاً وهي مسألة الولدان الذين ماتوا وهم صغار وآباؤهم كفار ماذا حكمهم؟ وكذلك المجنون والأصم والشيخ الخرف، ومن مات في الفترة ولم يبلغه دعوة، وقد وردت أحاديث في شأنهم: فمن العلماء من توقف منهم أبو حنيفة ☺ وقد توقف في سبع مسائل أخر ذكرتها قبل هذا في مواضع، ومنهم من جزم لهم بالجنة ومنهم من جزم لهم بالنار ومنهم من ذهب أنهم يمتحنون يوم القيامة في العرصات فمن أطاع دخل الجنة وانكشف علم الله فيه سابق السعادة، ومن عصى دخل النار داحراً وانكشف علم الله فيه بسابق السعادة، وهذا القول يجمع بين الأدلة كلها وقد سلف قريباً نحو هذا في كلام ابن الملقن ⌂.
          وأما أطفال المؤمنين فلا خلاف أنهم من أهل الجنة وحكي عن الإمام أحمد أنه قال: لا يختلف بينهم أنهم من أهل الجنة وهو المشهور.
          قوله: (لا تقسم) قيل إن الرائي إذا قال: رأيت ظلة تنطف السمن والعسل، ففسره الصديق بالقرآن حلاوته ولبنه، وهذا إنما هو تفسير العسل وترك تفسير السمن وتفسيره السنة وكان حقه أن يقول القرآن والسنة وقيل: الخطأ وقع في خلع عثمان، فإن الصديق فسره بأنه يأخذ به رجل فيتقطع به ثم يوصل له فيعلو وعثمان قد خلع فهو ما وصل وولى غيره فالصواب في تفسيره أن يحمل على ولاية غيره من قومه.
          أقول: وقبل الخطأ أنه ما ترك النبي صلعم تعيرها وعيرها هو بحضرته.
          أقول: فإن قلت: لم لما أقسم عليه أبو بكر أن يبين له الخطأ فما عبره فقال له: لا تقسم وأبو بكر كان مسترشداً مستنقذاً متعلماً بين يديه ◙؟ قلت: لم يرد صلعم أن يبين خطأه بين الصحابة إكراماً له، فإنه كان من العابرين للرؤيا بينهم فربما لو بين خطأه في تعبيره ساء اعتقادهم فيه وظنوا عدم معرفته بالتعبير فصيانة له من ذلك لم يبين خطأه وأيضاً لو بين له خطأه لزم منه أن يبين تفسير جميع الأمور المذكورة في المنام، والنبي صلعم أراد عدم إظهار بعضها مثل قتل عمر وعثمان ونحو ذلك.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: وكذلك الصابون والدهون والقلم والدواة والطست والإبريق)).
[2] في المخطوط: ((قال ابن التين)) ولعل الصواب ما أثبتناه.
[3] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: قد قال في الحديث كل مولود يولد على الفطرة وفسره: فطرة الله التي فطر الناس عليها بالصغير على الفطرة وهو تعد ثم قلت ولا حي ما يوجب دخول النار فكيف يدخل النار؟ قلت: والله أعلم أن الله تعالى كما عذب الكفار أبد الآباد مع كفرهم مثلاً سبعين سنة فهؤلاء أيضاً يعذبون بسبق علم الله بنياتهم أنهم لو بلغوا فعلوا فعل آبائهم، وكفروا كما كفروا وأقوى الأجوبة: فلا يسأل رب العزة عما يفعل)).