مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب من رأى النبي في المنام

          ░10▒ باب من رأى النبي صلعم
          فيه حديث أبي هريرة: ((من رآني في المنام فسيراني)) الحديث.
          وحديث أنس: ((من رآني في المنام فقد رآني)).
          وحديث أبي قتادة: ((الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان)).
          وفي رواية: ((من رآني فقد رأى الحق)) تابعه يونس إلى آخره.
          هذه المتابعة أخرجها (م)، عن أبي خيثمة: ثنا يعقوب بن إبراهيم عنه فثنا عمر فذكره.
          وفي ((الأوسط)) للطبراني زيادة بعد: ((لا يتمثل بي)): ((ولا بالكعبة)) ثم قال: لا تحفظ هذه اللفظة إلا في هذا.
          وأخرجه (م) من طريق جابر بلفظ: ((من رآني في النوم فقد رآني، إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي)). وأخرجه (ت) من طريق ابن مسعود بلفظ: ((من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي)). وأخرجه (ق) من طريق أبي جحيفة بلفظ: ((من رآني في المنام فكأنما رآني في اليقظة، إن الشيطان لا يستطيع أن يتمثل بي)).
          قال ابن الباقلاني معناه: أنه رأى الحق وأن هذه رؤيا صحيحة ليست بأضغاث أحلام ولا من تشبهات الشيطان. يؤيده قوله: ((فقد رأى الحق)) أي: الرؤيا الصحيحة.
          وروينا في ((منام الفاسي)) أنه سأله عن هذا الحديث من طريق أبي هريرة فقال: صحيح، قد قلته، وليس على سنده غبار. فقلت: أرى صورة الرسول التي كان فيها أم أخرى شبيها بها، فأجاب بالثاني. قلت: وصورتك التي كنت فيها بالمدينة هي تحت التراب؟ قال: نعم، والروح روح الأنبياء خاصة، فأما ما عدا أرواحهم فخيال؛ لأنها محبوسة.
          قوله: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة)، أو (كأنما رآني في اليقظة) فإن كان المحفوظ: ((كأنما)) فتأويله مأخوذ مما تقدم وإن كان المحفوظ ((فسيراني في اليقظة)) فيحتمل أن يريد أهل عصره ممن لم يهاجر إليه، ويكون الباري جعل رؤيته مناماً علماً على ذلك بوحي إليه.
          وقال ابن بطال: يعني تصديق تلك الرؤيا في اليقظة، وصحتها وخروجها على الحق؛ لأنه ◙ سيراه يوم القيامة في اليقظة جميع أمته، من رآه في النوم ومن لم يره منهم. قال: وهذا إخبار منه عن الغيب، وأن الله منع الشيطان أن يتصور على صورته. وقيل معناه: يراه في الآخرة رؤيا خاصة في القرب منه وحصول شفاعته، ونحو ذلك حكاه النووي، وقال القزاز: يريد من آمن به قبل ذلك، ولم يره بكونه حينئذ غائباً عنه فيكون هذا مبشراً لكل من آمن به ولم يره؛ لأنه لا بد أن يراه في اليقظة قبل موته.
          وقال الداودي عن بعض العلماء: معنى ((من رآني في المنام)) أي: على صورته، قالوا: لأنه قد يراه البر والفاجر، والخبر فيه لا يؤخذ خلافه.
          ومعنى: (لا يتمثل بي): لا يتشبه. كما جاء في رواية: ((أنى لا يكون في صورتي)) وكذا قوله: ((لا يتكونني)) أي: لا يكون في مثل صورتي فقد منعه الله من ذلك. وقال القاضي: يحتمل أن يكون ذلك إذا رآه على الصفة المعروفة له في حياته، فإن رأى على خلافها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة.
          (وضعفه النووي وقال: الصحيح أنه يراه حقيقة) سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها. كما ذكره المازري.
          ذكر أبو الحسن علي بن أبي طالب في ((مدخله الكبير)) أن رؤية سيدنا رسول الله تدل على الخصب، والإمطار، وكثرة الرحمة، ونصر المجاهدين، وظهور الدين، وظفر الغزاة والمقاتلين، ودمار الكفار، وظفر المسلمين بهم، وصحة الدين / إذا رئي في الصفات المحفوفة، وربما دل على الحوادث في الدين وظهور الفتن والبدع إذا رئي في الصفات المكروهة، وقد يعبر به عن الباري تعالى؛ لأنه قرن طاعته بطاعته.