مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الرؤيا من الله

          ░3▒ باب الرؤيا من الله
          فيه حديث أبي قتادة، عن النبي صلعم قال: ((الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان)).
          وحديث أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي صلعم يقول: ((إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله)) الحديث.
          الحلم بضم الحاء واللام، قال ابن التين: كذا قرأناه.
          وفي ضبط ((الصحاح)) بسكون اللام وهو ما يراه النائم، وقال بعض العلماء: هو الأمر الفظيع زاد في الباب بعده: ((فإذا حلم أحدكم)) إلى آخره. حلم بفتح الحاء واللام كضرب يقول: حلمت بكذا، وحلمته. قال ابن السيد في ((مثلثه)): ويجمع أحلاماً لا غير.
          وقال ابن سيده: الحلم والحلم: الرؤيا، وقد حلم في نومه يحلم حلماً واحتلم، وتحلم الحلم: استعمله، وحلم به وعنه، وتحلم عنه: رأى له رؤيا أو رآه في النوم، وهو الحلم والاحتلام، والاسم الحلم.
          وقال ابن خالويه: قولهم أحلام نائم هي ثياب غلاظ. وقال الزمخشري: الحالم: النائم يرى في منامه شيئاً، فإذا لم ير شيئاً فليس بحالم قال: والعامة تقول: حلمت في النوم. وهي لغة لقيس على ما ذكره أبو زيد.
          وقال الزجاج: الحلم بالضم ليس بمصدر وإنما هو اسم.
          وقال الزبيدي في ((نوادره)): يقال: قد حلم الرجل في نومه، فهو يحلم حلماً بالضم، وبعض العرب تخفف فتقول حلماً وهم تميم، والحلم بالكسر: الأناة، يقال منه: حلم بضم اللام.
          فإن قلت: ما معنى الحديث وقد تقرر أن لا خالق للخير والشر غير الله، وأن كل شيء بقدره وخلقه، فالجواب: أنه ◙ سمى رؤيا من خلص من الأضغاث وكان صادقاً تأويله موافقاً لما في اللوح المحفوظ فحسنت إضافته إلى الله، وسمى الرؤيا الكاذبة التي هي من خبر الأضغاث حلماً وأضافها إلى الشيطان، إذ كانت مخلوقة على شاكلته وطبعه؛ ليعلم الناس مكائده فلا يحزنون لها ولا يتعذبون بها، وإنما سميت ضغثاً؛ لأن فيها أشياء متضادة، والدليل على أنه لا يضاف إلى الله إلا الشيء الطيب الطاهر وقوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر:42] أي: أوليائي، فأضافهم إلى نفسه؛ لأنهم أولياؤه، ومعلوم أن غير أوليائه عباد لله أيضاً. وقال تعالى: {فَإِذَا [سَوَّيْتُهُ وَ]نَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} [الحجر:29]، {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج:26]، وقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ} [البقرة:257] فأضافهم إلى ما هم أهله، فإن كان الكل خلقه وعبيده و{مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود:56] وإن كان المحزن من الأحلام مضافاً إلى الشيطان في الأغلب، وقد يكون المحزن في النادر من الله، لكن الحكمة بالغة وهو أن ينذر بوقوع المحزن من الأحلام بالصبر، لوقوع ذلك الشيء، لئلا يقع على غرة فيقتل، فإذا وقع على مقدمة وتوطين نفس كان أقوى للنفس وأبعد لها من أذى البغتة.
          وقال: ((فإنها لا تضره)) يعني: بها ما كان من قبل الشيطان جعل الله سبحانه الاستعاذة منها ما يدفع به أذاها، ألا ترى قول أبي قتادة كما يأتي: إن كنت لأرى الرؤيا هي أثقل علي من الجبل، فلما سمعت بهذا الحديث كنت لا أعدها شيئاً.