مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب القيد في المنام

          ░26▒ باب القيد في المنام
          فيه حديث عوف، عن محمد بن سيرين أنه سمع أبا هريرة يقول.. الحديث.
          كأن المراد بقوله: (وأدرجه بعضهم كله في الحديث) أي: نسبه إلى رسول الله أيوب بن أبي تميمة، فإن (م) أخرجه عن محمد ابن أبي عمر: ثنا عبد الوهاب الثقفي، عنه، عن ابن سيرين كله. قال: ولا تحدث بها الناس. قال: وأحب القيد وأكره الغل، والقيد ثبات في الدين، فلا أدري أهو في الحديث أم قاله ابن سيرين؟ ثم قال: وثنا محمد بن رافع.. إلى آخره.
          وقال في الحديث: قال أبو هريرة: فيعجبني القيد وأكره الغل، والقيد ثبات في الدين. وحدثني أبو الربيع، ثنا حماد بسنده، عن أبي هريرة وساق الحديث ولم يذكر فيه رسول الله.
          وأخرج (ت) وقال: صحيح من حديث سعيد عن قتادة عن أبي هريرة رفعه الرؤيا ثلاث إلى آخره.
          قال المهلب: وروي عن رسول الله: ((القيد ثبات في الدين)) / من رواية قتادة ويونس وغيرهم. وتفسير ذلك أنه يمنع الخطايا ويصد عنها.
          والقيد ينصرف على وجوه: فمن رآه في رجله وهو مسافر أقام بذلك الموضع إلا أن يرى ذلك قد حل عنه، وكذلك من رأى قيداً في رجله في مسجد أو في موضع ينسب إلى الخير فإنه دين ولزوم لطاعة ربه وعبادة له، فإن رآه مريض أو مسجون أو مكروب فهو طول بقائه فيه، وكذلك إن رآه صاحب دنيا فهو طول بقائه فيها.
          وكره الغل؛ لأن الله تعالى أخبر أنه من صفات أهل النار، فقال: {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} الآية [غافر:71]، فقد يدل على الكفر وقد يكون الغل امرأة سوء، تشين حليلها، ويدل الغل على الولايات إذ كانت معه قرائن، كما روي أن كل وال يحشر مغلولاً حتى يطلقه عدله.
          ومعنى: (اقترب الزمان) فيه أقوال: إذا دنا قيام الساعة، قال ابن بطال: معناه والله أعلم: إذا اقتربت الساعة، وقبض أكثر أهل العلم، ودرست معالم الديانة بالهرج والفتنة، فكان الناس على فترة من الرسل يحتاجون إلى مذكر ومجدد لما درس من الدين، كما كانت الأمم قبلنا تذكر بالنبوة، فلما كان نبينا ◙ خاتم الرسل وما بعده من الزمان ما يشبه الفترة عوضوا ما يمنع عن النبوة بعده بالرؤيا الصادقة التي هي جزء من كذا الآتية بالتبشير والإنذار.
          ثانيها: قاله أبو داود، معناه تقارب زمان الليل والنهار وقت استوائهما أيام الربيع، وذلك عند اعتدال الليل وإدراك الثمار وبيعها، والمعبرون يزعمون أن أصدق الأزمان لوقوع التعبير انفتاق الأنوار، ووقت بيع الثمار وإدراكها، وهما الوقتان اللذان يتقارب الزمان فيهما، ويعتدل الليل والنهار.
          قال ابن بطال: والأول هو الصواب الذي أراده الشارع؛ لأنه قد روي مرفوعاً عنه من طريق معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة رفعه: ((في آخر الزمان لا تكذب رؤيا المؤمن، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً)).
          ثالثها: تقصر الساعات والأيام والليالي، ذكره الداودي في تفسير قوله ◙: ((يتقارب الزمان وينقص العلم)).
          وأما قول ابن سيرين: (أنا أقول: هذه الأمة) فتأويله والله أعلم أنه لما كان عنده معنى قوله: ((رؤيا المؤمن..)) إلى آخره، ويراد به رؤيا الرجل الصالح؛ لقوله ◙: ((الرؤيا الحسنة يراها الرجل الصالح)).. الحديث، وقال: ((إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن)).
          خشي ابن سيرين أن يتأول معناه أن عند تقارب الزمان لا تصدق إلا رؤيا الصالح المستكمل الإيمان خاصة، فقال: (وأنا أقول: هذه الأمة)، أنه تصدق رؤيا هذه الأمة كلها؛ صالحها وفاجرها، فيكون صدق رؤياهم [ز]اجراً لهم وحجة عليهم لدروس أعلام الدين، وطمس آثاره بموت العلماء وظهور المنكر.
          وما ذكرته من قولهم: (الأمة) بعد هذه كذا في كتاب ابن بطال أصلاً وشرحاً، والذي في الأصول حذف لفظ (الأمة) كما سقته. وقد قال الخطيب: إن الإدراج إنما هو من قول محمد لا من قول غيره خلاف ما سلف عن (ت)، فكأن محمداً قال لما انتهى الحديث المرفوع: وأنا أقول هذه المقالة. وهو أوضح مما ذكره ابن بطال.
          وقول (خ): لا تكون الأغلال إلا في الأعناق كأنه أراد أصله، فقد قال ابن سيده في ((مجمله)) وغيره: الغل جامعة توضع في العنق أو اليد، والجمع: أغلال لا يكسر على غير ذلك. وفي ((الجامع)): واليد مغلولة أي: مجعولة في الغل.