مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: إذا طار الشيء في المنام

          ░38▒ باب إذا طار الشيء في المنام
          فيه حديث ابن عباس عن رسول الله: ((بينا أنا نائم رأيت أنه وضع في يدي إسواران..)) الحديث.
          وسلف مطولاً في قصة العنسي الكذاب في أواخر المغازي، وفي علامات النبوة.
          وابن نشيط في إسناده هو عبد الله بن عبيدة بن نشيط، أخو موسى بن عبيدة، يقال: بينهما في الولاية ثمانون سنة، وعبد الله الأكبر، قتله الحرورية بقديد سنة ثلاثين ومائة. ويقال فيهما: البريذي القرشي العامري مولاهم، وينسبون إلى اليمن أيضاً.
          قوله: (ففظعتهما) هو بكسر الظاء قال ابن التين: وكذا رويناه، يقال: فظع الأمر فظاعة، وأفظع اشتد. وفظعت بالأمر وأفظعني: اشتد علي.
          قوله: (أسواران) كذا وقع هنا بالألف، وفيما سلف، ويأتي بدونها، وهو الأكثر عند أهل اللغة، كما قاله ابن بطال وقال ابن التين في باب: النفخ.
          قوله: (فوضع في يدي سوارين) كذا عند الشيخ أبي الحسن، وعند غيره: ((إسواران)) وهو الصواب، وقد وقع في الشعر:
ولو ولدت قفيرة جرو كلب                     لسب بذلك الجرو الكلابا
          والكلاب: منصوب بـ(ولدت جرو كلب) نصب تأكيد، والتقدير: ولو ولدت قفيرة الكلاب ما جرو كلب.. إلى آخره. وقيل: لسُب السب، قلت: والذي في الأصول ((سواران)) بحذف الألف هناك كما ستعلمه، وإن كان ابن بطال ذكره بإثباتها قال أبو عبيدة: سوار المرأة وسوارها، يعني: بالضم والكسر.
          قال أبو علي الفارسي: وحكى قطرب إسوار، وذكر أن أساور جمع: إسوار على حذف الياء؛ لأن جمع إسوار: أساوير.
          قال المهلب: وهذه الرؤيا ليست على وجهها، وإنما هي على ضرب المثل، وإنما أولها بالكذابين؛ لأن الكذب إنما هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو به ووضعه في غير موضعه، فلما رآهما في ذراعيه وليسا موضعاً للسوارين؛ لأنهما ليسا من حلية الرجال علم أنه سيقبض على يدي رسول الله يعني: على أوامره ونواهيه من يدعي ما ليس له كما وضعنا، حيث ليس لهما.
          وكونهما من ذهب والذهب منهي عنه في الدين دليل على الكذب من وجوه: وضع الشيء في غير موضعه، وكون الذهب مستعملاً في الرجال وهو منهي عنه، ومنه يشتق الذهاب فعلم أنه شيء يذهب عنه ولا يبقى.
          ثم وكد له الأمر فأذن له في نفخهما فطارا عبارة أنهما لا يثبت لهما أمر، وأن كلامه ◙ بالوحي الذي جاء به يزيلهما عن موضعهما الذي قاما فيه، والنفخ دليل على الكلام وعلى إزالة الشيء المنفوخ فيه، وإذهابه بغير كلفة شديدة؛ لسهولة النفخ على النافخ، وكذلك كان أذهب الله ذينك الكذابين بكلامه.