مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب رؤيا أهل السجون والفساد والشرك

          ░9▒ باب رؤيا أهل السجون والفساد والشرك
          لقوله تعالى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ} الآية [يوسف:36]، ثم ساق حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((لو لبثت في السجن ما لبث)) الحديث.
          إنما ترجم بهذا لجواز أن يكون في رؤيا أهل الشرك رؤيا صالحة كما كانت رؤيا الفتيين صادقة، إلا أنه لا يجوز أن يضاف إلى النبوة إضافة رؤيا المؤمن إلى المؤمن في التجزئة؛ لقوله ◙: ((الرؤيا الحسنة يراها العبد الصالح أو ترى له جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)) فدل هذا أنه ليس كل ما يصح له تأويل من الرؤيا وله حقيقة تكون جزءاً من ذلك.
          قال أبو الحسن ابن أبي طالب: وفي صدق رؤيا الفتيين حجة على من زعم أن الكافر لا يرى رؤيا صادقة.
          فإن قلت: فإذا صدقت رؤياه فما ميز به المسلم عليه في رؤياه. وما معنى خصوصيته ◙ المؤمن بالرؤيا الصالحة في قوله: ((يراها الرجل الصالح أو ترى له)) فالجواب: أن لمنام المؤمن مزية على منام الكافر في الإنباء والإعلام والفضل والإكرام، وذلك أن المؤمن يجوز أن يبشر على إحسانه، وينبأ بقبول أعماله ويحذر من ذنب عمله ويردع عن سوء قد أمله، وجواز أن يبشر بنعيم الدنيا وينبأ ببؤسها، والكافر وإن جاز أن يحذر ويتوعد على كفره، فليس عنده ما عند المؤمن من الأعمال الموجبة لثواب الآخرة، وكل ما بشر به الكافر من حاله وغبط به من أعماله فذلك غرور من عدوه، ولطف من مكائده فنقص لذلك حظه من الرؤيا الصادقة عن حظ المؤمن؛ لأن الشارع حين قال: ((رؤيا المؤمن))، و((رؤيا الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)) / لم يذكر في ذلك كافراً ولا مبتدعاً فأخرجنا لذلك ما يراه الكافر من هذا التقدير والتجريد لما في الأخبار من صريح الشرط لرؤيا المؤمن، وأدخلنا ما يراه الكافر من صالح الرؤيا في خبره المطلق ((الرؤيا من الله)) إذ لم يشترط فيه مؤمناً ولا غيره فقلنا لذلك: ما صدق من منامات الكفار فهي من الله، ولم يقل كذا ولا كذا من النبوة سيما أن الأشعري وابن الطيب يريان أن جميع ما يرى في المنام من حق أو باطل خلق الله، فما كان منه صادقاً خلقه بحضور الملك، وإلا فبحضور الشيطان فيضاف بذلك إليه.
          فإن قلت: يجوز أن يسمى ما يراه الكافر صالحاً قيل: نعم وبشارة أيضاً كانت الرؤيا له أو لغيره من المؤمنين؛ لقوله ◙: ((الرؤيا الصالحة يراها الرجل [الصالح] أو ترى له)) فاحتمل هذا الكلام أن يراها الكافر لغيره من المؤمنين وهو صالح للمؤمنين، كما أن ما يراه الكافر بما يدل على هدايته وإيمانه فهو صالح له في عاقبته، وذلك حجة من الله عليه وزجر له في منامه، وقد أسلفنا أول الإيمان في حديث عائشة: أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة، أنها الصادقة؛ لأنها صالح ما يرى في المنام من الأضغاث وأباطيل الأحلام، وكما أنبأ الله الكفار في اليقظة بالرسل وبالمؤمنين من عباده دون المشركين من أعدائه قامت الحجة على المشركين بذلك إلى يوم الدين، فلذلك يجوز إنباؤهم في المنام مما يكون حجة عليهم أيضاً.
          قوله: (ثم أتاني الداعي) أي: رسول الملك ولكن أراد ليقوم له العذر وهو من تواضعه؛ لئلا يغلى في مدحه قال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح، وقولوا: عبد الله ورسوله)) ثم لم يمنعه هذا من ذكر ما خص به من السيادة، لقوله: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر))، لكن في حكم الأدب إذا ذكر الأنبياء والرسل أن يتواضع.
          وفيه الترفيع لشأن يوسف؛ لأنه حين دعي للإطلاق من السجن قال: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ} [يوسف:55]. ولم يرد الخروج منه إلا بعد أن تقر امرأة العزيز على نفسها أنها راودته عن نفسه، فأقرت وصدقته، وقالت: {أَنَاْ رَاوَدتُّهُ} الآية [يوسف:51]، فخرج حينئذ. قال ابن قتيبة: فوصفه بالأناة والصبر وأنه لم يخرج حين دعي، وقال: ((لو كنت مكانه ثم دعيت إلى ما دعي إليه من الخروج من السجن لأجبت ولم ألبث)) وهذا من حسن تواضعه؛ لأنه لو كان موضع يوسف فبادر وخرج لم يكن عليه نقص أو على يوسف لو خرج مع الرسول من السجن نقص، وإنما أراد أن يوسف لم يكن يستثقل محنة الله فيبادره ويتعجل ولكنه كان صابراً محتسباً.
          وفي هذا الحديث زيادة ذكرها في كتاب الأنبياء: ((نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى} [البقرة:260] ورحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن..)).. الحديث.
          وقد سلف شرحه في كتاب الأنبياء.
          قوله تعالى: {أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف:36] أي: عنبا أو عنب خمر أو ما يئول إليه كقوله: الحمد لله العلي المنان صار الثريد في رءوس العيدان يعني: السنبل، فسماه ثريداً؛ لأن الثريد منه.
          قوله: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} [يوسف:36] قيل: معناه: إنا نراك تحسن العبادة، وقيل: كان يعين المظلوم، وينصر الضعيف، ويعود المريض، ويوسع للرجال، فحاد عن جوابهما إلى غير ما سألاه عنه. قال: {لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ} الآية [يوسف:37]. قال ابن جريج: لم يرد أن يعبر لهما فحاد فلم يتركاه حتى عبرها. وقيل: أراد أن يعلمهما أنه نبي وأنه يعلمها بالغيب، فقال: {لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ} الآية ثم أعلمهما أن ذلك العلم من الله لا بكهانة ولا تنجم. فقال: {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} [يوسف:37] ثم أعلمهما أنه مؤمن قال: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} الآية [يوسف:37]، ثم دعاهما إلى الإسلام بعد فقال: {أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ} الآية [يوسف:39] ثم قال: {فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} [يوسف:41] أي: يكون على شراب الملك. قال ابن مسعود: لما عبر لهما الرؤيا، قالا: ما رأينا شيئاً، فقال: {قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} أي: وقع على ما قلت حقًّا كان أو باطلاً. والرب هنا: الملك، / وهو معروف في اللغة، يقال للسيد: رب.
          قوله: {فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} [يوسف:42]. قال مجاهد: نسي ◙ أن يسأل الله ويتضرع إليه حتى قال لأحد الفتيين ذلك. قال الحسن: مرفوعاً: ((لو قال يوسف ذلك ما لبث ما لبث)) ثم يبكي الحسن ويقول: نحن ينزل ربنا الأمر من السماء، فنسكن للناس.
          قوله: ({سَبْعٌ عِجَافٌ} [يوسف:43]) أي: بلغن النهاية في الهزال، ومعنى: أضغاث: أخلاط، يقال لكل مختلط من بقل أو حشيش أو غيرهما: ضغث؛ أي: هذه الرؤيا مختلطة ليست ببينة.
          ({وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}) [يوسف:49] أي: العنب والزبيب، قاله ابن عباس.
          وقيل: يعصرون. يمطرون، ومنه: {وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا} [النبأ:14].
          قوله: {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ} [يوسف:50] ولم يذكر امرأة العزيز فيهن حسن عشرة منه وأدب.