مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب القميص في المنام

          ░17▒ باب القميص في المنام
          فيه حديث أبي سعيد الخدري قال رسول الله: ((بينا أنا نائم)) الحديث ثم ترجم عليه: باب جر القميص في المنام.
          وأصل عبارته للقميص بالعلم في قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدبر:4] يريد صلاح العمل وتطهير الأحوال التي كانت أهل الجاهلية تستبيحها، هذا قول ابن عباس، والعرب تقول: فلان نقي الثوب إذا كان صالحاً في دينه.
          وفيه دليل على أن الرؤيا لا تخرج كلها على نص ما رتب عليه، وإنما تخرج على ضرب الأمثال، فضرب المثل على الدين بالقميص، وعلى الإيمان والعلم باللبن من أجل اشتراك ذلك في المعاني، وذلك أن القميص يستر العورات كما يستر الدين سيئ الأعمال التي كان الناس في حال الكفر يأتونها، وفي حال الجهل يقترفونها، وسلف أن باللبن حياة الأجسام كما أن بالعلم حياة القلوب.
          هذا وجه اشتباه المعاني في هذه الأمثال التي ضربت؛ لأن المثل يقتضي المماثلة، فإذا كان مثل لا مماثلة فيه لم يصح التعبير.
          فإن قلت: إذا كان التعبير يقتضي المماثلة فما وجه كون جر القميص في النوم حسن وجره في اليقظة منهي عنه وهو من الخيلاء؟
          فالجواب: أن القميص في الدنيا ستر وزينة كما سماه الله، وهو في الآخرة لباس التقوى، فلما كان في الدنيا حرم منها ما كان مخرجاً إلى الخيلاء والكبرياء التي لا يجمل لمخلوق مربوب ضعيف لاضطراره إلى مدبر يدبره ورازق يرزقه ودافع يدفع عنه ما لا امتناع له منه، ويحميه من الآفات. فوجب أن تكون تلك الزينة في الدنيا معروفة بدليل الذلة وعلامة العبودية.
          هذا معنى وجوب تقصيرها في الدنيا، ولما خلصت في الآخرة من أن يقترن بها كبر أو يخطر منه خاطر على قلب بشر حصلت لباس التقوى كما سماها الله، فحسن فيها الكمال والجر؛ ولفضولها على الأرض، ودل ذلك الفضل المجرور على بقايا من العلم والدين الذي يخلد بعده، فيكون أثراً باقياً خلفه، ولم يكن سبيل إلى أن يكون فيه من معنى الكبر شيء في ذلك الموطن، وليس هذا مما يحمل على أحوال الرائين، وإنما هو أبداً محمول على جوهر الشيء المرئي، فجوهر القميص في الدنيا بقرينة الجر له كبر وتعاظم، وجوهره في الآخرة بالعلم، والدين، وليس في الآخرة فيه تحليل ولا تحريم، وإنما يحمل الشيء على حال الرائي له إذا تنوع جوهر الشيء المرئي به أو فيه أو عليه في التفسير، وأكثر ما يكون ذلك في الدنيا لاختلاف أحوال أهلها، وقد يكون في الآخرة شيء من ذلك، وليس هذا منه.
          قوله: (فمنها ما يبلغ الثدي) ظاهره إطلاق الثدي على الرجل وقد سلف ما فيه.