مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب من كذب في حلمه

          ░45▒ باب من كذب في حلمه
          فيه حديث سفيان، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعاً: ((من تحلَّم بحُلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين، ولن يفعل، ومن استمع إلى حديث [قوم] وهم له كارهون.. الحديث)).
          قوله: (قال سفيان: وصله لنا أيوب) سفيان هو ابن عيينة، وقد وصله أيوب أيضاً لعبد الوهاب الثقفي عند (ت) وصححه، ولعبد الوارث عند ابن ماجه وإسحاق هو ابن شاهين، قاله البرقاني فيما وجده في كتاب الإسماعيلي، وأخرج (ن) التصوير من حديث عمرو بن علي عن عفان، عن همام، عن قتادة، عن عكرمة به مرفوعاً.
          وتعليق أبي هاشم أخرجه الإسماعيلي في ((صحيحه)) من حديث شعبة، عن أبي هاشم، عن عكرمة.
          وحديث خالد الموقوف أخرجه الإسماعيلي من حديث وهيب، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي صلعم قال: ((من صور صورة..)) الحديث.
          ومن حديث عبد الوهاب، ثنا خالد عن عكرمة فذكره مرفوعاً، وأبو هاشم اسمه: يحيى بن دينار، وهو واسطي أيضاً، كان ينزل قصر الرمان فنسب إليه، مات سنة اثنتين وعشرين ومائة.
          والآنك بضم النون: الرصاص الأبيض أو الأسود أو الخالص منه، ولم يجيء على أفعل واحد غير هذا، فأما آشد فمختلف فيه هل هو واحد أو جمع، وقيل: يحتمل أن يكون الآنك فاعلاً وهو أيضاً شاذ وجزم ابن بطال: بأنه الرصاص المذاب. زاد بعض شيوخنا أنه بالمد، وعبارة ((الصحاح)): الآنك الأشرب، وأفعل من أبنية الجمع، ولم يجيء عليه واحد إلا آنك وآنس.
          وقال ابن عزير: أشد جمع شد مثل فلس وأفلس، قال: ويقال: هو اسم واحد لا جمع له، مثل آنك وهو الرصاص والأشرب. وحكى ابن فارس عن معن أنه سمع أعرابيًّا يقول: هذا رصاص آنك؛ أي: خالص، قال: ولم نجد في كلام العرب أفعل غير هذا الحرف. وحكى الخليل أنه لم يجد أفعل إلا جمعاً غير آشد وقال الداودي: الآنك القزدير.
          قوله: (من أفرى الفرى) هو بكسر الفاء مقصور، وهو الكذب، يعني: أكذب الكذب، والفرية: الكذبة العظيمة التي يتعجب منها وجمعها: فراء مقصور مثل لحية ولحى.
          إن قلت: ما وجه خصوصية الكاذب في رؤياه / بما خصه به من تكليف العقد بين طرفي شعيرتين يوم القيامة؟ وهل الكاذب في الرؤيا إلا كالكاذب في اليقظة؟ وقد يكون الكذب في اليقظة أعظم في الجرم إذا كان شهادة توجب على المشهود عليه بها حدًّا، أو قتلاً أو مالاً يؤخذ منه وليس ذلك في كذبه في منامه؛ لأن ضرر ذلك عليه في منامه وحده دون غيره.
          قيل له: اختلفت حالتاهما في كذبهما؛ فكان الكاذب على عينيه في منامه أحق بأعظم النكالين؛ وذلك لتظاهر الأخبار عن رسول الله أن ((الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)) على ما سلف، لا يكون إلا وحيًا من الله، فكان معلوماً بذلك أن الكاذب في نومه كاذب على الله أنه يراه ما لم ير. والكاذب على الله أعظم فرية، وأولى بعظيم العقوبة من الكاذب على نفسه بما أتلف به حقًّا لغيره أو أوجبه عليه، وبذلك نطق محكم التنزيل فقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا} الآية [الأنعام:21] فأبان ذلك أن الكذب في الرؤيا ليس كاليقظة؛ لأن أحدهما كذب على الله والآخر كذب على المخلوقين.
          فإن قلت: [فما] الحكمة في ذكر الشعير دون غيره من أنواع الحبوب؟ قلت: سره لما كان المنام من الشعور وكذب فيه فناسب فيه ذكر الشعير دون غيره إعلاماً من لفظه.
          وفيه كما قال المهلب: حجة للأشعرية في تجويزهم تكليف ما لا يطاق، وفي التنزيل ما [يزيده] بياناً، وهو قوله تعالى: {يَوْمَ[يُكْشَفُ عَن سَاقٍ و]َيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم:42] ولله أن يفعل في عباده ما شاء، لا يسأل عما فعل، ومنع من ذلك الفقهاء والمعتزلة احتجاجاً بقوله: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286] قالوا: والآية والحديث وما أشبهه من أحكام الآخرة، وليست دار تكليف، وإنما هي دار مجازاة؛ فلا حجة لهم فيه؛ لأن الله قد أخبر في كتابه أنه لا يكلف نفساً من العبادات في الدنيا إلا وسعها، ولو كلفهم ما لا يقدرون عليه في الدنيا لكان في ذلك كون خبر الصادق على خلاف ما أخبر به، ولا يجوز النسخ في الأخبار ولا وقوعها على خلاف إخبار الله فلا تضاد إذاً.
          وأما الاستماع إلى حديث من لا يريد إسماعه فهو حرام عملاً بالحديث، وإن كان لا ضرر عليهم في استماعه إليهم، وله فيه نفع عظيم ديناً أو دنيا فلا، وإن كره ذلك المتحدثون لكن المستمع لا يعلم هل له فيه نفع إلا بعد استماعه إليه، وبعد دخوله فيما كره له الشارع فغير جائز له ذلك لنهيه ◙ نهياً عامًّا. أما من لا يعلم: هل يكرهون ذلك؟ فالصواب كما قال ابن جرير المنع إلا بإذنهم له في ذلك للخبر الذي روي عن رسول الله أنه نهى عن الدخول بين المتناجيين في كراهية ذلك إلا بإذنهم.
          والتصور سلف في الزينة أنه حرام فيما له صورة، وأرخص ابن عباس في تصوير الشجر ونحوها، ومنهم من جعل خبر النمرقة السالف ناسخاً لحديث النهي؛ لأجل أنهم كانوا حديثي عهد بعبادة الصور، ثم أبيح الرقم للحاجة إلى اتخاذ الثياب، ولا يؤمن على الجاهل تعظيم ما يوطأ ويمتهن.