مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: إذا رأى بقرًا تنحر

          ░39▒ بابٌ إذا رأى بقراً تنحر
          فيه حديث أبي موسى أراه عن النبي صلعم: ((رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض)) الحديث، وسلف في غزوة أحد مختصراً والسند واحد.
          و(وهلي) يعني: وهمي عن صاحب ((العين)) وعليه اقتصر ابن بطال، وقال ابن التين: هو بسكون الهاء. تقول: وهلت بالفتح أهل وهلاً: إذا ذهب وهمك إليه وأنت تريد غيره، مثل: وهمت، ووهل في الشيء بالكسر وعن الشيء يوهل وهلاً بالتحريك: إذا فزع. كذا ذكر أهل اللغة: ورويناه هنا وهلي بالتحريك. ولعله يجوز على معنى مثاله مثل البحر والبحر والنهر والنهر والشعر والشعر.
          و(اليمامة) بفتح الياء بلاد كان اسمها الجد فسميت باسم جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام. يقال: أبصر من زرقاء اليمامة.
          و(هجر) اسم بلد مذكر مصروف. وفي المثل: كبضع تمر إلى هجر. والنسبة إليها هاجري على غير قياس. قال الجوهري: أسماء البلدان الغالب عليها التأنيث. وترك الصرف إلا منى والشام والعراق وواسط ودابق وفلج وهجر فإنها تذكر وتصرف، ويجوز أن يريد به البلدة فلا يصرف.
          و(يثرب) هي المدينة شرفها الله تعالى، وسميت في القرآن يثرب على وجه الإخبار على تسمية المشركين لها يثرب قبل أن يسميها الله دار الإيمان.
          وفي ((الموطأ)): يقولون: يثرب قيل: كره أن يسميها يثرب، وإنما ذلك على وجه العيب لقائله. وقيل: من قال: يثرب وهو عالم كتبت عليه خطيئة / وقال ابن عزير: يثرب أرض والمدينة في ناحية منها. والذي في ((الصحاح)) وغيرها أنها المدينة والنسبة إليها يثربي بفتح الراء فتحت استيحاشاً؛ لتوالي الكسرات، قاله الجوهري.
          قال المهلب: هذه الرؤيا فيها نوعان من التأويل: فيها الرؤيا على حسب ما رئيت، وهو قوله: ((أهاجر إلى أرض بها نخل)) وكذلك هاجر، فخرج على ما رأى، وفيها ضرب المثل؛ لأنه رأى بقراً تنحر، فكانت البقر أصحابه، فعبر ◙ عن حال الحرب بالبقر من أجل ما لها من السلاح، والقرون شبهت بالرماح، ولما كان طبع البقر المباطحة، والدفاع عن أنفسها بقرونها كما يفعل رجال الحرب. وشبه ◙ النحر بالقتل.
          قوله: (والله خير) يعني: ما عند الله من ثواب القتل في سبيل الله خير للمقتول من الدنيا، وقيل: معنى:، و((الله خير)) أن صنعه خير لهم؛ وهو قتلهم يوم أحد، وقد يدل البقر على أهل البادية لعمارتهم الأرض وعيشهم من نباتها، وقد يدل الثور على الثائر؛ لأنه يثير الأرض عن حالها، فكذلك الثائر أيضاً يثير الناحية التي يقوم فيها ويحرك أهلها، ويقلب أسفلها أعلاها.
          قال ابن أبي طالب العابر: والبقر إذا دخلت المدينة فإن كانت سماناً فهي سنين رخاء، وإن كانت عجافاً كانت شداداً، وإن كانت المدينة مدينة بحر وإبان سفر قدمت سفن على عدتها وحالها، وإلا كانت فتن مترادفة كأنها وجوه البقر، كما في الخبر: ((يشبه بعضها بعضا)).
          وفي خبر آخر في الفتن: ((كأنها صياصي البقر)) يريد لتشابهها إلا أن تكون صفراً كلها فإنها أمراض تدخل على الناس، وإن كانت مختلفة الألوان شنيعة القرون أو كانت الناس ينفرون منها أو كان النار والدخان يخرج من أفواهها، فإنه عسكر، أو إغارة، أو عدو يضرب عليهم وينزل بساحتهم.