مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: إذا رأى ما يكره فلا يخبر بها ولا يذكرها

          ░46▒ باب إذا رأى ما يكره فلا يخبر بها ولا يذكرها
          فيه حديث أبي قتادة السالف في باب: الرؤيا من الله وكذا حديث يزيد وهو ابن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد أيضاً.
          قوله: (فليتفل) هو بكسر الفاء وحكى الجوهري الضم أيضاً، وقال: التفل يشبه البزاق، وهو أقل منه، أوله البزاق، ثم التفل، ثم النفث، ثم النفخ، وقال بعضهم: هذا بما يغلط فيه، فيجعلونه بالثاء ويضمون الفعل المستقبل منه، والصواب بالتاء والكسر في المستقبل لا غير. والنفث كالتفل إلا أن النفث نفخ لا بصاق معه، والتفل معه شيء من الريق.
          والأحاديث وردت مرة بالبصاق، ومرة بالتفل، ومرة بالنفث، والمعنى متقارب، ووجه نفثه إخساء الشيطان كما يتفل الإنسان عند الشيء القذر يراه أو يذكره، ولا شيء أقذر من الشيطان، فأمره بالتفل عند ذكره، وكونه ثلاثاً مبالغةً في إخسائه وكونه عن الشمال؛ لأن الشرور كلها تأتي عند العرب من جهته، ولذلك سميتها الشؤمى، ولذلك كانوا يتشاءمون بما جاء من قبلها من طائر ووحش أخذ إلى ناحية اليمين، فسمى ذلك / بعضهم بارحا، وكانوا يتطيرون منه، وسماه بعضهم سانحا وأنه ليس فيه كثير اعتمال من بطش وأخذ وإعطاء وأكل وشرب، وأصل طريق الشيطان إلى ابن آدم؛ لرعائه إلى ما يكرهه الله من قبلها.
          وإنما أمر الشارع إذا رأى ما يحب أن لا يحدث بها إلا من يحب؛ لأن المحب لا يعبرها إلا بخير، والعبارة لأول عابر، ولأنه لا يسوؤه ما يسر به صديقه، بل هو مسرور بما يسره وغير حريص أن يتأول الرؤيا الحسنة شر التأويل، ولو أخبر بها من لا يحبه لم يأمن أن يأولها شر التأويل، فربما وافق ذلك وجهاً من الحق في تأويلها فتحرج لذلك؛ لقوله ◙: ((الرؤيا لأول عابر))(1).
          وأما إذا رأى ما يكره فقد أمره الشارع بمداواة ما يخاف من ضررها وتلافيه بالتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، ويتفل عن شماله ثلاثاً، ولا يحدث بها فإنها لن تضره.
          قال الداودي: يريد ما كان من الشيطان، وأما ما كان من الله من خير أو شر فهو واقع لا محالة كرؤيا الشارع في البقر والسيف.
          قال: وقوله: (ولا يذكرها لأحد) يدل أنها إن ذكرت فربما أضرت، وإن كانت من الشيطان كما أن ما يسر له من القول السيئ يضره، وكذلك ما يريه في المنام في الذي يوسوس به في اليقظة، فمن عصاه ولم يذكر رؤياه واستعاذ بالله من شره وذكر الله لم يضره ما يكون منه، وقال ابن عبد الملك: إن معنى الحلم الذي من الشيطان: هواه، ومراده لا أنه يفعل شيئاً، وأمره بالتعوذ والتفل؛ لأن هذا الفعل يرفع الوهم عنه وللوهم تأثير.
          فإن قلت: قد سلف من أقسام الرؤيا أنها قد تكون منذرة ومنبهة للمرء على استعداد البلاء قبل وقوعه رفقاً من الله بعباده لئلا يقع على غرة فيقتل، فإذا وقع على مقدمة وتوطين كان أقوى للنفس وأبعد لها من أذى البغتة، وقد سلف في علم الله إذا كانت الرؤيا الصحيحة من قبل الله محزنة أن تضر من رآها، فما وجه كتمانها؟
          أجاب المهلب: أنه إذا أخبر بالرؤيا المكروهة فيسُوء حاله ولم يأمن أن تفسر له بالمكروه فيستعجل الهم ويتعذب بها، ويترقب وقوع المكروه فيسوء حاله، ويغلب عليه اليأس من الخلاص من شرها، ويجعل ذلك نصب عينه، وقد كان دَاواه الشارع من هذا البلاء الذي عجله لنفسه بما أمره به من كتمانها والتعوذ بالله من شرها، وإذا لم تفسر له بالمكروه بقي بين الطمع والرجاء المجبولة عليه النفس أنها لا تجزع إما لأنها من قبل الشيطان، أو لأن لها تأويلاً آخر على المحبوب، فأراد ◙ أن لا تتعذب أمته بانتظارهم خروجها بالمكروه فإن الرؤيا قد يبطئ خروجها، وعلى أن أكثر ما يراه الإنسان مما يكرهه فهو من قبل الشيطان، فلو أخبر بذلك كله لم ينفك دهره دائماً من الاهتمام بما لا يؤذيه أكثره، وهذه حكمة بالغة، واحتياط على المؤمنين، فجزاه الله عنا من نبي خيراً.
          قال والدي ⌂:
          (باب إذا طار الشيء).
          قوله: (سعيد بن محمد الجرمي) بفتح الجيم وإسكان الراء الكوفي، و(صالح) هو ابن كيسان، و(عبد الله بن عبيدة) مصغر ضد الحرة أبو نشيط بفتح النون وكسر المعجمة الربذي بفتح الراء والموحدة والمعجمة وذكر بلفظ المجهول في الموضع الثاني.
          فإن قلت: فما حكم هذا الحديث حيث لم يصرح باسم الذاكر؟ قلت: غايته الرواية عن صحابي مجهول الاسم ولا بأس به لأن الصحابة كلهم عدول.
          قوله: (سوارين) في بعضها إسوارين، و(فظعتهما) بكسر الظاء المعجمة أي: استعظمت أمرهما، و(عبيد الله) هو ابن عبد الله بن عتبة بسكون الفوقانية، و(العنسي) بفتح المهملة وإسكان النون وبالمهملة اسمه: الأسود الصنعائي وكان يقال له ذو الحمار لأنه علم حماراً إذا قال له اسجد يخفض رأسه قتله فيروز الديلمي.
          و(مسيلمة) تصغير مسلمة ابن حبيب ضد العدو الحنفي اليمامي كان صاحب نيرنجيات وهو أول من أدخل البيضة في القارورة قتله وحشي قاتل / حمزة ☺ مر في علامات النبوة.
          قال المهلب: أولهما بالكذابين لأن الكذب إخبار عن الشيء بخلاف ما هو به ووضعه في غير موضعه.
          و(السوار) في يده ليس في موضعه لأنه ليس من حلي الرجال وكونه من الذهب مشعر بأنه شيء يذهب عنه ولا بقاء له، و(الطيران) عبارة عن عدم ثبات أمرهما، و(النفخ) إشارة إلى أن زوالهما بغير كلفة شديدة لسهولة النفخ على النافخ.
          قوله: (محمد بن العلاء) بالمد، و(بُريدٌ) مصغر برد، و(أبو بردة) بضم الموحدة وإسكان الراء وأراه بالضم أظنه وهو قول الراوي عن أبي موسى، و(الوهل) بفتح الواو وسكون الهاء وبفتحها الوهم، و(اليمامة) بخفة الميم بلاد الحربين مكة واليمن سميت باسم جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام، و(هجر) بالهاء والجيم المفتوحتين، قاعدة أرض البحرين وقيل بلد باليمن، و(يثرب) كان اسم مدينة النبي صلعم في الجاهلية.
          قوله: (فيها) أي: في الرؤيا وقد جاء في بعض الروايات بقر تنحر وبهذه الزيادة؛ أي تنحر يتم تأويل الرؤيا إذ نحر البقر هو قتل المؤمنين يوم أحد، و(الله خير) مبتدأ وخبر أي: ثواب الله للمقتولين خير لهم من بقائهم في الدنيا أو صُنعُ الله خير لكم قيل والأولى أن يقال إنه من جملة الرؤيا وأنها كلمة سمعها عند رؤياه البقر بدليل تأويله لها بقوله صلعم فإذا الخير ما جاء الله به.
          قوله: (بعد يوم بدر) أي: من فتح مكة ونحوه وفي بعضها بعد بالضم أي بعد أحد ونصب يوم فقيل معناه ما جاء الله به بعد بدر الثانية من تثبيت قلوب المؤمنين؛ لأن الناس جمعوا لهم فزادهم ذلك إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، و(تفرق العدو) هيبة لهم أقول: ويحتمل أن يراد بالخير الغنيمة، و(بعد) أي: بعد الخير والثوابُ والخيرُ حصلا في يوم بدر مر في العلامات، قيل: شبه الحربَ بالبقر لأجل ما لها من السلاح ولما كان طبع البقر المناطحة والدفاع عن نفسها والقتل بالنحر.
          قوله: (همام بن منبه) بكسر الموحدة الشديدة، وكان في أول كتابه من الأحاديث نحن الآخرون أي: في الدنيا السابقون أي: في الآخرة، فكلما روى (خ) حديثاً منه رواه أولاً، ثم أتبعه بالمقصود هكذا قيل ومثله مر في آخر الوضوء بما فيه فتأملها.
          قوله: (كبُرا) بضم الموحدة؛ أي: عظم أمرهما وشق علي، و(صنعاء) بالمد وصاحبها الأسود العنسي، و(مسيلمة الكذاب) هو صاحب اليمامة.
          قوله: (الكورة) بضم الكاف الناحية والمدينة، و(إسماعيل) ابن عبد الله بن أويس مصغر الأوس الأصبحي وأخوه عبد الحميد، و(موسى بن عقبة) بضم المهملة وسكون القاف، و(مهيعة) بفتح الميم والتحتانية وسكون الهاء بينهما وبالمهملة، و(الجحفة) بضم الجيم وإسكان المهملة، ميقات المصريين، و(الوباء) مقصور وممدود، و(محمد المقدمي) بفتح الدال المشددة، و(فضيل) مصغر الفضل بالمعجمة ابن سليمان، و(في المدينة) أي: في شأنها.
          فإن قلت: ما حكم هذا الحديث حيث لم يقل قال رسول الله صلعم؟ قلت: لزم من التركيب إذ معناه قال رأيت فهو مقدر في حكم الملفوظ.
          قوله: (أبو بكر) ابن أبي أويس مصغر الأوس بالواو والمهملة هو عبد الحميد المذكور آنفاً وأهل الجحفة كانوا يهود كثير الأذى للمسلمين، و(ثوران الرأس) مؤول بالحمى لكونها مثيرة للبدن بالاقشعرار وارتفاع الشعر لا سيما من السوداء فإنها أكثر استيحاشاً.
          قوله: (هز) أي حرك، و(الفتح) أي فتح مكة، قال المهلب: هذه الرؤيا ليست على وجهها بل على ضرب المثل؛ لأن السيف ليس هو الصحابة لكنهم لما كانوا ممن يصال بهم كما يصال بالسيف عبر عنهم بالسيف.
          قوله: (حلم) بضم اللام وسكونه، و(تحلم) أي: تكلف الحلم، و(كلف) أي: يوم القيامة أي: يعذب بذلك وذلك التكليف نوع من التعذيب فلا استدلال به في جواز تكليف ما لا يطاق كيف وأنه ليس / في دار التكاليف.
          قوله: (كارهون) أي: لاستماعه أو هاربون من ذلك، و(الآنك) بالمد وضم النون وبالكاف الرصاص المذاب.
          قوله: (وكلف) يحتمل أن يكون عطفاً تفسيريًّا لقوله عذب وأن يكون نوعاً آخر مر مباحث التصوير في آخر كتاب البيع.
          قوله: (وصله أيوب) قال ذلك لأنه في الطُّرُق الأخر التي بعده موقوف غير مرفوع إلى النبي صلعم، و(أبو هاشم) يحيى ابن أبي الأسود، دينار الرماني بالراء المضمومة وشدة الميم وبالنون كان ينزل قصر الرمان بواسط مر في سورة الحج.
          فإن قلت: أين جزاء هذه الشروط وهي من صور واحدة(2)؟ قلت: كلف وصب وعذب كما تقدم فهذا اختصار.
          قوله: (إسحاق) هو ابن شاهين بالمعجمة وكسر الهاء، و(خالد) هو ابن عبد الله الطحان، و(خالد الثاني) هو الحذاء، و(هشام) هو ابن حسان القُردوسي بضم القاف والمهملة وسكون الراء وبالمهملة.
          قوله: (علي بن مسلم) بكسر اللام الخفيفة الطوسي ثم البغدادي، و(الفرية) الكذبة العظيمة التي يتعجب منها والجمع فرى نحو لحية ولِحى، و(أفرى الفرى) أي: أكذب الأكاذيب، و(ما لم تر) أي العين، وفي بعضها: ما لم تريا باعتبار رؤية عينيه مثنى.
          فإن قلت: هو لا يرى عينيه بل ينسب إليهما الرؤية؟ قلت: المقصود نسبته إليهما واختاره عنهما بالرؤية.
          فإن قلت: الكذب في اليقظة أكثر ضرراً لتعديه إلى غيره ولتضمنه للمفاسد فما وجه تعظيم الكاذب في رؤياه بذلك؟ قلت: هو لأن الرؤيا جزء من النبوة والكاذب فيها كاذب على الله وهو أعظم الفرى وأولى بعظيم العقوبة.
          قوله: (سعيد بن الربيع) بفتح الراء، و(عبد ربه) ابن سعيد الأنصاري، و(يمرضني) من الأمراض، و(أبو قتادة) بفتح القاف الحارث.
          قوله: (ليتفل) بالفوقانية وضم الفاء وكسرها؛ أي: ليبصق وذلك لطرد الشيطان واستقذاره.
          قوله: (إبراهيم بن حمزة) بالمهملة والزاي وكذا ابن أبي حازم عبد العزيز، و(الدراوردي) بفتح المهملة والراء والواو وسكون الراء وبالمهملة عبد العزيز أيضاً، و(يزيد) من الزيادة ابن الهاد، و(من الشيطان) أي: من طبعه وهي وفق رضاه وإلا فالكل من الله تعالى، و(لا يذكرها لأحد) لأنه ربما يفسرها تفسيراً مكروهاً على ظاهر صورتها وكان محتملاً فوقعت كذلك بتقدير الله تعالى ولهذا قال في الرؤيا الحسنة لا يحدث بها إلا من يحب لأنه إذا أخبر بها عدوه مثلاً ربما حمله البعض على تفسيرها بمكروه فقد تقع على تلك الصفة ويحصل له في الحال حزن من ذلك التفسير.
          الزركشي:
          (في يدي إسوارين) كذا بالألف، وللأكثر في اللغة سوارتان بغير ألف، وحكى قطرب إسوار، وذكر أن أساور جمع إسوار.
          (ففظعتهما) بضم الفاء الثانية وكسر الظاء المشالة من فظع الأمر اشتد، قال بعضهم: هكذا روي متعد حملاً على المعنى؛ لأنـ[ـه] بمعنى أكبرتهما وخفتهما والمعروف فظعت به أو منه.
          (العنسي) بالنون اسمه: عَبْهُلة بن كعب، وكان يقال له: ذو الخمار، زعم أن الذي يأتيه ذو خمار.
          (مسيلمة) اسمه ثمامة بن قيس.
          (وهلي) بتحريك الهاء؛ أي: سبق وهمي.
          (ورأيت فيها بقرا والله خير) برفع الهاء مع اسم الله؛ أي: وثواب الله لهُم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وعند بعضهم بالكسر على القسم، وسبق إيضاحه في علامات النبوة.
          (بعد يوم بدر) بضم الدال وفتح الميم من ((يوم)) في رواية الجمهور، وضبطه بعضهم بفتح الدال وكسر الميم، ومال إليه القاضي إذا جعلنا ذكر ((خير)) فيه على التفاؤل؛ أي: وإذا رأيت الذي كرهته وتفاءلت فيه الخير، أو الصواب فيه في الآخرة هو ما أصاب المسلمين بعد يوم بدر بأحد.
          وقال في موضع آخر: روي ((خيراً)) بالنصب مفعول ((فرأيت))، قال: وقد سقط هنا في الحديث قوله: ((تنحر)).
          (مهيعة) بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الياء عند أكثرهم، وقيل: بفتح الميم وكسر الهاء، فعيلة هي الجحفة.
          (الآنك) بالمد وضم النون هو الرصاص المذاب الأبيض، وقيل: الأسود، وقيل: الخالص منه، ولم يجئ / على أفعل واحداً غيره، وقيل: إنما هو فاعل لا أفعل(3).
          (أفرى الفرى) أي: أكذب الكذب، والفرية الكذبة العظيمة، وجمعها: فُرى مقصور، كلحية ولحى، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (عن ابن عبيدة بن نشيط) هو عبد الله بن عبيدة بن نشيط أخو موسى بن عبيدة يقال بينهما في الولادة ثمانون سنة.
          قوله: (ففظعتهما) كذا جاء متعديا حملاً على المعنى؛ لأنه بمعنى أكبرتهما وخفتهما والمعروف فظعت به أو منه.
          قوله: (قتله فيروز باليمن) هو ابن أخت النجاشي قتله في حياة النبي صلعم في آخر حياته ووصل خبر قتله إياه في مرضه الذي توفي فيه فقال ◙: قتله الرجل الصالح فيروز الديلمي وهو من أبناء الفرس الذين بعثهم كسرى إلى اليمين، وفي رواية قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين وقيل: قتله في خلافة أبي بكر سنة إحدى عشرة توفي فيروز في خلافة عثمان وقيل مات باليمن في خلافة معاوية.
          قوله: (ورأيت فيها بقراً) وفي غير الصحيحين بقرا تنحر وبهذه الزيادة يتم تأويل الرؤيا لأن نحر البقر هو قتل الصحابة الذين قتلوا يوم أحد(4).
          قوله: (أخرج الشيء من كورة) هي المدينة وجمعها كور.
          قوله: (من تحلم بحلم لم يره) فإن قيل: كذب الكاذب في قومه لا يؤيد على كذبه في يقظته فلم زادت عقوبته على كذب اليقظة وتعليقه عند الشعيرتين قلنا: قد صح أن الرؤيا الصادقة جزء من النبوة والنبوة لا تكون إلا وحياً والكاذب في رؤياه يدعي أن الله أراه ما لم يره والكاذب على الله أعظم فرية ممن كذب على المخلوق.
          فإن قيل: ما الحكمة في كونه يكلف أن يعقد شعرتين دون غيرهما؟ قلنا: لأنه قال قول من لا يشعر لأنه لو كان يشعر ما قال ما قال فكلف أن يعقد بين ما هو مشتق من جنس ما جهله وهما الشعيرتان.
          أقول فإن قيل ما الحكمة في أنه يعذب بهذا دون غيره من أنواع عذاب الله العاصين؟ قلت: لأن الشعيرتين لا يلتقيان ولا يمكن أن يعقدا فهو جزاء من جنس ما كذب به وهو أنه قال عن نفسه ما لم يكن وقع يتكلف أن يفعل ما لا يمكن أن يقع وهذا الإشكال غير الإشكال السابق فاعلمه.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: وطرف السماك بعد للتفرق والنقل ألا ترى أنه ◙ قال في الصلاة فليبزق عن شماله فتكلم أن طرف اليمن مكرم وطرف الشمال ليس كذلك)).
[2] في المخطوط: ((وأخواه)) ولعل الصواب ما أثبتناه.
[3] في هامش المخطوط: ((أقول: قوله فاعل فيه نظر فإن النون مضمومة من الآنك)).
[4] في هامش المخطوط: ((أقول: في المطالع قوله رأيت بقراً والله خيراً تقديره رأيت والله خيرا بقرا تنحر، ذكره في آخر كتابه)).