مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب نزع الماء من البئر حتى يروى الناس

          ░28▒ باب نزع الماء من البئر حتى يروى الناس
          رواه أبو هريرة عن النبي صلعم ثم ترجم باب نزع الذنوب والذنوبين ثم ساق من حديث زهير، ثنا موسى، عن سالم، عن أبيه.
          ثم ساق حديث أبي هريرة في ذلك ثم ترجم باب الاستراحة في المنام.
          ثم ساق حديث أبي هريرة أيضاً.
          قال الخطابي: هذا مثل في رؤياه، وإنما يراد بالمثل تقريب علم الشيء وإيضاحه بذكر نظيره، وفي إغفال بيانه والذهاب عن معناه وعن موضع التشبيه فيه إبطال فائدة المثل وإثبات الفضيلة لعمر على الصديق؛ إذ قد وصف بالقوة من حيث وصف الصديق بالضعف، وتلك خطة أباها المسلمون والله أعلم: أنه إنما أراد بهذا إثبات خلافتهما، والإخبار عن مدة ولايتهما، والإبانة عما جرى عليه أحوال أمته في أيامهما؛ فشبه أمر المسلمين بالقليب، وهي البئر العادية؛ وذلك لما يكون فيها من الماء الذي به حياة العباد وصلاح البلاد، وشبه الوالي عليهم والقائم بأمورهم بالنازع الذي يستقي، يقربه من الوارد، ونزع أبي بكر ذنوباً أو ذنوبين على ضعف فيه إنما هو قصر مدة خلافته.
          والذنوبان مثل ما في السنتين اللتين وليهما وأشهرُ بعدهما، وانقضت أيامه في قتال أهل الردة واستصلاح أهل الدعوة، ولم يتفرغ لافتتاح الأمصار وجباية الأموال فذلك ضعف نزعه.
          وأما عمر فطالت أيامه واتسعت ولايته، وفتح الله على يديه العراق والسواد وأرض مصر وكثيراً من بلاد الشام / ، وقد غنم أموالها وقسمها في المسلمين، فأخصبت رحالهم، وحسنت بها أحوالهم، فكان جَودة نزعه مثلاً لما نالوا من الخير في زمانه.
          قال الخطابي: والعرب تضرب المثل في المفاخرة والمغالبة بالمساقاة والمساجلة، فتقول: فلان يساجل فلاناً؛ أي: يقاومه ويغالبه، وأصل ذلك أن يستقي ساقيان، فيخرج كل واحد منهما في سجله ما يخرج الآخر فأيهما يكمل غلب، قال العباس بن الفضل بن العباس بن عبد المطلب وهو على بئر:
من يساجلني يساجل ماجداً                     يملأ الدلو إلى عقد الكرب
          فسمعه الفرزدق فنضا ثيابه وقال: أنا أساجلك إدلالاً منه بآبائه. فلما انتسب له العباس لبس ثيابه، وقال: ما يساجلك إلا ابن فاعلة.
          ذكر الداوُدِي وأبو عبد الملك أيضاً أن معنى قوله: ((وفي نزعه ضعف)) قلة مقامه، قال ابن التين: وفيه نظر؛ لقوله: ((والله يغفر له)) كلمة تقال على التشريف كقوله: {عَفَا اللّهُ عَنكَ} [التوبة:43] واستشكل أيضاً قال: فكأنما أحيا الله بأبي بكر وأصلح على يديه لقلة عهده، ولا هوناً عند الله كما حلف عليه هو ثلاثاً، ثم ذكر قيامه وما أراد منه المسلمون أن يكف عن قتال مانعي الزكاة ويمسك جيش أسامة فأبى إلا القتال، فرجع المسلمون إليه، وأخرج أسامة إلى الوجه الذي بعثه رسول الله، وقاتل أهل الردة، وانقطع أطماع أهل الكفر والنفاق، وجمع الله أمر المسلمين فلم يزل صاعداً.
          والذنوب: الدلو الملأى وتكون النضيب، قال صاحب ((العين)): نزعت الشيء نزعاً: قلعته، وبئر نزوع: إذا نزعت دلاؤها بالأيدي، وجمل نزوع: ينزع عليه الماء.
          قوله: (فاستحالت غربا) أي: استحالت الدلو غرباً، والغرب: الدلو العظيمة، كما ذكره في ((المجمل))، و((الصحاح)) والقزاز. زاد أبو عبد الملك: والغَربُ كل شيء رفيع. وقال الداودي: يعني الخطوط الحمر التي ترى بباطن الكف عند رفع الدلاء. والعبقري: الحاذق، وقيل: المقدم. وقال الأصمعي: السيد. وقال أبو عبيد: وأصله فيما يقال أنه نسب إلى عبقر؛ موضع تزعم العَربُ أنه من أرض الجن، ثم نسبوا إليه كل ما تعجبوا من حرفة أو جودة صنعته ولونه، وهو واحد وجمع، والأواني عبقرية. وقال الداودي: عبقر قرية يصنع بها الديباج الحسن، ومن هذا قيل للبسط: عبقرية.
          قوله: (يفري فريه) أي: يعمل عمله ويقول كقوله، وهو مشدد الياء، ومنه قوله تعالى: {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} [مريم:27] قال الخليل: يقال في الشجاع: ما يفري أحد فريه، مخففة الياء، ومن شدد أخطأ.
          والعطن ما حول الحوض والبئر من مبارك الإبل للشرب عللا بعد نَهل، ومعنى ضربت بعطن: بركت. قال ابن السكيت: وكذلك تقول: هذا عطن الغنم. قال في ((المجمل)) عن بعض أهل العلم: لا تكون أعطان الإبل إلا على الماء، فأما مباركها في البرية أو عند الحي، فهي المأوى، ويكون مناخها مراحاً أيضاً، والعطن والمعطن واحد، وقال ابن الأعرابي: أصل العطن: الموضع الذي تبرك فيه الإبل قرب الماء إذا شربت؛ لتعاد إليها إن أرادت ذلك. يقال: عطنت الإبل وأعطنها صاحبها، والمعنى: أن الناس انبسطوا في ولاية عمر، وانتشرت ولايتهم، وفتحوا البلاد حتى قسموا المسك بالصاع. وقال الداودي: قيل له: عطن؛ لتغير رائحته.
          قوله: (فأخذها ابن أبي قحافة) هو الصديق كما في الروايات، وأبو قحافة: عثمان.
          قال المهلب: وفيه دليل أن الدنيا للصالحين دار نصب وتعب، وأن الراحة منها في الموت على الصلاح والدين، كما استراح من تعب ذلك السقي بالموت.
          والحوض في قوله: ((بينا أنا نائم رأيتني على حوض / ..)) إلى آخره.
          معدن العلم، وهو القرآن الذي يغترف الناس كلهم منه دون أن ينقص حتى يرووا، وهو معدن لا يفنى ولا ينتقص.