مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الأخذ على اليمين في النوم

          ░36▒ باب الأخذ على اليمين في النوم
          وذكره من طريق سالم عنه، وقد سلف في فضل قيام الليل، ومناقب ابن عمر، ونوم الرجال في المسجد، وغير ذلك.
          قوله: (في يد كل واحد منهما مقمعة) هي بكسر الميم، والمقامع سياط من حديد رءوسها معوجة قال الجوهري: المقمعة كالمحجن، والمحجن كالصولجان. وقال الداودي: المقرعة والمقمعة واحد.
          قوله: (لها قرون كقرون البئر) وقرنا البئر منارتان تبنيان على رأسها، ويوضع فوقها خشب تعلق البكرة فيه، والعزب بفتح العين والزاي.
          ومعنى (لم ترع): لم تخف، والروع الفزع.
          قوله: (لو كان يكثر الصلاة) قال ابن التين: ليس في الرؤيا إنما هو وحي لرسول الله قلت: سلف أنها من الملك في الرؤيا.
          قوله: (يقبلان بي إلى جهنم) يقال: أقبلته الشيء؛ أي: جعلته على قبالته.
          هذا الحديث بما فسرت فيه الرؤيا على وجهها.
          وفيه: دليل على توعد الله عباده، وجواز تعذيبهم على ترك السنن.
          وقول الملك: (لم ترع، نعم الرجل أنت..) إلى آخره، هذه الزيادة تفسر سائر طرق هذا الحديث.
          وفيه: الحكم بالدليل؛ لأن عبد الله استدل على أن اللذين أتياه ملكان؛ لأنهما أوقفاه على جهنم، ووعظاه بها، والشيطان لا يعظ، ولا يذكر الخير، فاستدل بوعظهما وتذكيرهما أنهما ملكان.
          قوله: (لم ترع) هذا خرج على ما رآه عليه، وعلى أنه ليس من أهل ما رآه؛ لأنه إذا قام الدليل أنهما ملكان فلا يكون كلامهما إلا حقًّا.
          وفيه دليل على أن ما فسر في النوم فهو تفسير في اليقظة؛ لأن الشارع لم يزد في تفسيرها على ما فسرها الملك.
          وفيه دليل على أن أصل التعبير من قبل الأنبياء، وعلى ألسنتهم وهو كما قال، لكن المحفوظ عن الأنبياء وإن كان أصلاً فلا يعم أشخاص الرؤيا فلا بد للشارع في هذا العلم أن يستدل بحسن نظره، فيرد ما لم ينص عليه إلى حكم التمثيل، ويحكم له بحكم التشبيه الصحيح، فيجعل أصلاً يقاس عليه، كما يفعل في فروع الفقه.
          وفيه جواز المبيت للعزب في المسجد، وجواز النيابة في الرؤيا، وقبول خبر الواحد العدل.
          قال والدي ⌂:
          (باب نزع الماء من البئر حتى يروى) بفتح الواو.
          قوله: (يعقوب بن إبراهيم بن كثير) بالمثلثة الدورقي، و(شعيب ابن حرب) ضد الصلح المدائني مات سنة سبع وتسعين ومائة، و(صخر) بفتح المهملة وسكون المعجمة ابن جويرية مصغر الجارية بالجيم، و(الذنوب) بفتح المعجمة الدلو الممتلئ ماء، و(النزع) الاستقاء، و(الضعف) بالضم والفتح لغتان، و(استحالت) أي: تحولت من الصغر إلى الكبر.
          و(الغربُ) الدلو الكبير، و(العبقري) بفتح المهملة والقاف وإسكان الموحدة بينهما وبالراء، الكامل الحاذق في عمله، و(يفري) بالفاء وكسر الراء (فريه) بفتح الفاء والراء المكسورة وشدة التحتانية أي: يعمل عمله جيداً صالحاً عجيباً، و(العطن) للإبل كالوطن للناس وغلب على مبركها حول الحوض.
          قوله: (زهير) مصغراً ابن معاوية الجعفي، و(موسى) هو ابن عقبة بسكون القاف، و(سالم) هو ابن عبد الله بن عُمَر، و(القليب) هو البئر المقلوب ترابها قبل الطي، و(ابن أبي قحافة) بضم القاف وخفة المهملة عبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق ☺.
          النووي: قالوا هذا المنام مثال لما جرى للخليفتين من ظهور آثارهما وانتفاع الناس بهما وكل ذلك مأخوذ من النبي صلعم إذ هو صاحب الأمر فقام به أكمل قيام ثم خلفه أبو بكر بسنتين يقاتل أهل الردة وقطع دابرهم ثم خلفه عمر فاتسع الإسلام في زمنه فقد شبه أمر المسلمين بقليب فيه الماء الذي به صلاحهم وأميرهم بالمستقي لهم منها وأما ما قال، و(في نزعه ضعف) فليس فيه حط من فضيلة / أبي بكر ☺، وإنما هو إخبار عن حال ولايتهما وقد كثر انتفاع الناس في ولاية عمر لطولها واتساع الإسلام والفتوحات وتمصير الأمصار وإما (والله يغفر له) فليس له تنقص فيه ولا إشارة إلى ذنب، وإنما هي كلمة كانوا يدعمون بها كلامهم ونعمت الدعامة.
          وفيه إعلام بخلافتهما وصحة ولايتهما وكثرة انتفاع المسلمين بهما.
          قوله: (على حوضي) فإن قلت: سبق على بئر وعلى قليب؟ قلت: لا منافاة.
          و(تولى) أي: أعرض وفي لفظ (يتفجر) إشارة إلى زيادة الإسلام مر الحديث في الفضائل وقبيله.
          قوله: (رأيتني) بضميري المتكلم، و(يتوضأ) إما من وضاءة الوجه وإما من الوضوء.
          فإن قلت: الجنة ليست دار التكليف فما هذا الوضوء؟ قلت: لا يكون على وجه التكليف.
          و(بأبي أنت) أي: مفدى بأبي أنت.
          وفيه جواز ذكر الرجل بما علم من خلقه كغيرة عمر ☺.
          و(عمرو بن علي) بالواو، و(رجل من قريش) يعني به عمر وعرف رسول الله صلعم أن المراد به عمر إما بالوحي وإما بالقرائن مر في الفضائل.
          قوله: (سبط) بسكون الموحدة وكسرها، و(ينطف) بضم الطاء وبالكسر.
          فإن قلت: مر في الأنبياء في باب مريم وأما عيسى فأحمر جعد؟ قلت: ذاك ليس في الطواف بل في وقت آخر ويراد به جعودة الجسم أي: اكتنازه.
          و(ابن قطن) بفتح القاف والمهملة وبالنون عبد العزى، و(المصطلق) بفاعل الاصطلاق بالمهملتين، و(خزاعة) بضم المعجمة وخفة الزاي وبالمهملة.
          فإن قلت: الدجال لا يدخل مكة؟ قلت: لا يدخل وقت ظهور شوكته وأيضاً لا يدخل مستقبلاً، ولعل هذا كان بعد دخوله، قال المهلب: النطف الصب وكان ينطف؛ لأن تلك الليلة كانت ماطرة.
          أقول: يحتمل أن يكون ذلك أثر غسله بزمزم ونحوه، أو الغرض منه بيان لطافته ونظافته لا حقيقة النطف مر في كتاب الأنبياء.
          قوله: (الري) أي: ما يروى به يعني: اللبن أو هو إطلاق على سبيل الاستعارة وإسناد الخروج إليه قرينة وقيل: الري اسم من أسماء اللبن مر مراراً.
          قوله: (الروع) بفتح الراء الفزع، و(عبيد الله) مصغراً أبو قدامة بضم القاف وتخفيف المهملة اليشكري منسوباً إلى ضد يكفر السرخسي، و(عفان) بفتح المهملة وشدة الفاء، ابن مسلم الصفار البصري روى عنه (خ) في الجنائز بلا واسطة، و(صخر) مر آنفاً، و(بيتي المسجد) أي: كنت أسكن في المسجد، و(رؤيا) غير منصرف، و(المقمعة) بكسر الميم وسكون القاف وبإهمال العين، العمود أو شيء كالمحجن يضرب به رأس الفيل، و(يقبلان) بي من الإقبال ضد الإدبار أو من أقبلته الشيء إذا جعلته يلي قبالته.
          و(لم يرع) في بعضها: لن ترع بلن من الروع وهو الفزع.
          فإن قلت: لن ناصبة لا جازمة؟ قلت: قال ابن مالك: سكن العين للوقف ثم شبهه بسكون الجزم فحذف الألف قبله ثم أجرى الوصل مجرى الوقف ويجوز أن يكون جزماً والجزم بلن لغة حكاها الكسائي.
          و(القرون) جمع: القرن وهو الميل على فم البئر إذا كان من حجارة، و(أسفلهم) أي: منكسين، و(ذات اليمين) أي: جهة اليمين.
          قوله: (الأخذ باليمين) وفي بعضها على اليمين، و(العزب) من لا أهل له، و(الأعزب) قليل الاستعمال وأبيت ضد أطل وبغيره من العبارة واحداني بالنون، وفي بعضها بالموحدة مر في المناقب.
          قوله: (حمزة) بالزاي ابن عبد الله بن عمر مر الحديث في العلم.
          الزركشي:
          (فإذا امرأة تتوضأ) قال الخطابي: إنما هو امرأة شوهاء، وإنما أسقط الكاتب منه بعض حروفه فصار يتوضأ لالتباس ذلك في الخط؛ لأنه لا عمل في الجنة.
          وقال القرطبي: الرواية الصحيحة: ((تتوضأ))، وأما ابن قتيبة قال مكان تتوضأ: ((شوهاء))، قال ابن الأعرابي: وهي الحسنة، والقبيحة ضدها، ووضوء هذه إنما كان لتزداد حسناً ونوراً لا أنها تزيل وسخاً ولا قذراً إذ الجنة منزهة عن ذلك، وسبق الحديث في المناقب.
          (المقمعة) بميم مكسورة واحدة: المقامع، وهي سياط تعمل من حديد رؤوسها معوجة، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله (بينا أنا على بئر حولها غنم سودة وغنم غفر) أول الناس هذه الرؤيا في الخلافة لأبي بكر وعمر ولولا ذكر الغنم السود والغفر لتعدت الرؤيا عن معنى الخلافة، أو الغنم السود والغفر عبارة عن العرب والعجم.
          قوله: (فرى فريه) أي / : يعمل عمله ويقطع قطعه ويروى يفري فَرْيَه، وحكى عن الخليل أنه أنكر التثقيل وغلط قائله وأصل الفري القطع يقال: فريت الشيء أفريه فرياً إذا شققته وقطعته للإصلاح فهو مفري وفري، وأفريته إذا شققته على جهة الإفساد، وتقول العرب: تركته يفري الفرى إذا عمل العمل وأجاده.